قضية عربية: كامب ديفيد منعطف تاريخي في الشرق الاوسط: النبوي اسماعيل (وزير داخلية كامب ديفيد) يروي شهادته للبيان

ت + ت - الحجم الطبيعي

من مواليد حي (الدرب الاحمر) بالقاهرة تخرج من مدرسة الشرطة العام 1946 ليعمل في المباحث الجنائية ثم مباحث امن الدولة قبل ان يتم تعينه مديرا لمباحث النقل والمواصلات والتي اشتهر خلالها خصوصا, بمطاردة النشالين . تولى ادارة مكتب وزير الداخلية قبل ان يتم تعينه نائبا للوزير في فبراير من عام 1977. وبعد ستة اشهر من ذلك تمت ترقيته الى وزير للداخلية, ثم نائبا لرئيس الوزراء, ثم وزيرا للحكم المحلي حتى استقالته العام 1982. القاهرة - حوار ماجدة معمر بغض النظر عن انه يفسر الاحداث بعقلية امنية حكومية كونه رجل أمن, ويصف المعارضة بانها قلة عالية الصوت تدين لجهات خارجية وعناصر اجنبية, الا ان شهادة النبوي اسماعيل وزير داخلية مصر ابان سنوات كامب ديفيد لها اهميتها بالقطع ... فالرجل كلفه الرئيس المصري آنذاك بحفظ نظام البيت المصري من الداخل في ضوء قبول مبادرة السلام والذهاب الى القدس وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد مع ما صاحب كل هذا من توترات وقلاقل ظلت تغلي تحت السطح الى ان انفجرت متدافعة في وجه السادات يوم السادس من اكتوبر عام 1981 في حادث المنصة الشهير. والنبوي الذي انيطت به حماية ظهر السادات فشل في المهمة بالطبع. خصوصا انه قال انه عرف بموعد الاغتيال وحذر الرئيس الراحل منه لكنه لم يتمكن من الحيلولة دون وقوعه امام اصرار السادات على الانتحار على حد قوله . وكان السادات قرر عند بدء عملية السلام والذهاب للقدس ثم اجراء المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي في اتخاذ عدة اجراءات وتدابير لاعادة ترتيب البيت المصري من الداخل فعين اللواء النبوي اسماعيل وزيرا للداخلية ثقة في قدراته الأمنية والسياسية . وعندما سافر السادات للقدس قال للنبوي على سلم الطائرة: (خلي بالك من البلد يانبوي) فرد عليه قائلا: (اطمئن ياريس كل شيء هيكون كويس) . هنا شهادة النبوي اسماعيل المثيرة للجدل, نقدمها كما هي, تاركين الحكم عليها لفطنة القراء الذين قد يقبلونها او يرفضونها. خلي بالك من البلد - ماهي ظروف اختيارك وزيرا للداخلية في فترة حكم السادات؟ وكيف تعاملت مع الجبهة الداخلية عندما سافر السادات لتوقيع معاهدة كامب ديفيد وما نتج عنها من معارضة من قوى متعددة في المجتمع المصري والعربي؟ - في شهر اكتوبر من العام 1977 باشر الرئيس السادات اجراء تعديل وزاري وقال في اجتماع ضم نائبه حينها الرئيس الحالي حسني مبارك ورئيس الوزراء ممدوح سالم ان هناك ابعادا لهذا التعديل تتعلق بتعديل البيت من الداخل قبل ان يبدأ عملية السلام وسفره للقدس وخوض مباحثات كامب ديفيد بعدها, واشاد بادائي قائلا: (ان النبوي اثبت في الفترة التي تولى فيها مهام نائب وزير الداخلية - وكان ممدوح سالم يجمع بين رئاسة الوزراء ووزارة الداخلية - صلاحيته وكان يتحرك بعقلية سياسية والجماهير مرتاحة لادائه ولذلك ارى ان يسند اليه منصب وزير الداخلية, واذكر انه في ليلة سفر الرئيس السادات الى القدس وعند صعوده سلم الطائرة من مطار الاسماعيلية شد على يدي وقال: خذ بالك من البلد يانبوي وهو طبعا يقصد الجبهة الداخلية فقلت له : اطمئن ياريس كل شيء هيكون كويس) . ويستطرد : وعندما بدأ السادات في القاء خطابه في الكنيست الاسرائيلي بدأت اولى حلقات المعارضة وكانت من الفلسطينيين المقيمين بمصر حيث تجمع عدد كبير جدا منهم في نادي بمنطقة مصر الجديدة وكانوا يتابعون الخطاب, وهتفوا بشعارات معادية للسادات وزيارته للقدس, فأستأذن مدير أمن القاهرة في اقتحام النادي واخراجهم والقاء القبض عليهم. فرفضت ذلك وطلبت منه متابعة الامر من خارج المقر وتجمع عدد كبير من المصريين خارج النادي في حالة استياء واستنكار لموقف الفلسطينيين وبدأ الموقف ينذر باحتكاك بين الطرفين, فطلبت من مدير الامن ان يلتقي بقيادة التجمهر داخل النادي ويبصرهم بالموقف, ويحذرهم بان الامر سيخرج من ايدينا .. فقرروا الانصراف وطلبوا حمايتنا لهم وبالفعل حدث. على الجانب الآخر كان هناك اعجاب وانبهار من المصريين بجرأة السادات واقتحامه لعقر دار العدو من منطلق القوة والاعتزاز بنصر اكتوبر الذي غير الموازين. وعاد السادات من اسرائيل ووجد استقبالا اسطوريا داخل المطار وعلى طول الطريق وكانت هناك حشود هائلة تتجاوز اية اجراءات امنية. استقبال مدفوع الأجر - لكن يوجد اعتقاد بان هذه الجماهير التي خرجت لاستقبال السادات كانت باوامر امنية وتعبئة من الاجهزة المحلية, وكان ذلك مدفوع الثمن؟ - هذا الكلام غير صحيح ويردده اعداء السادات والذين رفضوا هذه الخطوة التاريخية, .. الناس كانت ملت و (زهقت) من الحرب, وايدت خطوة السادات. - تجميد حزب التجمع لنشاطه وتوقف جريدته (الاهالي) ... وايضا رفض القوى الناصرية والجماعات الاسلامية, كان دليلا على معارضة الاتفاقية .. وتصاعدت الاحداث بعد ذلك حتى وصلت الى قمتها في سبتمبر ,1981 حيث وضع السادات رموز المعارضة في السجن .. فما هو رأيك في ذلك؟ - عندما بدأت مفاوضات السلام ... اشتدت المعارضة في الداخل من احزاب المعارضة باستثناء حزب الاحرار واتفقت رؤيتهم مع ماكان ينشر في بعض الدول العربية من ان السادات وقع صلحا منفردا لمصلحة مصر وانه اغفل مصالح العرب والفلسطينيين على عكس ما اتضح بعد ذلك من انه كان حريصا على ضمان حقوق العرب وخاصة سوريا ولبنان وفلسطين وحصل من خلال اتفاقية كامب ديفيد على مالم يستطع العرب ان يحصلوا عليه بعد ذلك بل انهم يقولون (ياريت تجاوبنا مع دعوة السادات وقتها) . واذكر انه كان هناك مؤتمر في ميناهاوس ومن المفترض ان تحضره مصر وامريكا واسرائيل وفلسطين وكان هذا تأكيدا للحق الفلسطيني وطرحه على مائدة المفاوضات ولكن الوفد الفلسطيني تغيب عن المؤتمر , وانتهى الامر بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد, وتصاعدت نسبيا حدة التهجم عليها من بعض عناصر المعارضة ولكن اثرها كان محدودا وسط جموع الجماهير التي كانت تؤيد السلام بعد حروب مضنية كبدت مصر الآلاف من زهرة شبابها في القوات المسلحة وانهكت الاقتصاد المصري بصورة انعكست بالسلب على الجماهير في الخدمات والمعيشة. انفتاح طاقة النيران ويضيف النبوي: وانفتحت النيران من جهات متعددة خارج مصر وجندت بعض الدول العربية الرافضة لكامب ديفيد المنظمات الارهابية الاجنبية لمحاولة اختراق الجبهة الداخلية في مصر واحداث اغتيالات وانفجارات, ويسجل لجهاز الامن المصري ان هذه المخططات باءت بالفشل, وكان الارهابيون يتساقطون على ايدي رجال الامن ولم ينجحوا في عملية واحدة. - ولكن مع بداية اتخاذ اجراءات التطبيع تصاعدت حدة المعارضة داخل مصر ... فكيف واجهتموها؟ - تصاعدت حدة المعارضة في خط مواز مع بداية اجراءات التطبيع بين بعض احزاب المعارضة والتيار الاسلامي المتشدد واذكر انه كانت هناك تهديدات كبيرة جدا للأمن يوم تقديم السفير الاسرائيلي لاوراق اعتماده ولكن مر هذا اليوم بسلام. حكاية سعد حلاوة - ولكن كان هناك موقف شهير للمواطن سعد حلاوة في بلدة (اجهور) احتجاجا على اعتماد السفير الاسرائيلي ... واهتم الرئيس السادات بمتابعته ... فماذا تذكر عن هذا الحادث؟ - كان حادثا فرديا. اذ قام احد الاشخاص ويدعى سعد حلاوة في بلدة اجهور بالقليوبية باحتجاز بعض المواطنين بداخل مقر المجلس القروي وهدد بقتلهم اذا لم يطرد السفير الاسرائيلي من مصر وكان معه سلاح واخذ يطلق بعض الطلقات على رجال الأمن ووجهنا له النصح كثيرا وتوجهت بنفسي للقرية وحاولت نصحة. وايضا اهله حاولوا معه. ولكنه كان يتمادى في موقفه وفي اطلاق النار فاقتحمت قوات الشرطة المقر لاطلاق سراح الرهائن وتوفي اثناء الاشتباك. وكان يتردد بين اهل قريته انه لا يتمتع بقوى عقلية سليمة . وتقريبا كان يشكو من مرض عصبي. المعارضة عالية الصوت - لكن التقارير الطبية التي ظهرت بعد ذلك اثبتت عكس هذا الكلام واكدت انه كان سليما, ثم انه لو كان غير سليم عقليا, فكيف سيحدد مطلبه بطرد السفير الاسرائيلي وبين تقديم اوراق اعتماده بالاضافة الى اختياره لهذا اليوم بالذات؟ - على العموم هو في النهاية حادث فردي لا يؤثر في شىء, ولكن مع مرور الايام واتخاذ مزيد من الخطوات في التطبيع مع اسرائيل كانت تتصاعد حدة المعارضة واتسع نطاقها بين بعض الكتاب والسياسيين من الاحزاب الى جانب التيار الديني الذي بدأ يتجه الى العنف ... واخذ صوتهم يرتفع عاليا بما يوحي بان هناك معارضة كبيرة للسلام. ولكن احب ان اوضح انه قد يكون هناك ملايين المواطنين المؤيدين لموقف ما او قضية ما وقلة معارضة اذا ما قيست بهذه الملايين .. لكن القلة صوتها عالي جدا بينما الغالبية لا اود ان اقول سلبية او متفرجة ولكن اطمئنانها الى قلة عدد المعارضة يجعلها في حالة هدوء ومتابعة ... ولكن الموقف اصبح كما وصفه السادات نفسه في احد الاجتماعات يهدد بان ابطاء تنفيذ التزاماتها تجاه الانسحاب من الاراضي المصرية المحتلة بحجة انها غير مطمئنة الى التزام مصر بالتطبيع معها خاصة وقد ارتفعت اصوات معارضة داخل اسرائيل وفي بعض دول العالم تقول ان السادات نجح في استعادة الاراضي المصرية دون اراقة قطرة دماء واحدة بينما لم تحصل اسرائيل الا على ورقة , وان التطبيع يمكن ان يتوقف في اي وقت لسبب او لآخر بعد ان تكون اسرائيل انسحبت من جميع الاراضي المصرية ... وهنا غضب السادات من موقف عناصر المعارضة المصرية واعتبره ضارا بمصالح الوطن ... ومن هنا جاءته فكرة التحفظ على عدد من العناصر المعارضة لفترة حددها بستة اشهر تنتهي مع تاريخ الانسحاب المقرر من آخر جزء من الاراضي المصرية, وشمل التحفظ بعض السياسيين والكتاب والصحفيين وعدد من رجال الدين الاسلامي والمسيحي. والموقف - بامانة - كان يشير الى ان هناك اصابع تلعب من الخارج والداخل وقد يكون البعض من المعارضين بالداخل غير مقدرين للنتائج التي تضر بالمصالح العليا للوطن في ذلك الوقت ... وكان من الواضح ان مايحدث سيجر مصر الى وضع في منتهى الخطورة. وكان لابد من وقف النتائج التي قد تترتب على هذا التصعيد من عمد او جهل او عدم المام بابعاد الموقف او انسياقا وراء بعض المخططات دون وعي بابعادها ... وشكلت لجنة لبحث الاسماء التي تحتم الضرورة ادراجها في كشوف التحفظ. مخططات اغتيال السادات - ممن تكونت هذه اللجنة؟ - لا ... لا يمكن ان اقول طبعا, ولكن ما استطيع قوله انه كان يراعي فيها قصرها على اقل عدد بالنسبة للسياسيين والكتاب ورجال الدين فيما شملت عددا كبيرا من ذوي الاتجاهات الدينية المتطرفة من تنظيمات مختلفة ممن كان لهم دور في اثارة الجماهير وطلاب الجامعة وتعبئتهم ... ولعل ماكشف عن تنظيم الجهاد وما تبين من ابعاد مخططه يؤكد هذه الحقيقة وأود ان اشير الى حقيقة هامة مؤكدة هي ان التحفظ لم يكن السبب في اغتيال السادات والدليل على ذلك محاولة اغتياله في الاسكندرية ليلة الاحتفال بعيد ثورة يوليو سنة 1981 اي في توقيت سابق على اغتياله بعدة اشهر ولكن لم يستطع اعضاء التنظيم تدبير السلاح والمفرقعات اللازمة للعملية, وتكشف في سبتمبر 1981 ان تنظيم الجهاد يعد لاغتيال السادات ونجح جهاز مباحث امن الدولة في تصوير شريط فيديو صوت وصورة لاجتماع بعض قادة التنظيم اثناء فحص بعض الاسلحة لشرائها وارسلت نسخة من الشريط للرئيس السادات ونسخة اخرى لنائبه وقتها حسني مبارك. وقد سأل احد الاعضاء - على الشريط - زميله الذي يقوم بفحص ماسورة احد الاسلحة الاوتوماتيكية للاطمئنان الى سلامة السلاح عما ينوون عمله فاجاب: (اول طلقة ستوجه الى صدر السادات اللي ركب علينا اليهود) ... كما تم الوصول الى عدد من الحقائق التي اكدت خطورة التنظيم واستعداده, وتزامن هذا مع برنامج كبير لتحركات الرئيس السادات منها افتتاح عدد كبير من المشروعات في المحافظات مع انعقاد مؤتمر الحزب الوطني في قاعة الاحتفالات الكبرى بالقاهرة وكان آخر هذه الاحتفالات حضوره العرض العسكري بمناسبة ذكرى نصر اكتوبر المجيد ... وازاء كل هذه التحركات وتأمينا لها قررنا مهاجمة اوكار التنظيم الارهابي التي كشفت عنها المراقبة والتحريات وتم ذلك يوم الجمعة وقال السادات وقتها: (بعد انتهاء هذا البرنامج والعرض العسكري سأتوجه يانبوي لزيارة قبر اخي عاطف الذي استشهد في اول طلعة جوية في حرب اكتوبر ثم اتوجه الى سيناء لاقضي ليلة فيها حتى صلاة العيد ثم اتجه الى الاسكندرية لاستريح لاني تعبان) . وكان مقررا ان يسافر السادات صباح السبت بقطار من عربة ذات شرفة مكشوفة من القاهرة للمنصورة والقطار يسير ببطء لاستقبال تحية الجماهير التي اعتادت على ذلك واتصلت بالنائب (مبارك) صباح السبت وذكرته انني سبق ان عرضت عليه ان هناك تنظيما ارهابيا تقوم مباحث امن الدولة بمتابعته وعندما تكشفت خطورته من خلال شريط التسجيل والفيديو قررنا مهاجمته قبل بدء السادات لسلسلة تحركاته التي كان سيقوم بها في هذه الآونة خشية تمكنهم من اغتياله, وابلغته بما تم ضبطه من اسلحة وطلبت من مبارك ان يبلغ السادات بذلك فقال : انا رايح له على القناطر وسنتجه بالسيارة الى محطة سكك حديد قليوب المقرر بدء رحلة القطار منها ... فاتصلت بالسادات وابلغته ان التنظيم حدد هدفه باغتياله وبما انه في حوزته سلاح فقد قررت البدء في تصفيته قبل قيامكم بالبرنامج المقرر. وقد ضبطنا عدد من قياداته وبعض الملابس العسكرية التي اعدوها للاستعداد لعمليتهم فقال: قرارك صح يانبوي مادام اصبح في ايدهم سلاح وحددوا الهدف ماكنتش تقدر تنتظر اكثر من كده. فقلت : انا ارى انه يمكن السفر بالطائرة بدلا من القطار فقال: ان البرنامج اعد للسفر بالقطار لان الجماهير ستخرج ولذلك فالسفر بالقطار افضل . وعندما وصل الرئيس ومعه نائبه مبارك لقليوب سألني عما اذا كان قد جد شيء فابلغته اننا ضبطنا مجموعة اخرى بالهرم .. فقال: من الافضل ان يبقى مبارك بالقاهرة لتستعرضوا الموقف حتى اعود من المنصورة. فقلت: لن اتركك وسآتي معك كما كان مقررا فقال: لايانبوي هنا اهم وانا راجع لكم تاني: فاستدعيت المهندس سليمان متولي وزير النقل والمواصلات وطلبنا منه انا ومبارك لانه كان مرافقا للسادات في القطار ان يطلب من السائق زيادة سرعة القطار فحدث ذلك ولكن السادات لاحظ ذلك وكانت الجماهير قريبة من القطار ويحتمل اصابتها ... فطلب السادات من متولي ان يبطىء سرعة القطار حتى وصل الى المنصورة وكان استقباله هناك اسطوريا ويفوق اي ترتيبات حزبية او امنية. يقتلوك ايه ياريس - ولكن الحزب الوطني والأمن متهمان دائما بالقدرة الفائقة على حشد الجماهير!؟ - لا يستطيع الحزب الوطني لا وقتها ولا الآن ان يفعل ذلك وكذلك الأمن .. وعلى العكس فمن ناحية مفهوم الأمن وفي تلك الظروف التي كانت سائدة في ذلك الوقت وانا كوزير داخلية من الافضل ان يكون الحشد خفيفا وليس كثيفا فهذا اضمن واسلم, وبعد انتهاء المؤتمر اتجه السادات الى الاستاد للعودة بالطائرة الى القاهرة وكان في وداعه الوزراء فشاهد المهندس عثمان احمد عثمان يقف اسفل الطائرة فقال له: انت رايح فين ياعثمان فقال له راجع مصر تاني فطلب منه السادات ان يصعد ليركب معه وفي الطائرة قال لعثمان : شفت ياعثمان استقبال الجماهير فرد عليه : هذا كان استفتاء ياريس: فقال السادات: شوف الجماهير شعورها ايه, وشوف الناس الى عايزين يقتلوني. فرد عثمان: يقتلوك ايه ياريس! فقال السادات: النبوي ابلغني ان الداخلية اكتشفت ان هناك تنظيما ارهابيا معه اسلحة وحدد هدفه بقتلي, فرد عثمان: ياسيادة الريس لازم نقلل من حركتنا ونعطي الامن فرصة ينظف البلد من الاشكال دي. فقال السادات: مالكش حق ياعثمان انا عمري مش حيتقدم يوم ولا حيتأخر يوم والبرنامج لازم يمشي زي ماهو. وفعلا استمر البرنامج كما هو ... وكان آخر يوم قبل العرض هو افتتاح مدينة السلام التي تم بناؤها لاستيعاب كل الأسر التي تهدمت منازلها القديمة. التحذير الاخير ويستطرد النبوي: في اليوم التالي كان العرض العسكري بمناسبة الاحتفال بنصر 6 اكتوبر فاتصلت بالسادات تليفونيا مساء قمة اكتوبر وقلت له ياسيادة الريس انا قلقان بالنسبة لبكره. فقال: ليه يانبوي؟ قلت له: الطريق من البيت في الجيزة لمكان العرض مسافة كبيرة والموكب يسير بهدوء للرد على الجماهير وسيرافقك نائب الرئيس ووزير الدفاع واخشى ان تقوم مجموعة ارهابية من الهاربين بالصعود لاحد المباني والقاء مفرقعات على الركب اثناء سيره او ان تخرج مجموعة ارهابية بسيارة ملغومة من احد الشوارع الجانبية وتقتحم الركب وتفجر فيه السيارة. وانا من ناحيتي اعددت كل التدابير اللازمة لتفادي ذلك ومسؤول عن هذا تماما ولكن بقيت منطقة العرض وهذه منطقة ادخل فيها كمدعو فقط كأي وزير بتذكرة باعتبارها منطقة عسكرية وليست لدي اي معلومات عن حفظ الأمن فيها ولكن كل معلوماتي ان هناك قلة صغيرة جدا من الضباط لهم اتجاهات متطرفة واخشى ان يقوموا بعمل ما فرد السادات قائلا: يانبوي انا حذرت في خطابي الذي القيته يوم 28 سبتمبر في مؤتمر الحزب عبود الزمر (وهو احد الضباط الهاربين) واعتقد ان الهاربين الآخرين كل واحد منهم بيحاول ينفد بجلده ويهرب . فقلت له: ياسيادة الريس ان احد مصادر مباحث امن الدولة التي لها صلة بالتنظيم وتمدنا بالاخبار استدعى لمقابلة احد قيادات التنظيم في ميدان محطة سكك حديد الجيزة مساء وعندما توجه وجد عبود الزمر الضابط بالقوات المسلحة الذي سأل المصدر عما اذا كانت المباحث تعرف عنه شيئا فاجابه بالنفي فقال له: هانعمل عندك مخزن للسلاح والمفرقعات فسأله المصدر: انتم ناويين تعملوا ايه! فرد عبود وقال له: جزء كبير من قياداتنا واعضاء التنظيم ضبطتهم المباحث ويبحثون عن الباقيين وجزء كبير من سلاحنا تم ضبطه واحنا ضايعين ... ضايعين ولابد من عملية كبيرة نقوم بها وكان الزمر منفعلا بشدة - وهذا يعد تهديدا لكم ياسيادة الريس. فقال السادات: يانبوي ماتقلقش قلت : ياسيادة الريس اذا لم يكن عبود الزمر اكتشف امره وضبطت اسلحته في بيته كان من الممكن ان يكون في المنصه بحكم عمله ومعه سلاحه ضمن المجموعة التي تقوم بتأمين سيادتك دون ان يعرف احد شيئا عن امره او نشاطه ... فسكت السادات لبرهة حتى ظننت ان الخط قد قطع بيني وبينه ولكنه عاود الحديث وقال: يانبوي انتم عملتم عمل كبير .. واطمئن بكره انشاء الله هيعدي على خير .. وانتهت المكالمة. ولكن فكرت ان اتصل بالسيدة جيهان السادات والمهندس سيد مرعي لاني اعلم انهم يجتمعون به دائما قبل ليالي العرض والاحتفالات ليحاولوا التأثير عليه. ولكن استبعدت الفكرة امام اصرار السادات على حضور العرض. اجراءات رهيبة ولافائدة وحتى اكون مسؤولا عن سلامة وصوله من البيت لمكان العرض لا يمكن ان يتصور احد الاجراءات الامنية الرهيبة التي اتخذت لضمان سلامته وكنت طوال العرض في غاية القلق واتمنى ان ينتهي بسرعة وسلام حتى ننصرف من المنصة .. وبينما كانت الطائرات تحلق فوقنا في عروض بهلوانية في السماء كان الجميع ينظرون اليها في اعجاب شديد واستمتاع بينما كنت انظر انا اليها بقلق رهيب .. وتدور في ذهني تصورات ومخاوف ان يكون احد افراد التنظيم راكبا احدى هذه الطائرات ويقوم باقتحام المنصة بطائرته في عملية انتحارية ويفجرها وما ان انتهى عرض الطائرات ومر بسلام قلت (الحمد لله) ونزلت بعيني من السماء الى الارض لأرى خالد الاسلامبولي وكانت سيارته قد توقفت ونزل منها وتوجه الى المنصة فشاهدته وهو يلقي اول قنبلة على المنصة ويصيح فقلت بصوت منخفض ومسموع (عملتوها ... عملتوها) وكان بجواري د. عبد الرزاق عبد المجيد نائب رئيس الوزراء ووزير الاقتصاد وكان بيني وبين السادات ثلاث شخصيات , وبدأت اثناء اطلاق النار اراجع في ذهني الاجراءات الامنية فاطمأننت على الاذاعة والتلفزيون حيث كانت هناك اجراءات مكثفة سابقة, ودار في ذهني احتمال ان يصاب السادات فقط وينقل لاحدى المستشفيات ويحاول احد افراد التنظيم اغتياله في المستشفى فعملت احتياطات لتأمين المستشفى, وعلى اثر اطلاق النار شاهدت سيارة بيجو تابعة لوزارة الداخلية كان يستقلها ضابط اسمه اسامة مازن يعمل الآن نائب مدير امن اسوان شاهدته يدخل لمنطقة العرض وما ان شاهدته بسيارته اسفل المنصة حتى اندفعت من المنصة وامسكت بجهاز اللاسلكي واتصلت بغرفة العمليات بالوزارة وقلت في عبارة محددة: (نفذو الخطة 100 وتحول جميع التشكيلات الى قتالية) وهي الخطة التي وضعتها الوزارة عقب توليتي المسؤولية وتقتضي تنظيم كافة الاجراءات الامنية التي تكفل مواجهة او حتى محاولات الاخلال بالأمن على مستوى الجمهورية .. وان تحول جميع التشكيلات الى قتالية بمعنى انه لامجال للغازات او العصي والهراوات بل ان تحمل جميع القوات اسلحتها النارية ... واثناء ذلك سمعت اطلاق نار من حراس السادات على الارهابيين فدفعني مازن وقال لي : يا افندم ستصاب هكذا .. فنظرت للخلف فوجدت الرئيس الراحل حملوه خلف المنصة وبدأ الموجودون بالمنصة في الانصراف. واتجهت للوزارة واتصلت بمساعدي الوزير ومديري الامن بمحافظات الوجه القبلي والبحري وخاصة المحافظات التي تضم بعض الارهابيين واعطيتهم بعض التوجيهات لمواجهة الموقف وتأكدت في دقائق قليلة من تنفيذ هذه التعليمات ثم اتجهت الى مستشفى المعادي حيث يوجد الرئيس وكان مبارك موجودا بالغرفة المجاورة لغرفة العمليات .. وعندما حاولت الاستعلام عن حالة الرئيس اجابني د. المنيلاوي ان حالته خطيرة جدا, بينما قال د. عبد المجيد لطفي اعتبره مات .. لكننا لن نستطيع اعلان ذلك الا بعد توقف قلبه ونبضه .. وهنا وصلت جيهان السادات وابنتها الصغرى وسألت الطبيب عمر سبب عدم ارتدائه ملابسة كطبيب .. فقال لها: بصراحة انا غير قادر على رؤيته وهو بهذه الحالة فقالت له : فهمت لكن ابنتها صرخت فنهرتها وكانت تحاول ان تبدو متماسكة وقالت لي: سيادة الوزير شوف السيد حسني مبارك, مصر دلوقت اهم وانا سأنتظر هنا في المستشفى. فابلغت مبارك وخرجنا سويا من المستشفى الى مجلس الوزراء لنقوم باعداد بيان عن الحادث ودعوة مجلس الوزراء والامانة العامة للحزب للاجتماع , وظللت بمجلس الوزراء اتابع تنفيذ اجراءات الأمن التي اصدرتها .. ومن المؤسف في هذا الصدد ان يطلع علينا بعض الصحفيين ويكتبوا ان نبوي اسماعيل هرب من المنصة واختفى في اليوم التالي حتى تبين ابعاد الموقف. فهل هناك افتراء اكثر من هذا؟ ان يتهموني بذلك في حين انني كنت موجودا بالمستشفى مع مبارك وجيهان وممدوح سالم وكمال حسن علي علاوة على كل الوزراء والمسؤولين. المصير - ولكن ما رأيك في القول بان هذا مصير كل سياسي يضع يده في يد اسرائيل؟ - هذا القول لا يتفق والموضوعية وحقيقة المتغيرات الموجودة في العالم وحركة التاريخ وقد يكون فيه نزعة من نزعات الغضب والانفعال, وعلى العكس فان الخطوة التي قام بها السادات بزيارة اسرائيل في عقر دارها والخطاب الذي القاه في الكنيست الاسرائيلي, وما حصل عليه في اتفاقية كامب ديفيد من انهاء لحالة الحرب, والحفاظ على حقوق الامة العربية وما اكدته الايام بعد ذلك تعذر الوصول مع اسرائيل لاي حل, وبدأ الجميع يتحسرون على عدم الاستفادة من مبادرة السادات واتفاقية كامب ديفيد وعودة كل الاراضي المصرية الينا, ونجاح الرئيس مبارك في استعادة طابا بمعركة سياسية ناجحة دون اراقة دماء وبعد تضحيات كبيرة في حروب سابقة, كل هذا يدل على ان خطوة السادات كانت قفزة غير تقليدية لوضع نهاية للصراع العربي الاسرائيلي. اما عن التعاون مع اسرائيل في مجالات مختلفة فهذا محكوم باعتبارات وضوابط يمليها الواقع وحركة التاريخ ومصالح مصر والامة العربية وشعب فلسطين, ولعلنا نتابع في هذه الايام موقف مصر الصريح والشجاع تجاه الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني تجاه اي محاولة اسرائيلية لفرض سياسة الامر الواقع, او تحقيق صلح مع دولة على حساب دولة اخرى مما لايحقق المصالح العربية المشتركة ... واوضح ايضا للجميع ان الرئيس مبارك يقف مواقف شجاعة وواضحة تجاه الحفاظ على مصالح الامة العربية ويشهد بهذا الجميع. - في حين انك وصفت السادات بانه كان جسورا وشجاعا كان يراه الاخرون خائنا للوطن .. فما تعليقك؟ - هذا كلام غير صحيح .. فقراره في حرب اكتوبر يؤكد شجاعته وقراره بالسفر للعدو في عقر داره يؤكد جسارته وما حققه لمصر لم تستطع دولة اخرى ان تحققه لنفسها في عملية السلام.

Email