قضية عربية: كامب ديفيد منعطف تاريخي في الشرق الأوسط

ت + ت - الحجم الطبيعي

عشرون عاما مضت على توقيع أول معاهدة سلام عربية اسرائيلية بين الرئيس المصري انور السادات ورئيس الوزراء الاسرائيلي مناحم بيجين في حديقة البيت الابيض برعاية الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر , ورغم مرور عقدين على انطلاق قاطرة السلام الامريكي, مازال السلام حلما بعيد المنال, فعملية التسوية تلفظ انفاسها, والوسيط الامريكي عاجز عن انقاذها, وفقد القدرة تماما والرغبة في ممارسة ادنى ضغط على حكومة بنيامين نتانياهو لمجرد تنفيذ الاهداف والبنود المتواضعة لاتفاقيتي اوسلو 1 و2 والتي تسمح بالكاد لقيام كيان حكم ذاتي فلسطيني (هش) بلا قدرة على حماية نفسه او تقرير مصيره.وبعد عشرين عاما بات واضحا الحصاد المر لاتفاقية كامب ديفيد التي شكلت علامة فارقة ونقطة تحول حاسم ودرامي في مسيرة الصراع العربي الصهيوني. وأول الخسائر العربية لكامب ديفيد هي تمكن فيروس الفرقة والتشرذم والخلاف من الجسد العربي, فالعرب الذين جمعهم قرار حرب (التحرير) في معركة العبور ــ اكتوبر ــ رمضان 1973 فرقتهم كامب ديفيد, ومازالوا يدفعون فاتورة الكامب ديفيد حتى اليوم وفي المستقبل, لدرجة ان مجرد انعقاد قمة عربية بات حلما, وكان قبل الكامب وتداعياتها اجراء روتينيا. ثاني الخسائر الكبرى للكامب خروج مصر الدولة المحور والثقل العربي المركز من معادلة الحرب, وبالتالي تضخم شعورالكيان الصهيوني بالذات, وتنامي النزعة العدوانية والاستيطانية, ففي ظل الكامب قصفت اسرائيل المفاعل النووي العراقي ــ يونيو 1981 وغزت لبنان وقصفت بيروت 1982, وقصفت تونس لتدمر مقر منظمة التحرير 1984 وشنت غارات ارهابية عديدة في عمان وتونس ودمشق وبيروت وصيدا وغيرها. وبعد عشرين عاما من الكامب مازالت القدس مرتعا لعمليات الاستيطان والتهويد وفي العام المقبل تحتفل اسرائيل باعلانها عاصمة ابدية وموحدة, وتخطط لهدم الاقصى وبناء الهيكل المزعوم محله. وبعد عشرين عاما تخطط اسرائيل بدعم امريكي لعملية هدم منظم لنظامنا العربي الاقليمي لتقيم محله نظاما مصنعا بديلا اسمته (الشرق الاوسط الجديد) . خروجا من بيروت والكويت الفلسطينيون يركبون البحر كتب - مصطفى عبد الرازق تظل اتفاقيات كامب ديفيد رغم مرور عشرين سنة عليها موضوع اساس للجدل حول تأثيراتها على مجمل الصراع العربي الاسرائيلي, ورغم تباين التقييمات التي قدمت لها, الا ان لا يمكن الاختلاف على انها كانت نقطة محورية في تطور الصراع مع اسرائيل. ويعيد الكثيرون ما آل اليه الحال الآن ــ سواء كان ايجابيا ام سلبيا, وهو سلبي في اغلب الاراء الى الدور الذي لعبه الرئيس الراحل انور السادات والذي بدأ بمبادرته بالذهاب الى القدس وتبعها بكامب ديفيد ثم معاهدة السلام. وعلى حد ما ذهب اليه البعض فان خطوات السادات الاولى بما فيها كامب ديفيد كانت البداية الاولى لسقوط الدولة القائد في شراك التسوية على النهج الاسرائيلي. واذا كانت جميع اطراف المواجهة العربية ذات الصلة المباشرة بالصراع قد تأثرت بكامب ديفيد فان القضية الفلسطينية كانت اكثر الجوانب تأثرا بحكم عدم امتلاكها اية اوراق يمكن ان تناور بها بين الانظمة العربية التي تجاذبتها في ظل حالة الخلاف العربي ــ العربي الذي ساد عقب توجهات مصر السلامية المنفردة. ورغم انها فوجئت بمبادرة السلام ثم سلوكه طريق توقيع اتفاقيات رسمية الا ان منظمة التحرير اتجهت الى التفكير في نقل اتصالاتها الى القاهرة بناء على نصائح من الملك الحسن ملك المغرب باعتبار ان ذلك يمكن ان يؤدي الى حصولها على بعض استحقاقات السلام. غير ان اتساع نطاق الرفض العربي للنهج الساداتي ابطأ من خطوات المنظمة في هذا الاتجاه. ورغم ذلك فقد ظلت المنظمة حتى بعد كامب ديفيد حريصة على اعلام مصر بما يتم في غيبتها. وازاء حالة العزلة التي عاشتها مصر في تلك الفترة فقد سعى السادات الى جر القضية الفلسطينية الى جانبه شاعرا ان تلك اضافة تفاوضيه. وتضمنت الاتفاقات التي وقعها في كامب ديفيد ما سمي باطار للحكم الذاتي الفلسطيني, وهو ما رأت فيه القيادة الفلسطينية هضما للكثير من حقوق الشعب الفلسطيني, فطلبت اللجنة المركزية لفتح الى كل الفلسطينيين ان يرفضوا الحكم الذاتي المقترح باعتباره تكريسا للاحتلال الصهيوني وان يقاطعوا الانتخابات المقترحة بمقتضاه في الاراض المحتلة. ورغم ذلك لم ترفض القيادة الفلسطينية مساعي القاهرة لترتيب قناة مفاوضات سرية وهو ما بدأ بالفعل بين سعيد كمال ممثل المنظمة في القاهرة ومفكر سياسي يهودي هو ستيفن كوهين. ولأنها غير رسمية وبين اشخاص لا يمثلون ثقلا في الحكم في اسرائيل لم تسفر هذه المفاوضات السرية عن نتائج تذكر. وفي 1981 كان الحدث المحوري الآخر وهو اغتيال الرئيس السادات في السادس من اكتوبر, وهو ما كان يمكن ان يمثل بالنسبة للبعض انتهاء لمرحلة وبدءا لأخرى, او على الاقل (فرملة) حدة التوجهات السلامية المنفردة في السياسة المصرية. ورغم ذلك فلم تكن المنظمة على حد ما يذكر الكاتب الكبير حسنين هيكل, سعيدة باغتيال السادات على عكس اطراف عربية اخرى. الخروج من بيروت لم تمر سنة على اغتيال السادات حتى عاشت المنظمة حدثا يعد من اخطر الاحداث في تاريخها الا وهو معركة بيروت والحصار الذي عاشته قياداتها تحت النيران الاسرائيلية لعدة شهور. لقد كان ذلك بمثابة بداية مرحلة جديدة في تاريخ العمل الفلسطيني حيث مثل الخروج من لبنان نهاية المواجهة المباشرة بين المقاومة الفلسطينية واسرائيل بحيث لم تعد هناك نافذة مباشرة يمكن من خلالها العمل ضد اسرائيل. ولكن التوجه الى تونس بمثابة نفي للقيادات الفلسطينية او هو على الاقل حالة استرخاء للعمل العسكري لتبدأ معها مرحلة جديدة محورها العمل السياسي. ورغم ذلك فلم تمر سنوات حتى اتيحت الفرصة للمنظمة لتحريك الاوضاع من اتجاه تصعيد المقاومة من خلال الانتفاضة التي اندلعت نيرانها في قطاع غزة في 1987 وامتدت لتنتشر في بقية الاراضي المحتلة. ومع تأجج الانتفاضة لم يجد رئيس الوزراء الاسرائيلي انذاك اسحاق شامير سوى اعادة طرح مشروع الحكم الذاتي الذي يقوم على اساس انتخابات محلية داخل الاراضي المحتلة لمجلس تنفيذي يبحث المشاكل مع السلطات الاسرائيلية بقصد الوصول الى تسوية مؤقتة حتى نهاية فترة انتقالية مدتها خمس سنوات يبحث بعدها الحل النهائي للمشكلة الفلسطينية, وكان الطرح الشاميري يستبعد منظمة التحرير, وهو ما رفضته المنظمة بالطبع. وعادت الاوضاع الى مرحلة الجمود مع بوادر خمود الانتفاضة. غزو الكويت.. مرحلة فاصلة وفي عام 1990 القى العراق حجرا في بحيرة المنطقة الراكدة زلزل كيانها بغزوه للكويت وازاء التدخل الامريكي لانهاء الاحتلال العراقي, بدا ان هناك التزاما على واشنطن بالتدخل لتسوية الصراع العربي الاسرائيلي في محاولة لنفي تهم الكيل بمكيالين, وهو ما كان بالترتيب لمؤتمر مدريد للسلام عام 1991. وجاء دخول المفاوض الفلسطيني في هذه المفاوضات في ظل ظروف سيئة للمفاوضات تمثلت في انهيار جدار التأييد العربي الذي كان يعتمد عليه في سعيه لاسترداد حقوقه. فقد ادى الموقف الفلسطيني المساند للعراق في غزوه للكويت الى افتقاده لتأييد دول مجلس التعاون الخليجي. ومن هذه الخلفية قدم الفلسطينيون تنازلات عديدة لدى قبولهم الدخول في مفاوضات مدريد تمثلت في طريقة تشكيل وفدهم الى مؤتمر السلام, وكذلك في المفاوضات التي انطلقت عقب المؤتمر انطلاقا من ان الظروف الدولية والعربية لا تتيح لهم الكثير. وتمثلت النقطة الاساسية التي ارتكز عليها المفاوض الفلسطيني في اتخاذ قرار المشاركة في مدريد ثم اوسلو في ان المفاوضات ايا كانت توفر لهم موضع قدم في خريطة الشرق الاوسط الجديدة. تنازلات اوسلو غير ان التنفيذ الفعلي لاوسلو كشف حرص اسرائيل على ممارسة سياسة اقل ما توصف به انها العرقلة المنظمة لبنود الاتفاق ووضع العقبات المتتالية امام السلطة الوطنية حتى تبدو في النهاية سلطة وهمية ليس لها وجود حقيقي على الارض وليست سوى كيان تابع لاسرائيل مهمته فقط الامن في غزة واريحا مع تنازلها عن مجموعة من الاختصاصات الادارية التافهة للسلطة الفلسطينية. وقد مثلت اتفاقات اوسلو بداية التسليم الفلسطيني بالمطالب الاسرائيلية فقد جزأت القضية الفلسطينية وارجأت النظر في اكثر جوانبها جوهرية وهي القدس وحق العودة والمستوطنات والسيادة الفلسطينية مما كان يتهدد القضية كلها بالضياع. وفي المجمل فان المنظمة الفلسطينية لم تحصل على اكثر من شروط الحكم الذاتي الذي جاء به اطار كامب ديفيد... فقد احتفظت اسرائيل بجزء من اراضي غزة لم تمتد اليها سلطات الحكم الذاتي وتشمل منطقة المستوطنات ومنطقة المنشأت العسكرية على طول الحدود المصرية في قطاع غزة, وينطبق نفس الامر على الضفة, وهو ما يعد تمزيقا للاراضي الفلسطينية يؤدي الى غياب الامتداد الارض والروابط الجغرافية بين مكونات الكيان الفلسطيني وتغييب السلطة الفلسطنية عن بعض المناطق مما يحرمها من ممارسة السيادة عليها. وتطرح هذه الرؤية التساؤل حول ماهية السلام الذي تحقق بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية. هنا يذهب بعض مؤيدي خطوات السادات ان الفلسطينيين برفضهم الدخول في مفاوضات وفقا لاطار كامب ديفيد اضاعوا الكثير من الحقوق التي كان يمكن ان يحصلوا عليها. في حين يذهب آخرون الى ان كامب ديفيد وتوابعها هي التي اسهمت في ضياع الحقوق الفلسطينية. وكما اشرنا في البداية فان الجدل لن ينتهي ولكن يبقى رغم ذلك ضرورة الاشارة الى ان كامب ديفيد ــ في رأينا ــ كانت بداية التسليم العربي بالمطالب الاسرائيلية ما اضعف الجبهة العربية, وزادها ضعف تطورات السنوات التالية وابرزها الغزو العراقي فكان ما آل اليه الحال حاليا والمتمثل في رفض اسرائيل الاقرار بأبسط الحقوق الفلسطينية التي حوتها الاتفاقات المجحفة اصلا بحق الفلسطينيين والتي تجعل مستقبل الكيان الفلسطيني مستقبلا غامضا.

Email