نافذة: جولة كلينتون الافريقية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو ان الادارة الامريكية اكتشفت القارة الافريقية فجأة او بمعنى ادق قررت نقلها الى مكان متقدم ضمن أولوياتها وهو ما تؤكده الجولة التي قام بها الرئيس الامريكي بيل كلينتون في الثاني والعشرين من الشهر الجاري والتصريحات شديدة الايجابية حول افريقيا ومستقبلها التي صدرت عنه . واذا كان من غير الممكن النظر الى جولة كلينتون التي تأتي بعد نحو عشرين عاما من جولة الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر الا ان الموقف في افريقيا الان يختلف كثيرا عما كان عليه في العام 1978, فالى جانب اختفاء النفوذ ومواقع الارتكاز السوفييتية السابقة في القارة وتلاشيها تماما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق وانكفاء موسكو اختفى كذلك نظام الفصل العنصري من جنوب افريقيا التي يتولى قيادتها الان مناضل افريقي رفض الضغوط الامريكية على بلاده عندما سعت واشنطن الى محاولة منع مانديلا من زيارة ليبيا في العام الماضي, يضاف الى ذلك ان السنوات الاخيرة شهدت حدوث الكثير من الحروب الاهلية والمنازعات المسلحة على امتداد الحزام الاوسط في افريقيا من ارتيريا شرقا وحتى ليبيريا غربا وما صاحب ذلك من تفكك عناصر الدولة في الصومال والمجاعات وعمليات العنف المسلح الشديدة بين الهوتو والتوتسي في رواندا وبوروندي. ولان واشنطن تتحرك دوما وراء وفي اتجاه مصالحها الخاصة اولا, فان الرئيس الامريكي لن يذهب الى افريقيا كمنقذ او كمصلح يداوي الجراح ويرفع راية الانسانية المعذبة, ولكنه يذهب الى هناك بعد فترة من الاعداد والعمل امتدت من جنوب البحر الاحمر الى منابع النيل وصولا الى وسط وجنوب القارة فبعثات صندوق النقد الدولي والاهتمام المفاجىء للبنك الدولي بمشروعات استغلال مياه النيل في اوغندا واثيوبيا على سبيل المثال ليست محض مصادفة وليست منفصلة بالتأكيد عن التوصيات الامريكية المباشرة وغير المباشرة. وليس من المبالغة في شيء القول ان اكثر طرفين يمكن ان يشعران بالقلق ازاء التحرك الامريكي على مستوى القمة حيال افريقيا هما فرنسا ومصر, فالولايات المتحدة اعلنت قبل بضعة شهور عزمها على تكثيف تحركها وعملها في افريقيا, ولم يخف اكثر من مسوؤل امريكي رغبة بلاده في توسيع نطاق نفوذها وتأثيرها في افريقيا وهو ما سيتقاطع وبشكل مباشر مع الدور الفرنسي في القارة السوداء وكما حدث من قبل في أمثلة محددة, وفي هذا الاطار فان وصول مجموعة من القوات الخاصة الامريكية الى السنغال لتدريب قواتها على عمليات حفظ السلام وهو السبب المعلن, لم يكن محض مصادفة, كما انه لم يكن مصادفة كذلك ان تعرض واشنطن التعاون مع منظمة الوحدة الافريقية لتشكيل قوات افريقية لحفظ السلام وهو ما لم توافق عليه المنظمة. على اية حال فان زيارة كلينتون سيصحبها ويترتب عليها عملية اعادة ترتيب لبعض اوضاع القارة تمثل الزيارة اشارة البدء للقيام بها. وبالنسبة لمصر فانه في الوقت الذي بدأت فيه العلاقات المصرية السودانية في التحسن والانفراج لتجاوز ما طرأ عليها من خلافات في الاونة الاخيرة فان واشنطن تعمد الى زيادة ضغوطها على الخرطوم وهو امر لايستهدف بالتأكيد السودان وحده ولكنه يستهدف كذلك العلاقة المصرية السودانية, والى جانب ليبيا وما يتصل بقضية لوكيربي, والاصرار الامريكي على استمرار العقوبات رغم قرار محكمة العدل الدولية باختصاصها في نظر النزاع الخاص بقضية لوكيربي فان التحرك الامريكي في منابع النيل يمس مباشرة ما يتصل بالامن القومي لمصر, ومن ثم فان زيارة كلينتون لاوغندا ستكون على جانب كبير من الاهمية سواء بالنسبة للسودان او بالنسبة لمصر. واذا كان من الملاحظ ان جولة كلينتون انحصرت كلها في افريقيا جنوب الصحراء, وفي ظل ضعف الدول التي سيقوم بزيارتها وما تعيشه من مشكلات اقتصادية صعبة باعتبار ان خمسا من الدول الست مدرجة ضمن اكثر الدول فقرا في العالم, فان الحديث عن شراكة امريكية افريقية هو حديث لا معنى له سوى بالنسبة لجنوب افريقيا, فهل هذه الشراكة هي ما يعرضه كلينتون على مانديلا لاستقطابه ومحاولة التأثير في مواقفه التحررية والتي تعمل لصالح الدول الافريقية؟ على اية حال فان من المفارقات ان يزور كلينتون افريقيا ليثير مشكلات لفرنسا وعدد من الدول الافريقية ولا يكون من بين الدول التي يزورها دولة عربية واحدة, صحيح ان مارتن انديك قام قبل ايام بجولة في عدد من دول شمال افريقيا ولكن الصحيح كذلك ان جولة كلينتون الافريقية تؤكد عدم اهتمام الادارة الامريكية بعملية السلام في الشرق الاوسط واكتفائها بعرقلة التحرك الاوروبي الاخير من ناحية ومطالبة الفلسطينيين والاسرائيليين بقرارات صعبة على حد قول الادارة الامريكية من ناحية ثانية واذا كانت مجموعة من رجال المقاومة قد اجبرت سفينة حربية على التراجع الى عرض البحر عندما حاولت الاقتراب في عام 1992 فان افريقيا رغم ما تعانيه من مشكلات قادرة على احباط المخطط الامريكي اذا التقت جهودها.

Email