سياسة الباب نصف المفتوح: كتب - رضا الاعرجي

ت + ت - الحجم الطبيعي

احتفل العالم باليوم العالمي (21/3) لمناهضة التمييز العنصري, في وقت تأمل فيه الشعوب الطامحة للتآخي ان يكون هذا اليوم مناسبة لايقاظ ضمير البشرية الى خطورة هذا الداء الذي يشعل نيران النزعة العدوانية في النفوس, والتي تترتب عنها مشاكل متداخلة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعرقية ايضا . وبالرغم من اجتهادات فقهاء القانون في هذا الباب للحد من تفاقم هذه النزعة, وبالرغم من النداءات العديدة لمنظمات حقوق الانسان في جميع انحاء العالم, والتحذيرات التي جاءت في مناسبات عديدة, فان تفشي العنصرية بشكل فاضح في عدد من الدول المتحضرة بات يقلق الجميع, خصوصا في الدول الاوروبية التي تحتضن العديد من الجاليات العربية والافريقية. فهل هي عودة الى الثلاثينات عندما ظهرت النازية والفاشية في أوروبا؟ علماء الاجتماع يتحفظون في الاجابة عن هذا التساؤل بالايجاب. ويقولون ان هناك فروقا كبيرة بين الاوضاع الحالية في أوروبا والاوضاع التي كانت سائدة خلال سنوات الثلاثينات, ففي الوقت الذي وصلت فيه الاحزاب المتطرفة الى البرلمان في مختلف الدول الاوروبية, فانها لم تتمكن من الاستئثار بالسلطة في اية دولة, يضاف الى ذلك ان تأييد بعض الناخبين لها لا يعود الى رغبة هؤلاء في دفع المتطرفين الى الحكم في بلادهم, وانما الى الاحباط الذي يحسون به تجاه السياسات الحالية التي تتبعها الاحزاب الكبيرة. وتشير احصائيات دول الاتحاد الاوروبي الى ان عدد المهاجرين في اوروبا كلها لا يتجاوز ثمانية ملايين شخص, اي ما يعادل 4.2 في المئة من السكان, ولكن حيث ان الاجانب يميلون عادة الى التجمع في احياء خاصة بهم, فان ظهورهم يصبح اكثر بروزا, يضاف الى ذلك تنامي طبقة المسحوقين في أوروبا والتي تشعر انه ينبغي التخلص من الاجانب لضمان استمرار المساعدات الاجتماعية التي تحصل عليها من الدولة. اما السياسيون في أوروبا فيجدون صعوبة بالغة في مواجهة حجج المتطرفين العنصريين بسياسة مقنعة للهجرة, ولذلك تعالج المشكلة الآن في اطار الاتحاد الاوروبي ككتلة واحد, وقد اصدر الزعماء الاوروبيون في العديد من المناسبات تشريعات خاصة بتنظيم عمليات الهجرة, وهناك اتجاه لان تأخذ كل دولة من الدول المعنية دورا اكبر في حل هذه المشكلة, خصوصا وان الغاء نقاط الحدود بين الدول جعل مشاكل الهجرة التي تعاني منها هذه الدولة او تلك, تنتقل بالضرورة الى الدولة الاخرى. وهكذا, ففي حين ينتظر السياسيون ان تأتي الحلول من أوروبا الموحدة للرد على خطابات المتطرفين والعنصريين تعود المشكلة اليهم من جديد, وقد كان الاعتقاد السائد ان أوروبا الموحدة ستكون اكثر تسامحا واشد حرصا على حقوق الانسان, سيما وان الانسان المهاجر ساهم بكده وعرقه في نهضتها الصناعية وزيادة انتاجها. لكن من المؤسف ان تتطور وتتصاعد العديد من الممارسات العنصرية الممنهجة التي تعيد الى الاذهان حقبة سوداء علقت في تاريخ اوروبا هي انها كانت وراء ولادة جرثومة العنصرية على الارض, كما كانت مصدرا لتعميمها واعادة انتاجها في القارات الاخرى التي تأثرت بثقافتها. مع نهاية العام الاوروبي ضد العنصرية الذي اختتم بلوكمسبورج في ديسمبر الماضي, نشرت معطيات لاستطلاع الرأي اجرته وكالة الاحصاءات الاتحادية جاء فيه ان البلدان التي تضم اقل عدد من المواطنين الذين يعتبرون انفسهم (عنصريين) هي السويد ولوكسمبورج باثنين في المئة ثم اسبانيا وايرلندا باربعة في المئة, اما البلدان التي تتصدر القائمة فهي بلجيكا بـ 22 في المئة وفرنسا بـ 16 في المئة. وفي استطلاع للرأي نشرت نتائجه المفوضية الاوروبية وشمل 16 الف شخص, اعترف 33 في المئة من مواطني الاتحاد الاوروبي انهم (عنصريون جدا او عنصريون كليا) . ان اوروبا الآن وبالرغم من كل الاحتياطات, بما في ذلك محاصرة الحدود وتشديد المراقبة عليها, فانها تتبع سياسة الباب نصف المفتوح, اذ ترحب من جانب بدخول الكفاءات التي تحتاجها, وتغض النظر من جانب آخر عن تسلل القوى العاملة غير الماهرة التي يحتاجها سوق العمل فيها, فهي تحتاج منذ الآن وحتى عام 2050 الى مليون مهاجر سنويا. وامام هذه الحاجة الانسانية قبل كل شيء, هل ستنقرض النزعة العنصرية بايجاد (لقاحات) فاعلة ضدها؟ ام انها (ستنمو) وتنتشر في بقاع المعمورة بأساليب متجددة تجدد الازمات السياسية والتطاحنات العرقية.

Email