ملفات ثقيلة تنتظر حكومة اليوسفي المعارضة المغربية (الحاكمة) أمام محك وعودها

ت + ت - الحجم الطبيعي

فيما تعكف الحكومة المغربية الجديدة التي يرأسها زعيم المعارضة السابق عبدالرحمن اليوسفي على اعداد التصريح الحكومي للتقدم به للبرلمان في دورته المقبلة لنيل الثقة, ينشغل الرأي العام المغربي بقضايا التغيير والاصلاحات المنتظرة في مختلف الميادين, لاسيما العدل والادارة, اضافة الى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي مثلت ابرز وعود الاحزاب السبعة المشاركة في التشكيلة الوزارية. ومع ان هذه الانشغالات تعد (قديمة) , اذ عادة ما تثار مع مجيء كل حكومة, الا ان تجددها هذه المرة يكتسي طابعا من التفاؤل, ذلك ان انتقال الاحزاب الرئيسية في المعارضة الى الحكومة ادى الى وضع جديد في التعاطي والملفات السياسية, خصوصا وان اولى تصريحات وزير التشغيل (العمل) الجديد خالد عليوة انصبت على موضوع توفير فرص العمل لـ 170 من حملة الشهادات العليا العاطلين, وادماجهم في الحياة العملية. والمؤكد ان ملفا ثقيلا كملف التشغيل سيطرح نفسه بقوة على الحكومة, اذا اخذنا في الاعتبار معطيات استطلاع اجرته احدى الصحف المغربية كشف عن ان 89 في المئة من الشباب الذين تتراوح اعمارهم ما بين 20 و29 سنة يريدون الهجرة بسبب مشكلة البطالة المتفاقمة, وفقدان الامل في امكانية العثور على عمل لهم في وطنهم, كما ان نسبة البطالة في المدن وحسب احصاءات رسمية ارتفعت الى 16 في المئة, بل هناك تقديرات ترفع هذه النسبة الى 18 في المئة او اكثر. والمتابع للشؤون المغربية خلال السنوات الاخيرة يلاحظ مدى اتساع حجم الهجرة السرية للمواطنين المغاربة باتجاه السواحل الاسبانية, عبر القوارب الصغيرة او (قوارب الموت) كما يطلق عليها المغاربة, والتي اسفرت عن سقوط مئات الضحايا الباحثين عن لقمة العيش, في قعر المحيط. وكان ملف التشغيل واحدا من المواضيع الدسمة لصحف المعارضة السابقة, الى جانب ملف التعليم في وقت باتت فيه نسبة الامية تفوق 60 في المائة في المغرب, عدا انكشاف فشل السياسة التعليمية في الملاءمة ما بين التعليم وسوق العمل والتي كانت بالتالي وراء العدد الكبير من العاطلين من حملة الشهادات العليا, وتدني المستوى العام للتعليم. والثابت ان ملف التعليم والجامعات سيحظى باسبقيات برامج الحكومة الجديدة, سيما ان تقارير وافية كان اعدها البنك الدولي, بطلب من العاهل المغربي الملك الحسن الثاني, ركزت على ضرورة اصلاح التعليم بالتوازن مع اصلاح الادارة والاقتصاد. وينظر الى الهيكلة الجديدة لحكومة اليوسفى, حيث استحدثت اربع حقائب وزارية تعنى بالتعليم وهي وزارة التربية الوطنية ووزارة التعليم العالي وتكوين الاطر والبحث العلمي والوزارة المنتدبة المكلفة بالتعليم الثانوي والتقني وكتابة الدولة المكلفة بالبحث العلمي على انها تنطوي على ارادة حقيقية لمعالجة مشاكل هذا القطاع وايلائه الاهمية التي يستحقها. وارتباطا بذلك, استحدثت وزارة جديدة هي وزارة التنمية الاجتماعية والتضامن والتشغيل والتكوين المهني, التي يعتبرها المراقبون بمثابة المختبر لسياسات الاحزاب المشاركة في الحكومة الجديدة وفي مقدمتها احزاب المعارضة التي تولت المسؤولية الحكومية, حيث ركزت حملتها في الانتخابات الاخيرة على كيل الانتقادات الى الحكومات التي تعاقبت على ادارة الشأن العام في المغرب في السنوات الاخيرة بخصوص المعضلة الاجتماعية. وابان تلك الحملة كان حزب (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) الذي يتزعمه اليوسفي والذي يحتل اليوم 13 حقيبة وزارية يؤكد توفره على برنامج متكامل في المجال الاجتماعي يقوم على ركائز اساسية هي محاربة البطالة والفقر وضمان السكن الاجتماعي وضمان التربية والتكوين, ولن يبق امامه سوى الخروج (من النظرية الى التطبيق) . ولكن لأن التشكيلة الحكومية لم تقتصر على احزاب المعارضة السابقة وحدها, حيث يشارك حزبان من تيار (الوسط) سبق وان شاركا في الحكومات السابقة هما (التجمع الوطني للاحرار) و(الحركة الوطنية الشعبية) , يثار السؤال عن الدور الذي يمكن ان تضطلع به حكومة عبدالرحمن اليوسفي في تطبيق الاصلاحات الموعودة, وعن قدرتها مجاراة تطلعات الشارع المغربي, نظرا الى توزيع الحقائب بين الوزراء وكتاب الدولة. وهو ما قد يحول دون الاسراع في اتخاذ القرارات وتنفيذها واضفاء الفاعلية عليها. وفي هذا الاطار, يلاحظ ان اسماعيل العلوي الذي اسندت اليه مهمة التربية الوطنية, يقود حزب التقدم والاشتراكية (الشيوعي سابقا), وان وزير التعليم الجامعي, نجيب الزروالي الذي ينتسب الى التجمع الوطني للاحرار, كان عميدا بالنيابة لكلية الطب في الدار البيضاء. كما ان الباحث عبدالله ساعف الذي اسندت اليه مهمة التعليم التقني يملك خبرة في ادارة كلية الحقوق في المحمدية وهو ينتسب الى الحزب الاشتراكي الديمقراطي, في حين ان حزب (الاتحاد الاشتراكي) الذي يهيمن على غالبية الحقائب الوزارية نأى بنفسه عن ملفات التعليم الشائكة, وكذلك حال حزب الاستقلال الذي كان تعرض لانتقادات عنيفة عندما كان عزالدين العراقي احد قياديه السابقين يتولى وزارة التعليم في حكومة احمد عصمان. ويتوقع المراقبون ان يشكل القانون المالي للموازنة المقبلة (الميزانية العامة) التي ستعرض على البرلمان في مايو المقبل وتدخل حيز التنفيذ في يوليو, اول اختبار جدي للحكومة الجديدة باعتبارها موجهة في شكل شبه كامل نحو المجالات المالية والانتاجية والقضايا الاجتماعية والانسانية, وهو ما يفسر السعي الحكومي للتركيز على اولويات المغرب المتمثلة في تأهيل الاقتصاد المحلي للاستحقاقات المنتظرة مع الاتحاد الاوروبي ومنظمة التجارة الدولية, ومعالجة الخلل الاجتماعي الناجم عن برنامج التقويم الهيكلي الذي طبقه المغرب مع صندوق النقد والبنك الدوليين منذ عام 1983. والجدير بالاشارة ان عبدالرحمن اليوسفي الذي يقود اول حكومة تناوب في تاريخ المغرب المعاصر كان اوضح ان الرهانات الكبيرة لحكومته تتمثل اساسا في (تنمية الاقتصاد وايجاد فرص عمل للشباب والعاطلين واصلاح التعليم) , الى جانب (العمل على تحسين الوضع في المرافق الاجتماعية, مثل الصحة والسكن) . واذا كانت حكومة اليوسفي تواجه اوضاعا اقتصادية واجتماعية لا جدال في صعوبتها, فان هناك من العوامل ما يساعد على تجاوزها, وفي المقدمة منها دعم العاهل المغربي لها, والذي كان قد وضع الخطوط العريضة لتوجهاتها في الخطاب السنوي لعيد العرش في الثالث من مارس الجاري عندما دعا الى مواصلة العمل ببرنامج معالجة الديون الخارجية, والاستمرار في تأهيل الشركات المغربية للمنافسة الدولية, وتعزيز مناخ الاعمال والاستثمار والاهتمام بالبطالة ورفع التهميش عن الارياف, فضلا عن اصلاح الادارة والقضاء واعادة النظر في التعليم الذي وصفه بانه لم يعد يساير العصر. الرباط ـ رضا الاعرجي

Email