نافذة: تحدي الاستقرار في لبنان: بقلم - د. عبد الحميد الموافي

ت + ت - الحجم الطبيعي

اذا كان النجاح الكبير لحكومة الحريري في لبنان تمثل في قدرتها على الحفاظ على حالة الاستقرار وإدارة عملية الاوضاع في لبنان نحو اعادة التعمير والسعي الى استعادة التواصل بين القوى السياسية اللبنانية مرة اخرى برغم حالات الغضب الشخصي والتنافر احيانا بين الترويكا اللبنانية, رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب, فانه من غير المبالغة في شيء القول بأن التحدي الكبير الذي يواجه لبنان خاصة خلال الفترة المقبلة هو الحفاظ على حالة الاستقرار هذه وتفويت الفرصة على محاولة العودة بلبنان الى حالة الصراع او الحرب مرة اخرى, سواء حرب التصريحات والاعلانات او حرب المدافع. فاقتراح بنيامين نتانياهو الانسحاب من جنوب لبنان وتنفيذ القرار 425 لمجلس الامن هو في الحقيقة اقتراح ملغوم الى حد بعيد فظاهرة انسحاب وباطنه اثارة خلافات حادة داخل الساحة اللبنانية. والمؤكد ان دعوة الانسحاب من جنوب لبنان وفرض الحكومة اللبنانية لسيادتها على منطقة الجنوب لا تستهدف سوريا فقط حيث توجد القوات السورية في لبنان منذ عام 1976 وطالما دعت اسرائيل الى سحب هذه القوات من لبنان, بل ان قوى دولية عدة عمدت في صياغة مواقفها بالنسبة لاحتلال اسرائيل للجنوب اللبناني الى الدعوة لانسحاب كل القوى الاجنبية من لبنان مما اثار احتجاجات سوريا واعتراض بعض القوى اللبنانية باعتبار انه من غير الممكن المساواة بين قوة الاحتلال الاسرائيلية وبين وجود القوات السورية التي ذهبت الى لبنان بطلب من حكومة لبنان الشرعية وهي مستمرة بموافقتها. غير ان الامر هو ان هناك بعض القوى السياسية اللبنانية التي ستدرس العرض الاسرائيلي وستؤيده بشكل او بآخر بغض النظر عن الجهود السورية المكثفة الآن على الساحة اللبنانية, بل ان بعض الزعامات المسيحية جعلت قضيتها هي العمل على سحب القوات السورية من لبنان بحجة ان تواجد هذه القوات يعطي اسرائيل مبررا لاستمرار احتلالها للجنوب اللبناني. وهذه النقطة هي مصدر الخطر المقبل في لبنان والذي ستعذيه اسرائيل بكل السبل. من جانب آخر تستهدف دعوة اسرائيل للانسحاب من الجنوب اللبناني ونزع سلاح حزب الله, تستهدف ايران كذلك, خاصة وان حزب الله يمثل طليعة ايرانية على حدود اسرائيل وتريد اسرائيل ابعادها بقدر الامكان عن مستوطناتها الشمالية. والاكثر من ذلك ان اسرائيل تدرك تماما ان قضية حزب الله في الجنوب اللبناني اكبر من امكانيات الحكومة اللبنانية. خاصة وان صدامات كانت قد وقعت من قبل ولم يتم تطويقها سوى باتصالات سورية ايرانية على اعلى المستويات. من جانب آخر فانه ليس مصادقة ان يعلن وليد جنبلاط بعد عودته من زيارة ايران مؤخرا انضمام حزبه الى المقاومة اللبنانية اي الى عناصر حزب الله في الكفاح ضد اسرائيل. واذا كانت اسرائيل تريد الخلاص من المقاومة اللبنانية, ودفع الحكومة في بيروت الى الدخول الى منطقة الجنوب الملغومة, خاصة وان انطوان لحد وقواته العميلة لاسرائيل موجودة في الشريط الحدودي, فان العرض الذي تقدم به اسحق موردخاي والمتمثل في قبول اسرائيل بوجود قوات دولية على الحدود اللبنانية الاسرائيلية تساعد الجيش اللبناني وهو ما كانت ترفضة اسرائيل حتى اشهر قليلة مضت, لا يعدو ان يكون محاولة لاستمالة فرنسا بالذات لتأييد العرض الملغوم. على اية حال فان الساحة اللبنانية سوف تشهد لا محالة جدلا, وربما خلافات عديدة حول العرض الملغوم من جانب اسرائىل, كما ان ايران معنية بالضرورة بهذه الدعوة فهل ستتمكن دمشق وطهران من تنسيق خطاهما لمواجهة ذلك؟ والى اي حد ستنجح القيادة اللبنانية في مواجهة ضغوط تتدحرج نحوها ككرة ثلج. صحيح ان دعوة وزير الخارجية الروسي الى ضرورة التزامن بين الانسحاب من جنوب لبنان والانسحاب من الجولان السورية يشكل موقفا مؤازرا لسوريا, غير ان علامة استفهام كبيرة تثور بالنسبة لردود فعل فرنسا والدول الغربية والولايات المتحدة التي كان سكوتها المريب اقرب الى القبول بالاقتراح الاسرائيلي. وسيزداد المأزق اذا اعلنت احدى القوى اللبنانية قبولها للاقتراح الاسرائيلي واستعدادها للتعاون مع اسرائيل خاصة وان بعضها له تراث في التعاون مع الدولة العبرية. وعند ذلك سيكون تحدي الاستقرار تحديا بالغ الصعوبة.

Email