الرئاسة تدعمه ورجال الدين ورئيس الوزراء يرفضونه: الزواج المدني يفجر (طلاقا) بين مؤسسات الدولة في لبنان

ت + ت - الحجم الطبيعي

فجر قرار الحكومة اللبنانية احالة مشروع الزواج المدني (فجأة) الى البرلمان لاقراره طلاقا بين مؤسسات الدولة في لبنان التي انقسمت بين مؤيد ومعارض للقرار. وفيما ناهض رجال الدين من مسلمين ومسيحيين هذه الخطوة واعتبرها باطلة دعمها معظم وزراء الحكومة ومعهم الرئيس اللبناني الياس الهراوي الذي ادرج المشروع على جدول الاعمال بطريقة مفاجئة وسط تحفظات رفيق الحريري رئيس الوزراء ونفر قليل من اتباعه من الوزراء. في هذه الغضون اعتبرت اوساط الهراوي احالة المشروعه الى مجلس النواب (بمثابة انتصار) للرئيس اللبناني على غريمه اللدود رئيس الوزراء رفيق الحريري في وقت عقد فيه الهراوي ونبيه بري رئيس البرلمان صفقة سياسية سبقت طرح مشروع الزواج على الحكومة بأربع وعشرين ساعة تم بمقتضاها تمرير المشروع في مقابل ارفاقه بقانون آخر لتأليف الهيئة الوطنية المكلفة الغاء الطائفية (مشروع بري) . وفاجأت المؤسسة اللبنانية الحاكمة الشعب اللبناني مساء امس الاول باعتماد مشروع الزواج المدني الذي اثار جدلا شديدا عند طرحه بأن اعتمدت المشروع من جانب الحكومة حيث وافق عليه 21 من اصل 30 وزيرا صوتوا لصالح المشروع الذي تقدم به رئيس الدولة الياس الهراوي فيما عارضه ستة وزراء منهم رفيق الحريري وخمسة من انصاره المقربين منه, وامتنع وزير الصحة سليمان فرنجيه عن التصويت وتغيب وزيران عن الجلسة. وفي لبنان, كان يسمح حتى الان بالزواج الديني لا غير سواء كان عند المسيحيين او المسلمين, ويتم تسجيل هذه الزيجات لدى محاكم كل من الطوائف الدينية البالغ عددها 19 طائفة معترف بها في البلاد. وكان الزواج المدني غير مسموح به في لبنان ولكن كان يعقد في الخارج, وعادة في قبرص او في تركيا, ثم يسجل في سجلات الاحوال الشخصية. وكي يصبح مشروع القانون الجديد ساري المفعول, لا بد من ان يقره البرلمان الذي يتولى رئاسته نبيه بري مع العلم بان انصاره في الحكومة صوتوا لصالح هذا المشروع. واضاف مصدر حكومي ان الهراوي الذي رأس جلسة مجلس الوزراء ابلغ ايضا اعضاء الحكومة بانه سيوجه رسالة الى البرلمان ليطلب منه ان يشكل مجلسا بأسرع وقت ممكن يكلف الغاء الطائفية السياسية. ولم تتسم عملية الاقتراع بطابع طائفي اذ نجد ممثلين عن مختلف الطوائف في الفريقين . واثار التصويت حول الزواج المدني توترا شديدا بين الهراوي والحريري فيما كانت جلسة المجلس مستمرة حتى ساعة متأخرة من الليل وذلك بعد ثلاث ساعات من بدئها, بحسب تلفزيون لبنان. وكان الرئيس الهراوي الذي نادى باقامة الزواج المدني منذ نوفمبر ,1996 عاد الى طرح هذه المسالة معتبرا ان اجراء كهذا من شأنه ان يشكل خطوة نحو الغاء التوزيع الطائفي للمناصب في الادارات العامة كما ايدت ذلك اتفاقات الطائف بين اللبنانيين (1989) التي وضعت حدا للحرب في لبنان (1975-1990). واثار اقتراح الهراوي جدلا شديدا ونقاشات عدة متلفزة على المحطات اللبنانية. واتخذ رؤساء الطوائف الدينية سواء كانوا من المسيحيين او المسلمين, مواقف ضده. ويلفت المراقبون الى ان اقرار المشروع بغالبية وزارية رغم رفض الحريري له, او تحفظه عليه في هذه المرحلة على الاقل يعزز جو الخلاف بينه وبين رئيس الجمهورية الذي تعتبر اوساطه ان ذلك يشكل اكبر انتصار سياسي حققه حتى الآن, وقبل سبعة اشهر فقط في نهاية ولايته الممدة و(هو انتصار ــ يضيف المراقبون ــ سيضعه في مواجهة جهات دينية وسياسية وطوائفية كثيرة سبق ان عبرت من رفضها للمشروع وينتظر ان تكون ردود فعلها عنيفة عليه. وقائع الجلسة كانت الاجواء التي شابت جلسة مجلس الوزراء ليل امس الاول محور متابعة رسمية وسياسية في بيروت خاصة لجهة المشادات والحوارات الساخنة التي دارت حول مشروع الزواج المدني الاختياري بين رئيسي الجمهورية والحكومة, بحيث خرج الاول منتصرا على الثاني في دفع الحكومة الى الاخذ بمشروعه الذي سبق وان طرحه للمرة الاولى في العام 1996 عندما تقدم باقتراح عرف لاحقا بـ (مبادرة من اجل تعديل قوانين الاحوال الشخصية) . ويرى المطلعون ان ذلك الانتصار مرده تحالف الهراوي مع رئيس مجلس النواب نبيه بري, بحيث وافق الوزراء المحسوبون على الاخير على المشروع بعد ان تمت (صفقة) سياسية (وفق تعابير مصادر الحريري) بين الاثنين في الاجتماع الطارىء الذي جمعهما في قصر بعبدا قبل حوالي 24 ساعة في انعقاد جلسة مجلس الوزراء. وتقوم (صفقة) الهراوي ــ بري على اساس تسوية قوامها ــ حسب اوساط بري ــ ان يقرن مشروع قانون الادراج المدني بقانون تأليف الهيئة الوطنية المكلفة الغاء الطائفين السياسية والتي نصت عليها المادة 95 من الدستور. فمجلس النواب سوف يتلقف المشروع باعتباره مدخلا لتأليف الهيئة, وقد سبق للرئيس بري ان اشار الى هذا المشروع قبل نحو سنتين, الا انه سحبه لاحقا في التداول في ضوء ما لمسه من حساسيات وخصوصا مسيحية تجاه طرحه. تنص مواد مشروع الغاء الطائفية على ان على مجلس النواب المنتخب على اساس المناصفة بين المسلمين والمسيحين اتخاذ الاجراءات الملائمة لتحقيق الغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية, وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية تضم اضافة الى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية. لكن ماذا حصل في جلسة مجلس الوزراء بعد اتمام تلك (الصفقة) ؟ تقول المصادر المطلعة ان الحريري بادر في بدايتها الى التمني على الهراوي عدم طرحه مشروعه حول الزواج المدني على الجلسة, خاصة وانه غير مدرج على جدول اعماله من الناحية الشكلية, كذلك, قال الحريري: (تجنبا) لكل ما يؤثر على وحدة الصف ويحدث انشقاقا داخل مجلس الوزراء او خارجه) . لكن رئيس الجمهورية رد بانفعال وعنف حاملا على الطائفية قائلا: (لم يعد يهمني الغاء الطائفية السياسية فحسب بل الغاء الطائفية في البلاد ككل) . واضاف: (لم يعد مقبولا ان نبقى دولة بثلاثة رؤوس انا مع انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب ايا تكن طائفته حتى لو غضبت طائفتي (الموارنة) علي.. يكفي البلاد منذ 1920 حتى اليوم سياسيين يغنون كل على ليلاه باسم الطائفية) . وتتابع المصادر المطلعة ان الرئيس الهراوي ذهب في طرحه للمشروع الى ابعد من ذلك حيث قال: (يجب ان ننتهي من حكم رؤساء الطوائف, ومن انتساب النواب والرؤساء الى طوائفهم, ولن يمشي البلد برئيس ماروني, بل المطلوب هو ان يكون الرئيس لجميع اللبنانيين) , مشيرا الى انه سيبعث برسالة الى رئيس مجلس النواب يطلب فيها وضع الآلية التنفيذية لهيئة الغاء الطائفية السياسية ولما ينص عليه الدستور واتفاق الطائف في الغاء للمادة 95 من الدستور (والتي اتت على وجوب اعتماد التوزيع الطائفي (مؤقتا) ). وتضيف المصادر ان كلام الرئيس الهراوي عزز من التشنج الذي رافق بدايات الجلسة خاصة عندما كرر اصراره على طرح مشروع الزواج المدني قائلا: (انا تعرضت للنبذ من طائفتي, ومن الطبيعي ان آخذ بثأري) . هنا تمنى الرئيس الحريري عليه عدم طرح المشروع مرة اخرى, فرد رئيس الجمهورية قائلا: (افضل الا اترأس الجلسة انا شخصيا لعل شخصا يحمل المواصفات التي تحددها يفعل ذلك. وتقول المصادر ان اجواء مشحونة رافقت الجلسة عقب هذا الكلام لان الهراوي كان يرد على كلام قاله الحريري قبل يوم تلك الجلسة وحدد فيه ما اسماه بالمواصفات المطلوبة في الرئيس المقبل وهي: ان يكون مقبولا من سوريا, اي ان يرضى به المسلمون والا يكون (على خصام) مع المسيحيين. الطرح تسلل من جانبه اعتبر وزير الاعلام باسم السبع امس والذي كان قد اعلن مقررات مجلس الوزراء ليل امس الاول, ان طرح مشروع الزواج المدني في جلسة المجلس تم على طريقة (التسلل) وقال: (لقد جرى اقرار المشروع من حيث المبدأ لان ايا من الوزراء لم يناقش النص الخاص به, وعندما طرحه الرئيس الهراوي طلب وزير العدل بهيج طباره ووزراء اخرون مناقشته فقال الهراوي ان مجموعة من القضاة وضعت هذا المشروع, ويمكن لأي وزير ان يضع ملاحظاته عليه, ويودعها الامانة العامة لمجلس الوزراء. واستغرب الوزير السبع طرح المشروع في هذا الوقت, معتبرا انه جرى على مبدأ التسلل, بحيث ان رئيس مجلس الوزراء الذي يتولى اعداد جدول المجلس لم يكن على اطلاع لجهة امكان طرحه في الجلسة الا من خلال الصحف) . ماذا يقول الحريري؟ ذلك ابرز ما حصل في جلسة مجلس الوزراء المشار اليها وبانتظار بلورة الخضات السياسية والروحية التي احدثتها الموافقة على الزواج المدني يقول الرئيس الحريري موضحا موقفه قائلا: (انا لست مع الطريقة التي اثير بها, وانا لست مع طرح الموضوع ولا طريقة الرد التي اعتمدت, ولست مع طرح الموضوع مع انه مهم, ولكن هل هو من الاولويات في الوقت الحاضر, وخصوصا في هذا الظرف بالذات؟ لا اعتقد انه من الاولويات وفي رأيي انه لاداعي لان يتصدى احد لهذا الامر طالما ان الموضوع لم يخرج من مجلس الوزراء, وكان يمكن معالجته بطريقة اخرى, وهذا كان افضل بكثير واعتقد ان الوقت الحاضر ليس الوقت المناسب لطرحه والتدقيق في مثل هذه الامور اساسي) . بيروت ـ وليد زهر الدين

Email