بعد أوامر البشير باعادة الممتلكات المصرية: القاهرة والخرطوم تتهيآن لفتح (ام الملفات

ت + ت - الحجم الطبيعي

استقبلت مصر بارتياح القرار الذي اصدره الرئيس السوداني الفريق عمر البشير الى كل من وزيري التعليم والري السودانيين باعادة الممتلكات المصرية الى حوزة مصر, وفي القاهرة قال احمد عبدالحليم سفير السودان لدى مصر الذي سلم اوراق اعتماده قبل يومين لوزير الخارجية المصري عمرو موسى ان العلاقات بين البلدين الشقيقين تسير باتجاه التحسن وصولا الى العلاقات الطبيعية والتاريخية بينهما. المصرية السودانية ستعود الى طبيعتها قبل ان يسلم اوراق اعتماده رسميا الى الرئيس حسني مبارك مبديا تفاؤلا شديدا بان الزيارة المرتقبة لوزير خارجية السودان د. مصطفى اسماعيل للقاهرة لحضور اجتماعات مجلس وزراء الخارجية العرب الاسبوع المقبل واللقاء الذي يعقد مع موسى سيدفع بالعلاقات الى ما نرجوه في السودان ومصر. ويعتقد المراقبون هنا ان الخرطوم تبدي كثيرا من الاهتمام وتتحرك بصورة اسرع مما كانت عليه وتأمل في تنقية الاجواء الخاصة لعلاقاتها مع القاهرة تمهيدا لاجتماع وزيري الخارجية, وقد كان اجتماع وزير التجارة السودانية امس مؤخرا برئيس الوزراء د. الجنزوري والذي حضره السفير عبدالحليم ولقائه المطول مع الدكتور يوسف والي نائب رئيس الوزراء والمعروف بقربه الشديد من الملف السياسي السوداني المصري يصب في اتجاه تنقية الاجواء واتخاذ (خطوات عملية على صعيد العلاقات والمصالح المتبادلة) . لكن الخطوة الاكبر ــ كما يرى المراقبون ــ كانت هي في اعلان السودان عزمه اعادة الممتلكات والمؤسسات المصرية, فمن عودة الملاحة النهرية بين البلدين الى بعث البروتوكول التجاري المتميز بين البلدين والذي اوقف العمل به منذ اربع سنوات الى اعادة الممتلكات المصرية, تجرى خطوات (استعادة الثقة) التي يرون انها هي العقبة الرئيسية والحلقة المفقودة بين الحكومتين, وتبقى الخطوة الكبرى على هذا الطريق والعقبة الاساسية هي (الملف الامني) فذلك ما يزال على اجندة عودة العلاقات الطبيعية بين البلدين الشقيقين, فالملف الامني لا يشكل فقط هاجسا لمصر ولكنه ابعد من ذلك يرتبط ارتباطا مباشرا بجملة من العلاقات الدولية والاقليمية الشديدة التعقيد, وعنوان الملف لا يقتصر ايضا فقط على محاولة اغتيال الرئيس مبارك في اديس ابابا وذيولها مصريا وسودانيا لكن ذيولها تمتد الى دول اخرى والى مجلس الامن. ومصر ترغب فعلا في تجاوز الآثار الدولية والاقليمية المترتبة على الحادث وترغب فعلا في الا يضاف السودان الى حلقة الحصار الدولي على بعض البلاد العربية, ولكنها وهي دولة كبيرة تلتزم اسسا وقيما قانونية واخلاقية ازاء تعاملها مع المجتمع الدولي وتلعب دورا مركزيا في محاولات وضع حد للارهاب الدولي والاقليمي وتدعو كافة الدول الى الالتزام بمدونة دولية لمكافحة الارهاب فهي تريد من السودان لكي يساعد نفسه ولينظف سجله من تهمة الارهاب ان يخطو الخطوة الكبرى ويسلم المتهمين في حادثة اديس ابابا وغيرهم من الارهابيين الذين صدرت ضدهم احكام قضائية مصرية والذين لم ينجح السودان حتى الآن في تفنيد الاتهام الموجه له ولعلاقته بهم. وفي نظر المراقبين هذه الخطوة الصعبة لابد من الوصول اليها ومن ثم تنتقل العلاقات الطبيعية لخطوات اكثر حرارة وايجابية وفي مقدمتها ان يكون لمصر دور في حل الازمة السودانية, وهو دور تريده السلطة الحاكمة في السودان وتريده المعارضة السودانية كل من منظوره الخاص لهذا الدور ومصر ايضا تريد هذا الدور ليس فقط من اجل حرصها على السودان وطنا وشعبا وهو حرص اكيد ولكن ايضا من اجل مصالحها الوطنية وامنها القومي الذي تشكل العلاقة التاريخية والجغرافية اساسا راسخا له في الوجدان والعقل المصري. وبينما ينتظر الجميع هنا ويراقبون تطورات الوضع السوداني وانعكاساته مصريا, تجرى اليوم اجتماعات في عاصمتين افريقيتين سيكون الوضع السوداني محورهما. ففي العاصمة الارتيرية اسمرا تعقد هيئة القيادة والمكتب التنفيذي للتجمع الوطني الديمقراطي اجتماعهما الذي طال انتظاره في وسط اجواء مشحونة بكثير من التوقعات وفي وسط اجواء تختلف قطعا عن اجتماع التجمع الاول في اسمرا, وسيعرض رئيس التجمع محمد عثمان الميرغني تقريرا على المجتمعين عن نشاطه في الفترة ما بين الاجتماع الاخير في اسمرا يونيو 97 وهذا الاجتماع.. كذلك سيفعل الامين العام مبارك الفاضل المهدي ونوابه في امانات الشؤون الخارجية والتنظيم واللجنة العسكرية المشتركة, وذلك حسب الاجندة المعتادة لكن الجديد في الامر ما هو داخل الاجندة المعتادة وما سيتفرع عنها, فهذا الاجتماع العادي سيكون في نظر كثير من المراقبين للشأن اجتماعا حاسما وسيشكل نقطة تحول ما في مسار التجمع الوطني الديمقراطي, فأغلبية المشاركين في الاجتماع ذهبوا الى اسمرا وهم يحملون احساسا مؤكدا بأن الامور لن تسير على النحو الذي تسير عليه الآن وهذا الاحساس ليس قاصرا على المجتمعين في القيادة لكنه ايضا احساس يتعاظم وسط القاعدة السودانية التي يرتكز عليها التجمع في داخل احزابه وهيئاته ونقاباته وفصائله العسكرية, وليس سرا ان ثلاثة فصائل من فصائل التجمع الرئيسية قد استبقت اجتماع اسمرا الذي يبدأ جلساته غدا وناقشت اوضاع التجمع داخل هيئاتها الحزبية واتخذت قرارات ومواقف في شأن اوضاع التجمع التنظيمية والسياسية وحملتها مندوبيها الذين سافروا الى اسمرا ما تدفع كثيرون من متابعي الشأن السوداني الى الاعتقاد بأن الاجتماع سيكون غير عادي وسيفتح الباب لنقاش وحوار في العمق حول كافة القضايا الملتهبة على الساحة السودانية ولن يقتصر الامر فيما يبدو على تفعيل التجمع وتطوير ادائه كما اعتادت البيانات الختامية لاجتماعات التجمع ان تقول, لكن ستكون هنالك اسئلة تحتاج الى اجابات واضحة على ضوء التطورات الجارية بشأن السودان في الساحة الاقليمية وفي مواقف وتصورات عدد من دول الجوار الاقرب وفي الاشارات والمؤشرات التي تكرر الحديث عنها منذ مطلع هذا العام والتي تسمى احيانا (مبادرات) وفي المشاريع والرؤى التي طرحتها حتى بعض (فصائل) التجمع حول تطوير مبادرة الايجاد وحول (تباين المواقف) الذي يبدو احيانا ظاهرا للعيان كل هذه الاسئلة وغيرها ستطل برأسها في اجتماع اسمرا المحور الذي سيعلو على المحاور الاخرى هو حول الديمقراطية وتوسيع قاعدة المشاركة وجماعية القيادة ومسؤولياتها والتزاماتها, وبرغم انه يبدو ــ عقلانيا ــ محورا بسيطا ولن يستدعي خلافا بين المجتمعين لانه مبدأ يجب ان يكون مقررا سلفا الا انه سيكون اصعب وادق محاور النقاش. ومع الانظار المتجهة الى اسمرا ستكون هنالك انطار كثيرة سودانية واقليمية ودولية متجهة الى جيبوتي حيث بدأ رؤساء دول مجموعة الايجاد اجتماعاتهم وعلى اجندتها موضوعي النزاع في الصومال والسودان. والقمة التي اجتمعت نوفمبر الماضي في نيروبي تجتمع في جيبوتي ايضا وسط اجواء تختلف فعلا عن اجواء اجتماع نيروبي ووسط تباين ــ على الاقل بالنسبة للموضوع السوداني ــ في المواقف المعلنة وغير المعلنة, فاغلبية المجتمعين ذهبت الى جيبوتي وهي ايضا تحمل احساسا بان المبادرة الاولى ــ والاخيرة حتى الآن ــ لم تعد ممكنا ان تؤدي الى الهدف على النحو الذي كان متصورا عندما صدرت في نيروبي عام 1995 وواحدة من دول المجموعة الاساسية على الاقل سبقت الاجتماع واعلنت على لسان وزير خارجيتها انه لابد من البحث عن سبيل (لتطوير المبادرة حتى تشمل كل اطراف النزاع في اطار المجموعة وعلى اسس اعلان المبادىء لان النزاع السوداني لا يمكن ان يستمر هكذا طويلا مستنزفا طاقات المنطقة وأمنها وامكاناتها ومعطلا دور السودان في افريقيا) . وهذا بالضبط ما تقول به معظم دول المجموعة ولكن وزير الخارجية الاثيوبي قال به في العلن وفي حديث مكتوب ومنشور, لكن ما هو مدى التطوير المطلوب وفي اي اتجاه سيصب فذلك هو مربط الفرس؟!! لا احد يستطيع ان يقول الآن (الاحد 16/3) الى اين ستتجه التطورات في الشأن السوداني سواء داخل التجمع الوطني الديمقراطي او في ساحة العلاقات المصرية السودانية او ساحة الايجاد لكن المؤكد ان (حالة الركود) التي سادت على سطح المسألة السودانية في الاشهر الاخيرة قد آن لها ان تتغير وان حركة ما في اتجاه ما هي ما يتطلع اليه الجميع. القاهرة ـ عبدالله عبيد

Email