نافذة : مسرحية التعددية الحزبية في السودان: بقلم - محمد الحسن احمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تترك (الجبهة القومية الاسلامية المهيمنة على الحكم في السودان مساحة زمنية معقولة لاولئك الذين انخرطوا في (المؤتمر الوطني) على استحياء ليواصلوا الدفاع عن مشاركتهم والادعاء بأن (المؤتمر) ليس هو حزب الجبهة الجديد , او أنه ليس حزبا وانما هو مجرد وعاء لتحالف جبهوي عريض ووعاء لمدارس مختلفة بحد أدنى من الاتفاق, فسارعت بإعلان اختيار المجلس القيادي لهيئة الشورى بالمؤتمر والتي ضمت 25 شخصا كلهم من قيادات الجبهة من الحزبين القديم والجديد باستثناء ثلاث شخصيات هي بدر الدين سليمان, ابو القاسم محمد ابراهيم, عبد الباسط سبدرات, وهي شخصيات ليست محسوبة فحسب على الجبهة, وانما هي شخصيات شمولية بتكوينها في المتبدأ ومنخرطة في النظام بدرجة وزير. وبعد ان برر الشريف زين العابدين الهندي مشاركته في (المؤتمر) وقبوله الفخري ليكون نائبا لرئيسه وما استصحب ذلك من دفاع الدكتور احمد بلال من ان المؤتمر ليس حزبا وانه وعاء لتحالف جبهوي, جاء دور جماعة اخرى من الحزب الآخر لتشاطرهم الرأي في التمسك بحزم وبشكل جديد ايضا يرفض الطائفية ويعتمد التجديد في الفكر وحتى الاسم! وادلى محمد داؤود الخليفة الذي هو عضو المجلس الوطني ورئيس لجنة التربية والتعليم بتصريحات تناقلتها معظم الصحف, جاء فيها: (ان الانصار بدأوا في ترتيب اوضاعهم من الداخل واعادة بناء وتكوين حزب الامة بصورة اكثر ديمقراطية, بتضحيات جديدة واسم جديد استعدادا للمرحلة السياسية المقبلة) وزاد (ان حزب الامة بشكله الطائفي السابق غير مقبول في المرحلة المقبلة والتي ستشهد فيها البلاد عودة التعددية) ثم عاد مناقضا ومستدركا فقال (ان التعددية غير مطلوبة في الوقت الراهن نسبة لارتفاع معدل الجهل وارتباط المواطن بالقضايا السياسية مما يؤدي الى التردي السياسي) . ومهما يكن من الأمر فان الرجل يتطابق منطقه مع منطق الهندي في التمسك بالحزبين وفي اعادة تشكيلهما في الوقت المناسب بعيدا عن مرتكزات (الطائفية) المنبوذة والمرفوضة حسب زعمهما. لكن الامر المثير للدهشة ان الرجلين ليس هناك من سبب يؤهلهما الى اعادة هيكلة الحزبين غير انتمائهما الطائفي, فالهندي هو ابن الطائفة الشهيرة والعريقة في الجزيرة وفي بري وارتقى موقعه في الحزب بتلك الصفة وداؤود هو حفيد خليفة المهدي, وبهذه الصفة وحدها يتحدث عن اعادة ترتيب كيان الانصار وحزب الامة, واذا كان هذا هو جواز تصدرهما فيما يبدو للقيادة في الحزبين فكيف يتسق هذا مع الادعاء او الدعوة لنبذ الطائفية! وهل من محض الصدف أن نسمع ونقرأ ان الأب فيلب غبوش هو الآخر يستعد لاعادة تكوين حزب ابناء جبال النوبة على ذات النسق المشار اليه, وهو ايضا كما نعلم قسيس كبير ما يعني انه الآخر زعيم طائفة ولكن من ملة أخرى. ولا ينبغي ان نتجاهل الشيخ حسن فهذه الشياخة اطلقت عليه دليلا على تزعمه الطائفة الترابية والتي تعددت اسماؤها والآن تسمى (بالمؤتمر الوطني) . ويطلق عليها الترابي احيانا (حزب الله) . في ضوء ما سبق ذكره فان المرفوض هو الحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة الميرغني وحزب الامة بقيادة الصادق المهدي, وفوق هذا وذاك المرفوض هو قيام احزاب ديمقراطية فاعلة تكسب الانتخابات ان اجريت ولن ترضى بغيرها بديلا وتدجينا. وبالمناسبة كيف يمنطق النظام رفضه لما يسمى بالقيادات القديمة ويمكن الدكتور الترابي من قيادة حزب الدولة وهو في القيادة الحزبية يعتبر الاقدم من المهدي والميرغني؟ وكيف تسير الامور لتدشين حزب الاب فيلب وهو من القيادات القديمة هذا على افتراض ان الهندي ومحمد داؤود لا ينطبق عليهما الوصف بالرغم من ان احدهما تجاوز السبعين في العمر والآخر في الطريق اليها. ان ما يمكن استشفافه من تداعي هذه الاحداث ان النظام تحت ضغط الحصار الشديد لم يعد بامكانه مواصلة مقاومة التعددية, ولذلك خطط لاخراج مسرحية التعددية على نحو بلا مضمون بمعنى أن تظل السلطة كل السلطة تحت يديه. والسيناريو كما اتصوره ويمكن استشفاف بعض ملامحه من حديث محمد داؤود في سياق هذا المقال وفيه يقول (ان التعددية غير مطلوبة في الوقت الراهن نسبة لارتفاع معدل الجهل وارتباط المواطن بالقضايا السياسية) . بالرغم من التناقض الشديد في اطار هذه العبارات الا اننا نكتفي بالقول انهم ليسوا في عجلة من تطبيقها, وهذا قد يعني ان النظام في المبتدأ يقرها, ثم في مرحلة لاحقه يطبقها في تحالف مع هذا الثالوث بحيث يقر الجميع استمرار دورة الحكم الراهنة الى عام 2000 وتكون هناك فترة انتقالية يتم فيها اشراك هذه الاحزاب المدجنة على نحو ما في الحكم. وتظن الجبهة ان مثل هذا السيناريو سيجلب لها غطاء وتجني من ورائه كسبا كبيرا. فمن جهة تتوقع ان يحسن صورتها عالميا واقليميا بانها طبقت مبدأ التعددية الحزبية وان الاحزاب رتبت معها استمرارية الحكم المعدل على نحو رمزي كما اتفقت معها على الفترة الانتقالية, وتظن ان المجتمع الدولي سيقبل هذا الادعاء. كذلك تتوقع الجبهة انها قد شقت القوى الرئيسية الامة والاتحادي وان هذا من شأنه ان يجعل حزبها المسخرة له كل امكانات السلطة سيكون الحزب الغالب, وان الجناحين المتحالفين معه من الاتحادي والامة سيكونان ركيزة له في طلاء الدعوة لمشاركتهما في السلطة حتى تبدو السلطة في الظاهر وكأنها قومية وتمثل كل التيارات. ولابد من باب الانصاف لجبهة الترابي ان نذكر انها وهي بصدد السماح لاكبر عدد من التعددية الحزبية قد سمحت للجان الثورية بعقد مؤتمرها العام اعترافا بوجود تنظيم اللجان الثورية في ساحة المنافسة الديمقراطية وهذه اللجان ترفع شعار من تحزب خان, ولذلك فان من باب الاعتراف بعظمة هذا الانموذج اعلن النظام السوداني على رؤوس الاشهاد انه اعتمد نظام (المؤتمرات) مستهديا بالتجربة الليبية, وهي تجربة لم يطبقها النظام بحزافيرها بالرغم من اعتماد المؤتمر الوطني بحسبانه التنظيم الشامل لانه يمهد كما يبدو لخلق منابر تحت عباءة المؤتمر وسوف يمضي إلى ابعد من ذلك بمباركة انشاء الاحزاب المدجنة والتي لاتزال الدراسات جارية لاخراجها في سيناريو لا يخرجها من اطار المؤتمر. حقيقة الامر ان النظام يعتمد في كل تصرفاته وسيناريوهاته الاستخفاف بالرغبات الحقيقية للشعب, ويستخف بالرأي العالمي, ويعتقد انه كلما انتقل من مرحلة استخفاف إلى مرحلة استخفاف جديدة كسب زمنا في الحكم, إلى ان تأتي لحظة المواجهة الحاسمة فيندثر. صحافي سوداني مقيم بلندن*

Email