محمد حسنين هيكل في (حوار الأسبوع) حاجتنا ملحة الآن إلى نظام عربي جديد، العراق لا يشكل تهديدا لأحد ما كان لديه من سلاح صار ولا وجودله

ت + ت - الحجم الطبيعي

على مدار ثلاث ساعات, امتد الحوار مع الكاتب الكبير الاستاذ محمد حسنين هيكل يطوف بأوضاع عالمنا الراهن, ابتداءً من الأزمة العراقية الى الكوابح الجديدة التي تظهر في عالمنا اليوم لتحد نوعا ما من سطوة الهيمنة الامريكية, الى أوضاع عالمنا الجديد مع بداية القرن الحادي والعشرين, حيث تتساقط حواجز الحدود والجمارك والمعرفة والاتصال, وتسيطر المؤسسات المالية الدولية الضخمة على اقتصاديات العالم, وتتحكم في الأسواق الشركات العابرة للقارات, ويتوقع الجميع فوضى غير منتظمة تسود العالم تحت شعار العولمة, التي تهمش مصالح العالم الثالث ومصالح العالم العربي ان لم ينهض من كبوته الراهنة. ولأن الأزمة العراقية الأخيرة اصطنعت بشكل متعمد, فإن الضربة الامريكية ضد العراق ــ من وجهة نظر هيكل ــ مؤجلة وليست ملغاة. ولأن للولايات المتحدة قدرة هائلة على الفعل تقترن بقدرة غير كافية على الفكر, فان الاضطراب سوف يكون السمة الغالبة لسلوك الولايات المتحدة مع أزمات عالمنا الراهن! ولأن روسيا لا تزال تعاني, على حين تؤجل الصين طموحاتها الدولية فان الهيمنة الامريكية سوف تستمر الى سنوات محدودة مقبلة, لكن كوابح الهيمنة سوف تقوى وتزيد. في أزمة الشرق الاوسط يمثل هيكل منذ زمن وجهة النظر الاخرى. وهو لا يزال يرى ان السلام العادل يكاد يكون هدفا مستحيلا في ظل اصرار الاسرائيليين ــ الأمن والحاخامات ــ على اسرائيل الكبرى, وان ما قد يكون متاحا في المستقبل القريب لن يزيد على تسوية لا تتوافق مع الحد الادنى لطموحات العالم العربي.. ومن ثم فان الصراع سوف يستمر حتى ان أخذ اشكالا اخرى سوف يكون بينها الصراع الحضاري على المكانة والاقتصاد والقوة الاقليمية, وذلك ما يفرض على العرب ضرورة السعي الى اقامة نظام عربي جديد. لم يزل أستاذنا محمد حسنين هيكل, كما كان دائما, يتوهج بأفكاره المتدفقة في الحديث, ويصك تعبيراته المميزة في أناقة ورصانة تحكم ضبط معاني الكلمات, ويتابع ما يجري على امتداد العالم بفهم يقظ, يصعب معه أن تفاجئه بخبر او رؤية او تحليل وتلك رؤاه لمستقبل عالمنا على امتداد الزمن المنظور. كيف ترى الأزمة العراقية الاخيرة كيف نفسر حدوثها وما ترتب عليها من نتائج الى الآن؟ طبيعي ان يكون العراق تحت الحصار كما أنه طبيعي جدا ان يصبح اي بلد عربي تحت هذا النوع من الحصار, ومن الطبيعي ان تكون لدى امريكا تصورات معينة عن اية دولة عربية, لكن ما راعني شيء آخر حيث بدأ لي أن النظام العربي في مشكلة أو أزمة لها مظاهر شتى انعكست على العراق, فلا يوجد في العراق الآن ما يمكن أن يشكل مخاطر حقيقية اذا كنا نتكلم عن اسلحة نووية او بيولوجية او كيماوية, فعلى مستوى السلاح النووي العراق لم يقترب منه يوما بطريقة جدية بل كان بعيدا عنه والمفاعل الذي كان في العراق تم ضربه. وما وجد هناك فقط نصف كيلو جرام يورانيوم مخصب ليس اكثر وكان امام العراق على الاقل من ثماني الى عشر سنوات حتى يستطيع ان يقف على بداية صناعة نووية حقيقية فليس من المهم في السلاح النووي ان يكون لدى بلد معين مفاعل او يورانيوم بل من الضروري وجود مجموعة من الصناعات الموازية حتى تكون هناك امكانية نووية, اما فيما يتعلق بالاسلحة الكيماوية فالعراق شكل تقدما فيها, ولكن جزءا كبيرا مما أنجزه العراق في هذا الصدد موجود مثله لدى دول اخرى عديدة وبالنسبة للسلاح الجرثومي فلا أعتقد أن لدى العراق ما يعتمد به وجميع الدول المماثلة للعراق تكتشف بعد فترة خطر السلاح الجرثومي عليها لأنه يمكن ان ينقلب على صاحبه او بتعبير أدق امكان تأمين السلاح, ولذلك اكتشفت العراق ان الاسلحة البيولوجية يمكن أن تنقلب ضده. المحصلة النهائية ان العراق لم يعد لديه ما يخيف, وجميع ما كان لديه من صواريخ دمرت وما بقي لا يزيد على عدد أصابع اليد الواحدة فضلا عن عدة محركات وكلها تحت سيطرة لجنة التفتيش الدولية التابعة للأمم المتحدة وبالتالي فالازمة العراقية الاخيرة افتعلت افتعالا. * قيل ان العراق لم يلتزم بقرارات مجلس الأمن؟ ــ إذن علينا ان نتساءل وما هي قرارات مجلس الامن التي لم يلتزم بها العراق. في سنة 1991 العراق كان مدانا أما هذه المرة فالأمر مختلف فالأزمة بدأت بسبب تفتيش القصور الرئاسية رغم أن هناك اتفاقا بصددها منذ عام 91 بين كل من طارق عزيز وايكيوس وقيل ان هذه المواقع متعلقة بالسيادة وان قرار مجلس الأمن واضح وصريح بالتفتيش مع المحافظة على الكرامة والسيادة العراقية. ومن ضمن مظاهر السيادة موضوع المواقع الرئاسية, وبالتالي فالأزمة الاخيرة صنعت صنعا. الاهم من وجهة نظري ان هذه الازمة اظهرت عجز النظام العربي حيث لابد لهذا النظام ان يكون قادرا على الفعل في داخله وخارجه وبدون وجود مشروع نظام عربي فان هذه المنطقة لن تجد لنفسها مكانا في القرن المقبل. وبالتأكيد لا يوجد نظام عربي ولكن هناك مشروعا قابلا للتحقيق في يوم من الايام ولا يمكن ان نتخلى عنه فبدونه كل الموجودين لا يساوون شيئا ولو ان هناك نظاما عربيا يحاسب اعضاءه لاعلن ان هناك مخالفة بعينها من العراق وهذا لم يحدث... النظام العربي لم يدقق فيما قيل له. ولم يتحقق منه, اصعب من هذا كله ان كوفي عنان عندما عاد الى نيويورك قال انه في ذهول لان الامم المتحدة لم يكن لها مكتب في بغداد, وانا شخصيا في ذهول لان الجامعة العربية ليس لها مكتب في بغداد. اذا كانت الازمة الاخيرة مع العراق قد افتعلت, لماذا كان الافتعال في هذا التوقيت بالضبط؟ ـ نحن موجودون في منطقة يطمع الاخرون في السيطرة عليها بشكل او بآخر ولان بها اكثر مما يحتاجه او يستهلكه اصحابها وهو البترول ولاننا كعرب نعجز عن وضع تصور مستقبلي لنا وللمنطقة ينوب عنا الغير في وضع هذا التصور وتحديد شكل المنطقة. واذا عدنا مباشرة الى ما قبل الازمة العراقية الاخيرة سنجد اننا كنا نتكلم عن تسوية ما بقي من القضية مع اسرائيل وكنا نتكلم عن نسب الانسحاب هل هي 30% او 10% او 2% فأصبح ترتيب ما هو قادم يأخذ في اعتباره اسرائيل فقط. دائما هناك (حسبة) في المنطقة حتى السوفييت لم يستوعبها عندما كنا نتعامل معهم مرة قال لنا كوسيجين الذي كان رئيس وزراء الاتحاد السوفييتي ان مصالح الغرب عندكم كعرب وبالتالي لا يتصور ان الامريكيين سوف يعادون العرب, ولم يكن يتصور ان اطرافا يمكن ان تمتلك ثروة وهذه الثروة لا تؤمن عن طريق اصحابها ولكن عن طريق اخرين وعندئذ يتدخل الغير وينوب عن اصحاب المكان للعب هذا الدور واسرائيل كما قلنا قديما هي حارس المصالح الغربية بالمنطقة وفي واقع الامر نحن بصدد ترتيب اوضاع جديدة وهذا يتطلب التخلص من بقايا اوضاع موجودة وقديمة مثل محاصرة العراق ونظام الثورة الاسلامية في ايران ليس لان لدى الدولتين قوى ذاتية فالعراق حالته سيئة جدا لدرجة ان روبرت فسك كتب حول مأساة العراق في (الاندبندنت) وعن المصابين بالسرطان فيه بسبب تسرب المواد الكيماوية والعالم العربي صامت تماما واذا اخرج صوت عربي يقول بأن شعب العراق يعاني يجد من يخرج له ويقول بأنه يدافع عن صدام. ومرة بعث لي معارض عراقي بخطاب يقول لي انه يخشى ان كلامي عن معاناة شعب العراق يمكن ان يحسب دفاعا عن النظام في العراق, فأرسلت اليه خطابا اقول فيه انكم احرار مع النظام العراقي ولكن كيف يكون ان نحمي شعب العراق بصرف النظر عمن يحكمه. بالفعل توجد ازمة افتعلت مع العراق لاغراض شرحتها الان ثم انها في الوقت نفسه صرفت الانظار عن مفاوضات السلام مع اسرائيل. لماذا تراجعت الولايات عن توجيه ضربة عسكرية للعراق؟ ـ السبب الاول ان الامريكيين ليس لديهم خطة لما بعد الضرب ومشكلة امريكا الان انها تمتلك قدرة هائلة على الفعل ولكن لا تمتلك قدرة كافية على الفكر وهذه ازمة امريكا اليوم وبقية المعارضين لها عالميا يشتكون القدرة على الفعل وان كانوا يمتلكون القدرة على الفكر. امريكا راغبة في التخلص من النظام العراقي ولكن ليس لديها خطة لما بعد ضرب العراق. واي قائد عسكري يطلب من القيادة السياسية اولا توجيها استراتيجيا يحدد المهمة التي سوف يحققها باستعمال القوة, ثانيا يطلب توفير مشروعية الفعل, ثالثا يطلب تحديد متى ينتهي الدور العسكري حيث لا توجد حرب للابد, واعتقد ان امريكا لها اهداف معينة في المنطقة وتريد تحقيقها وربما هناك ما هو متعلق بالموقف الداخلي في امريكا ذاتها, ولو ان باتلر قصد احد قصور الرئاسة لتفتيشها ومنعه العراقيون لقلنا ان مصادفة ما وقعت وادت الى نشوب الازمة حتى هذا لم يحدث وبالتالي فالازمة اصطنعت ومن اصطنعها ليس لديه تصور كاف لما بعدها. في المرة السابقة عام 91 قال رئيس هيئة اركان الحرب الامريكية كولين باول بصراحة ان هدف القوة العسكرية هو تحرير الكويت وتدمير الجزء الاكبر من الاسلحة العراقية وطلب أمرا بوقف اطلاق النار عندما تحقق له هذا الهدف فأعطاه الامر الرئيس بوش اما هذه المرة فلو طلب القائد العسكري الامريكي هدفا استراتيجيا لحرب العراق لوجده (مائعا وعائما) فربما ترغب في الابداء على شيء ولكنك لا تستطيع ان تحققه حيث بدأت الازمة كان لدى امريكا حاملتان للطائرات وقوة بحرية مساعدة تستطيع ان تلحق الضرر بالعراق وقوته دون الحاجة لمساندة اخرى, امريكا وجدت ان الاجواء لم تكن مواتية لهدفها حتى داخلها نفسها وحلفاؤها يتساءلون وهناك حالة تخبط ثم صار من المستحيل ان تقع الضربة لاسباب سياسية واعتقادي ان الضربة العسكرية تأجلت ولم يتم الغاؤها. ألا تعتقد ان امتناع الدول العربية باستثناء دولة واحدة عن منح امريكا تسهيلات بقواعدها العسكرية وغضبة الرأي العام العربي كانت وراء احجام امريكا عن تنفيذ الضربة؟ ـ في حدود معلوماتي ان الضربة كانت ستتركز في 11 فرقة التي تشكل الحرس الجمهوري لصدام حسين وذلك لفتح الطريق امام الجيش العراقي للتغيير وقلب نظام الحكم. ضرب فرق الحرس الجمهوري كان سيتم بالصواريخ والطيران من فوق حاملات الطائرات وهي كانت كافية بخلاف عام 91 حيث كانت امريكا تحتاج لقوات برية وقواعد لحماية التمركز والتقدم والامداد والتموين للقوات البرية اما اليوم فهي تستطيع توجيه ضربتها بالكفاءة والقوة والفعالية نفسها دونما حاجة لاصدقائها العرب واعتقد ان جولة (أولبرايت) السابقة على ضرب العراق كانت بهدف الحصول على الاراء السياسية لما بعد الضربة وليس بهدف الحصول على تسهيلات او قواعد اما العرب فكانوا مشغولين بقضية السلام ثم انتقل جدول الاولويات العربي الى ازمة عراقية طارئة والرأي العام العربي لم يتنبه لما حدث الا بتأثير الرأي العام العالمي وكان هذا غريبا جدا لان العادة ان الرأي العام العربي سباق وكانت كثافة التعبير عنه شديدة جدا في الايام الاخيرة وحتى منتصف الازمة كان الرأي العام العربي غائبا خصوصا ان الازمة لم تأت مصادفة بل هنا من خطط تخطيطا مقصودا ولم يكن هناك سيناريو كاف للاستمرار بعد ذلك وهذا سبب المشكلة ومنذ اللحظة التي غادر فيها كوفي عنان نيويورك كنت اعتقد ان هناك اتفاقا والعراقيون قبلوا شروط الاتفاق قبل ذهاب عنان لبغداد واعتقد ان د. عصمت عبدالمجيد عندما ذهب لبغداد وجد ان روسيا انهت القضية وكان المطلوب عربيا فقط هو حفظ الشكل الخارجي. هل استفاد العراق من ادارة الازمة الاخيرة؟ ـ نعم... طرح موضوع العقوبات المفروضة عليه امام الرأي العام العالمي ولفت الانظار للمأساة الانسانية الحاصلة في العراق وادخل سكرتير عام الامم المتحدة في القضية والاهم انه ادخل فرنسا وروسيا والصين كأطراف فيها وايضا وان على مضض ادخل اطرافا عربية مجرد سفر الدكتور عصمت عبدالمجيد الى بغداد بطلب من الرئيس مبارك بوصفه رئيسا للقمة العربية فان هذا له معنى كبير كما نجح العراق ان يلفت النظر لتعنت نظام التفتيش الذي مارسه باتلر وبالتالي فالعراق حقق مكاسب كثيرة في واقع الامر. تحرك الروس هذه المرة هل كان بحثا عن دور مفقود ام استجابة للتيار القومي في روسيا, ام هي ضغوط الجيش الروسي؟ ــ الاجابات متعددة بقدر تعدد الرؤى والحقيقي ان هناك احساسا بالهوان داخل روسيا خاصة بين صفوف الجيش الروسي وروسيا لا تملك اليوم ان تقوم بدور عالمي الا بقدر ما بقي لديها من سلاح نووي ليس لانها سوف تستخدمه ولكن لان مجرد وجوده يصنع مكانة معينة للدولة ومشكلة روسيا ان سلاحها النووي يتآكل ويصاب بالعجز والشيخوخة والجيش الروسي يشعر بأن دولته تقع وتتهاوى فوق رأسه والجزء المؤثر في قدرته على الفعل وهو السلام النووي ينتهي وبالتالي صار الجيش الروسي قوة ضغط تمارس شيئا من النفوذ بغرض استعادة روسيا لبعض مكانتها القديمة قبل انتهاء مفعول السلاح النووي سنة 2005 او 2007 على احسن تقدير, واستطيع ان اقول بان بريماكوف وهو من انصار ايجاد دور روسي قبل ان ينتهي اجل السلاح النووي الروسي, واستطيع ان اقول ان الحكومة الروسية يدور بخلدها ان هوان الدولة الروسية قد يشجع الجيش الروسي على استلاب السلطة في يوم قريب خاصة ان في روسيا وضعا اقتصاديا سيئا للغاية لا يقدم للجيش اية مميزات حتى المرتبات ذاتها تتأخر وتتقلص في الوقت الذي تحدث فيه حروب وقلاقل في دول الجوار معا على الحدود وبالتالي فروسيا دولة قلقة وامامها فترة طويلة المدى كي تستقر لان التغيير الذي حصل فيها حصل بالتآكل والتحلل وليس بالتطوير والانتقال واعتقادي بأن روسيا لن تتحول الى دولة راسمة للسياسات وللمستقبل قبل 10 او 15 سنة على الاقل وللآن هي شحنة قلقة جدا, واعتقد ان امريكا تراجعت عن الضربة ايضا بسبب الوضع الروسي القلق دوليا ومدى تأثيره, ورغم ان ما قاله (يلتسين) عن حرب عالمية ثالثة مجرد كلام فان الخطورة كلها في روسيا وهي كتلة قلقة ومشحونة وتشعر بالمهانة والغبن ولديها بقايا قوة فعالة لا تستطيع ان تضرب بها ولكن ان تساوم بها. بدأ تقارب روسي صيني في هذه الازمة, هل نحن ازاء سياسة تقوم على التحالف بينهما ضد الولايات المتحدة؟ ــ هي مجرد اشارات استراتيجية للمستقبل ولكنها لا تشكل في الوضع الراهن سياسات والسياسة والكلام فيها اليوم يكون عن فترة زمنية من عامين لخمسة اعوام فقط اما في الاستراتيجية فتستطيع ان تقول اننا مقدمون على عالم به بؤر حضارية متنوعة مثل جنوب شرق اسيا واوروبا وامريكا. وماذا عن الموقف الفرنسي؟ ــ فرنسا ليست قلب اوروبا ولكنها المانيا وفرنسا تريد ان تقول انها تمتلك قوة رادعة نووية ولديها منطقة نفوذ جنوب البحر الابيض المتوسط تستطيع ان تؤثر فيه ولعبتها محدودة, اما روسيا فامكاناتها مقيدة, والصين طموحاتها الدولية مؤجلة فهي قوة اقتصادية تبنى عليها استراتيجيات سليمة وتعطي اشارات للمستقبل. الفعل الصيني مؤجل حتى تصبح الصين قادرة عليه واعتقد في سلامة هذه المدرسة في التفكير الى حد بعيد لان بناء القوة الذاتية مطلوب ولا داعي لاستغلالها الا في لحظة مواتية نفسيا وبالتالي فالقوة الامريكية موجودة لفترة قادمة من الوقت وان كان امامها تضاريس اخرى لابد ان تراعيها وتتجنبها والاساس هو قوة امريكية امامها كوابح جديدة. ماهو دور هذه الكوابح مستقبلا وهل تملك القدرة على عرقلة الهيمنة الامريكية؟ الشرق الاوسط هو الاكثر حساسية تجاه الهيمنة الامريكية اما العرقلة الفرنسية فهي تدخل في باب العتاب الرقيق ان دخول كلمات انجليزية القاموس الفرنسي او ان الثقافة الفرنسة لا تتمتع بالنقاء التام وان امريكا تصدر قيما بعينها لفرنسا هذا كله يدخل في باب العتاب اما مجال الاحتكاك الحقيقي فهو في الشرق الاوسط وحده افريقيا وقعت من حساب العالم او على الاقل اجزاء كثيرة منها اما المناطق المفتوحة التي لن تقع من حساب العالم في السنوات المقبلة فهي جنوب شرق اسيا والشرق الاوسط مع ملاحظة ان منطقة بحر قزوين وبتروله جزء من امتداد الشرق الاوسط جغرافيا وامريكا اللاتنية انتهت كمرحلة ثورية ومعظم دولها تسعى الى الولايات المتحدة واوروبا تسرع باتجاه الدخول في حلف شمال الاطلسي والدليل الاكبر موقف دول اوروبا الشرقية اليوم, واذا كنا نرغب في تخفيف الهيمنة الامريكية بالشرق الاوسط فلا بد ان تساعد المنطقة نفسها باحياء مشروع النظام العربي كأولوية اولى ويتفق مع حقائق القوة وموازينها الجديدة للتعبير عن ادارة شؤونه. نعود للعراق ونسأل ما الافاق المتاحة امام النظام العراقي وهل يبقى نظام صدام طويلا؟ هذاالطرح ليس قضيتي ولا اعرف ما هي حدود او طاقة احتمال هذا النظام ومع الاسف الشديد لا توجد بدائل امامي حاليا تحل محل صدام حسين واعتقد انه يمكن لمجتمع طوال الوقت مشغول في البحث عن لقمة عيشه ورزقه وطعام اولاده ان يفكر في تغيير نظام حكمه. وأيضا هل الضابط الموجود في الجيش العراقي مستعد لوراثة هذا الموقف المتأزم وفي الصيف الماضي زار وفد من المعارضة العراقية المحترمة وكيل وزارة الخارجية الامريكية وطالب الوفد بصدور بيان مشجع عن الادارة الامريكية يقول بانه فور سقوط النظام العراقي الحالي ترفع العقوبات عن بغداد فرفضت الادارة الامريكية واتساءل من سيتقدم سياسيا وعسكريا لوراثة هذا النظام ومشاكله, لا احد, وجزء كبير من تصرفات النظام العراقي تؤكد بانه نظام بلا بديل مطروح. كيف نفهم ذلك في ضوء ما يقال عن وجود خطط واطماع في العراق؟ وجود الخطط شيء والواقع شيء اخر, وهذا العالم الذي نعيشه لا تديره ادارة مركزية والتحالف الغربي لا تديره ادارة مركزية واي قيادة اركان حرب تحترم نفسها لابد ان تمتلك خططا لاشياء لا تخطر لاحد على بال, ومن المؤكد ان لدينا في الامن القومي المصري على سبيل المثال خططا تواجه اسرائيل فيما لو هاجمت مصر, وهي لن تهاجمنا, وايضا فيما لو جاءنا الخطر من ناحية ليبيا, وجزء كبير مما هو حادث في المنطقة وفي غيبة قيادة مركزية واحدة لمجموعة القوى الفاعلة في المنطقة وفي غيبة رؤى محددة فان المنطقة مطروح فيها اشياء كثيرة جدا والسؤال: هل كل المطروح حقيقي وله سند من الواقع ام مجرد تصورات واجتهادات ومحاولات؟! فماذا حققت امريكا من الازمة العراقية الاخيرة؟ لا اظن انها حققت شيئا ومن الممكن ان نقول بأن روسيا اضيف اليها وتحقق لها اشياء, وكذلك العراق وللرأي العام العربي بطريقة غير مقصودة لاننا لأول مرة حيال حالة تنبه من الرأي العام العربي الذي شعر انه لفترة طويلة تم التعامل معه كطرف غائب عن الصراع, وفي لحظة حاسمة نتيجة للغضب او للضيق او التململ اظهر وجوده الحقيقي ومشاعره الواضحة, واظن ان الازمة انتهت عكس ما كانت تتصوره امريكا ويكفي انها عجزت عن استصدار قرار واحد من مجلس الامن بالصياغة التي تريدها, في الوقت الذي كانت فيه القرارات في الازمة السابقة عام 91 والتي بلغ عددها 6 قرارات في اسبوع واحد وجميعها صياغة امريكية, اليوم امريكا عجزت عن تقديم صيغة واحدة من البداية الى النهاية, ولا ارى ان امريكا حققت شيئا, بل كانت اشبه بمن يريد فعل شيء ثم عجز عنه. وماذا حققت اسرائيل من مكاسب؟ ــ اسرائيل كسبت تخفيف الضغط عنها لفترة من الفترات وان كان قد عاد مرة اخرى, ورغم ما قيل ان اسرائىل استقدمت شحنات من الاقنعة الواقعية زاد عددها على مليون قناع فان الحقيقة انها كانت شحنة واحدة عدد الاقنعة فيها 1200 قناع ولكنها صورت الامر وكأنه جد خطير وهي تعلم ان العراق لا يستطيع ضربها ولو بصاروخ واحد وهذا كله جاء في سياق المناخ العام المحيط بالازمة. هل كسبت ايران شيئا؟ ايران لاعب رئيسي في المنطقة لا يستطيع احد ان يقصيه عن دوره تستطيع القوة الكبرى تعطيله, ورغم ان امريكا لا تريد نظام الثورة الاسلامية في ايران ولا ترغب في التحامل معه الا انه نظام قائم وضرورات الدولة هناك تتغلب على شعارات الثورة وايران راغبة في التقرب من العالم العربي ولكن توجد منعطفات كثيرة مثل حربها التي دامت ثماني سنوات مع العراق, وفي منتهى الصعوبة ان تمحو الماضي في لحظة, واعتقد ان ايران لا تمانع ان ترى النظام الحاكم في العراق وقد سقط ولكن ليس بأيدي امريكا واعتقد ان ايران تقترب من المنطقة العربية ولا اقول ان المنطقة ستكون لحسابها او ستخلق نفوذا ايرانيا ولكنني اقول انها تعود للمنطقة كي تلعب دورها التقليدي فيها وفي هذا السياق يلفت نظري الموقف السعودي الذي استشرف الرغبات الايرانية وبادر بالاتصال بها, واتمنى ان نفعل ذلك نحن ايضا ولكن ليس سهلا على النظام الايراني ان يطمئن للنيات الامريكية تجاهه او يطمئن للنيات الامريكية حيال العراق, ومن يقولون ان خاتمي سيكون بمثابة انتفاضة ضد نظام الثورة الايرانية او يتصورون ذلك مجرد واهمين وبعض الامريكيين يتصورون ان خاتمي يمكن ان يلعب دور جورباتشوف او يلتسين في روسيا ولكن هذا المنظور خاطئ لان الموقف الروسي يقول بان الفكرة المرجعية وهي الماركسية قد سقطت ولكن واقع الحال في ايران يقول بأن الاسلام كفكرة مرجعية لا يقع ولن يسقط, وخاتمي هو ابن المؤسسة الايرانية وليس بعيدا عنها وهذا يعني انها لن تستغنى عنه وهو لن يتمرد عليها. ماهي طبيعة الدور الذي لعبه كوفي عنان في الازمة العراقية؟ الادوار ليست وظائف وانا ضد توصيفها وتحديدها في خطط محددة كأن تقول استمارة (أ) واستمارة (ب) وهكذا وعندما بدأ كوفي عنان زيارته لبغداد كان المجتمع الدولي قد حل عناصر الازمة الاساسية او حل المعادلة الصعبة وذلك بقبول العراق تفتيش المواقع الرئاسية وكوفي عنان ليس من اختصاصه وضع سياسة مستقلة وهو مجرد موظف عند مجلس الامن وكان واضحا عندما قال بصراحة: انا لا استطيع ان اخطو خطوة الا اذا اخذت توجيها واضحا من مجلس الامن والغريب ان مجلس الامن لم يعد يجتمع كما كان في الماضي بل غير اسلوبه واصبح يمارس دوره عن طريق المشاورات التي يعقبها صدور بيان رئاسي والحقيقة ان كوفي عنان لم يحل الازمة ولم يكن في مقدوره ان يحلها ولكن حلها المجتمع الدولي والقوى الدولية وقبول العراق لمبدأ تفتيش قصوره الرئاسية سلفا. الحلول كانت موجودة ولكنها بانتظار من يضع الصيغة الملائمة وهذه كانت وظيفة كوفي عنان ولكنه لم يتفاوض ولم يحل الازمة ولم يكن ذلك بمقدوره. فما تقييمك لشخص الرئيس العراقي صدام حسين خاصة ان البعض يعتبره عميلا لامريكا؟ رأيته ثلاث مرات ولا اعتبر نفسي خبيرا فيه وقلت مرارا انه اعجبني جدا في اول لقاء لي معه عندما سمعته يتكلم في التخطيط ومستقبل العراق, ورأيي ان وصفه بتعبير (عميل امريكاني) بمثابة عيب كبير ولا يجوز. وهذا للتاريخ, واذا كان اقدم على سياسات خدمت دخول امريكا بقوة في المنطقة العربية فهذا موضوع اخر ولا يعني انه (عميل امريكاني) من الوارد ان يكون اخطأ في حساباته ولكن هذا لا يعني انه رجل امريكا, لان الهدف المعلن امام الجميع هو رغبة امريكا في ازاحة صدام عن حكم العراق والتخلص منه. الى اي مدى تحتاج امريكا لوجود صدام حسين كي تبيع الامن لمنطقة الخليج؟ هيكل: في وقت من الاوقات راجت تجارة كبيرة وضخمة جدا في المنطقة لان الثروة الطائلة كانت تحتاج لمن يؤمنها, ولذلك ظهر مفهوم او تعبير (التهديد والحماية) لعبت امريكا وروسيا بالمنطقة فضلا عن اللاعبين المحليين واعتقد بمنتهى الصراحة ان امريكا كانت تريد ان تتخلص من صدام حسين بوضوح جدا منذ استمر 8 سنوات في حربه مع ايران والسبب الحقيقي وراء ذلك ان امريكا سمحت بوجود كميات من السلاح لا يجوز ان تظل في يد بلد عربي يستطيع ان يهدد بها اسرائيل, في الوقت الذي تطور فيه السلاح واصبحت دول التخوم بـ (الصواريخ) لها نفس اهمية وخطورة دول الحدود وقديما كانت العراق ترفض الاعتراف بالهدنة مع اسرائيل لانها ليست تمتلك حدودا معها اما اليوم فسلاح الصواريخ الغى الحدود الفاصلة. تحديدا ما المطلوب لخلق مشروع النظام العربي؟ نحتاج إلى أن تتواءم خططنا بالمنطقة مع الرؤى والتحولات الجارية فيها لأن ما كان لدينا في الماضي لم يعد صالحا لليوم, والقضية ليست في تعديل ميثاق الجامعة العربية ولكنها أكبر من ذلك بكثير, والبلد الوحيد القادر على طرح هذه القضية هي مصر ليس لأننا نتصور مفهوم الدور القيادي والريادي القديم ولكن لأن مصر هي أكبر مستودع لإمكانات الفكر العربي وتستطيع أن تقدم خطوط مشروع عامة تناقش في العالم العربي كله, الحقيقة ان الخريطة لم تعد معبرة عن الواقع الجديد, وبالتالي نحتاج لعقد عربي جديد ومختلف. هل معنى هذا أن فكرة القومية العربية لم تعد سليمة؟ أعتقد أنها لا تزال سليمة, وإذا كان الوطن يصنعه شعب يقوم فوق أرض واحدة فإن فكرة القومية تصنعها العوامل المشتركة بين الناس بصرف النظر عن الحدود السياسية, وهذه العوامل متمثلة في اللغة والامتداد الجغرافي والدين والثقافة والأمن, وستبقى فكرة القومية العربية صالحة باستمرار مادام وعاؤك الحضاري واللغوي والثقافي عربيا وكذلك خطابك الفني, ولكن نحتاج أيضاً لتعديل الخريطة بما يتناسب مع المتغيرات الجديدة, فلقد وضعنا ميثاق الجامعة العربية في الأربعينات فتجاوزته الأحداث وفي الخمسينات صنعنا الوحدة بين مصر وسوريا وتجاوزتها الأحداث وفي الثمانينات أنشأنا مجالس التعاون العربي وتجاوزتها الأحداث والحل اليوم في خلق جامع عربي مشترك سياسي واقتصادي وفكري, وعلى سبيل المثال يكفينا على المستوى العام أن نتمكن خلال خمس سنوات من توحيد مناهج التدريس, وفتح سوق الكتاب وفتح الفضائيات, وإذا تكلمنا عن سوق عربية مشتركة فسوف نتكلم عن أمل جميل ولكن العقبات طويلة جداً لعدة أسباب جوهرية, ورغم ان الاقتصاد أهم ما يجب أن يتوحد فإن ذلك يستدعي جهدا جبارا, وعلى سبيل المثال عندما تكونت الوحدة الأوروبية فقد قضت على النزاعات بين ألمانيا وفرنسا المستمرة قديما, وتم ربط الدولتين بمصلحة مشتركة وذلك في إطار خلق جامع مشترك مع غياب الثقافة واللغة المشتركة, وبالتالي كان مشروع (مونيه) الذي ربط بين البرجوازية أو الطبقة المتوسطة في كل من فرنسا وألمانيا, وقيمة مشروع الوحدة الأوروبية أنه ضم البرجوازية الأوروبية معا حول مستقبل الفحم والحديد الصلب, أي الموارد الموجودة على مناطق الجوار الجغرافي, ثم خلقت المصلحة المشتركة الجامع المشترك, أما لدينا نحن العرب فالجامع المشترك أعمق بكثير جدا من الموجود في أوروبا, والسوق المشتركة نشأت في أوروبا لخلق وعي عام بإمكان الوحدة, وهذا الوعي بالوحدة قائم عندي وما أخشاه من طرح فكرة السوق العربية المشتركة أن المصالح المتنافرة قد تعرقل ماهو ممكن أن يتوحد فأثرياء العرب مثلاً ربما لن ينضموا لهذه السوق, ومن الأمور المؤسفة أن قوة الثراء العربي خرجت من المشروع العربي العام لتنضم كلها في مجلس التعاون الخليجي, ونقصد بالثراء هنا (النقد السائل) . وإذا بدأنا بالمصالح فهي متنافرة وليست أول ما يبتدأ فيه, ولكن الذي نبدأ به هو تقوية ما هو موجود وقائم بالفعل وتدعيمه والجامع المشترك بيننا الفكر والثقافة واللغة والدين وفكرة القومية العربية اول من نادى بها الشعراء والمفكرون الاوائل الذين حلموا وكتبوا وصاغوا قوة الفهم, فلماذا يجرنا النموذج الاوروبي دون ان تفسر هذا النموذج فأوروبا بدأت بالسوق لان كل شيء قبل السوق لم يكن موجودا وبالتالي خلقوا مصلحة مشتركة لخلق وحدة امن وثقافة وفكر ونحن يتوافر لدينا كل هذا فلماذا نبدأ بالسوق مع ان المصالح متنافرة؟ معضلة السلام هل تعتقد ان الفرصة متاحة للوصول لسلام عادل في ظل حكومة بنيامين نتانياهو خاصة انه صور كما لو كان (براجماتيا) يمكن الوصول لحل معه؟ القضية ليست في نتانياهو ولكن اذا قلنا ان هاجس الامن هو قضية اسرائيل الكبرى فمن الذي يحدد معايير الامن لاهو نتانياهو ولا شامير ولا بيريز او رابين ولكن الذي تحدده المؤسسة العسكرية والموساد والاجهزة المختصة به والحاخامات او, المؤسسة الدينية التي هي في النهاية عماد الامن في مشروع هو في اساسه توراتي اما بيريز او نتانياهو فهما مجرد تعبيرات عن مفهوم للامن الذي تحدده جهات اخرى, ولو ان بيريز كان في الحكم لكنا نواجه المشاكل نفسها الحجم مع اسرائيل والسؤال: هل استطاعت اي حكومة او اي حزب اسرائيلي ان يضع حدودا للدولة هناك و اقصى ما قاله (يوسي بيلين) اثناء اتفاقية (اوسلو) ان اسرائيل قبلت حدودا معينة ولن تتوسع اكثر من هذا وهناك نقطة في غاية الاهمية وهي مسألة اليهود الامريكيين الذين يجمعهم يهود العالم كله (الاسطورة التوراتية) وبالتالي هؤلاء هم الذين قتلوا (رابين) واليمين اليهودي الضخم جدا هو اكبر سند لاسرائيل في حدودها التوارتية وهم يتكلمون عن مشروع سياسي له جذوره الدينية وله قاعدة دينية يقف عليها وبالتالي يتكلم عن كل فلسطين بغض النظر عن اليهود الذين استوعبوا في المجتمعات المسيحية, وبالتالي فمن المتصور ان تكون هناك تسوية سلمية ولكن من المستحيل ان تكون عادلة وقد قلت هذا الكلام للرئيس السادات, قلت له: انت بمفردك لن تستطيع ان تحل هذه القضية, ورأيي ان السلام مستحيل بالمنطقة خلال المرئي من الزمن كما ان موازين القوى تمنع وجود حرب وربما وجدت تسوية بالقوة ولكنها لن تكون عادلة واكبر عائق امام العرب اليوم هو الاوضاع الحقيقة على الارض وربما وجد بداخل اسرائيل راغبون في السلام ولكنها تبقى مسائل في منطقة الاماني لان القوة الحقيقية ليست في ايديهم. وما المخرج اذن؟ الحاصل اننا بازاء اسرائيل التي تتكلم عن ارض محددة تستندها فيها دعوى اسطورية وتعزز وجودها فيها قوة لاتنازع حيث هي في الظرف الراهن, وبذلك فالسلام العادل مستحيل بالمعنى الشامل, ولكن التسوية ممكنة, وربما يقوم الرئيس حافظ الاسد صباح الغد بقبول تسوية مع اسرائيل لان ضرورات العملية تفرض ذلك وبالتالي هو يقدم على التسوية لان الفجوة كبيرة بين اماله وتصوراته وواقعه وامكانات العملية وتحقيقها في هذه اللحظة وهو يعرف ذلك وتحقيقها في هذه اللحظة وهو يعرف ذلك واعتقد ان هذه اللحظة الراهنة هي الاسوأ اذا وقع العالم العربي سلاما مع اسرائيل لانها الفترة الاضعف في التاريخ العربي. فماذا ترى موقف (ابو عمار) في ظل هذا لوضع؟ سبق ان جلست الى (ابوعمار) لساعات طويلة وكان معي المرحوم احمد بهاء الدين وكان ذلك بتونس, وقلت له انه يستطيع ان يقبل قرار التقسيم ولكن لايقبل القرار 242 وقلت له ايضا ان اسرائيل على استعداد ان تترك له (غزة فورا كان هذا عام 88, وقلت له اخشى ان تجد نفسك وقد تورطت في غزة والفراغ الامني سيكون مبررا لها لافتعال الازمات ولكن الاوضاع تحت الاحتلال الاسرائيلي غير معقولة واعتقد ان دخول ابو عمار لمسار التسوية لم يضف جديدا له بل هو اعطى اسرائىل الحق في التصرف فيما تريد ان تتصرف فيه واسرائيل لو صنعت كل المغريات لها لن تعود لاحتلال غزة مرة اخرى لان غزة من المناطق السكانية التي لاتستطيع اسرائىل في هذه اللحظة ان تسيطر عليها واعتقد اننا مقبلون على مراحل اكثر خطورة من المشروع الصهيوني. ولكن ألم يسيطر عرفات على جزء من ارضه في واقع الامر؟ ــ مادام المتاح كان ما توقعنا وما رأينا بالفعل فقد كان الاسلوب الافضل للوجود الفلسطيني على الارض ان تعبر عنه قياداته الفلسطينية في الارض المحتلة, واعتقد ان الدكتورة حنان عشروان وحيدر عبد الشافي وفيصل الحسيني وغيرهم من الذين يعيشون تحت الاحتلال الاسرائيلي هم الادرى بالاحوال على الارض ولكن فكرة الوطن الواحد يجب الا تضيع لاختلاف على وجود امر واقع فلسطيني على الارض امام الاسرائيليين ولكن اي امر واقع؟ وهل كانت اسرائيل سوف تقبل بهذا الامر؟ معنى هذا اننا نلغي ارادتنا ونتواضع لقبول ما تطرحه الارادة الاسرائيلية فما تصورك للمسار الفلسطيني ــ الاسرائيلي؟ اعتقد ان الترتيبات الامنية الموجودة حاليا لن تتجاوز حياة (ياسر عرفات) شخصيا ثم نعود لشكل من اشكال ماسمي بالخيار الاردني وبنظرة فاحصة على الخريطة والتوزيع السكاني شرق وغرب الاردن ولنتصور غياب (عرفات) ستصبح السلطة الفلسطينية في مهب الريح. اسرائيل متورطة اليوم في لبنان ولاتعرف كيف تنصرف فماذا عن المسار اللبناني؟ اسرائيل راغبة اليوم في الجلاء عن جنوب لبنان اذا اطمأنت لترتيبات الامن وهي متعلقة بوجود حزب الله وهذا الحزب يمتلك بنية تحية لايمكن ان تزيلها الا سوريا ورغبة اسرائيل في وجود جبهة هادئة مع لبنان يعطلها وجود (حزب الله) والدولة اللبنانية لاتستطيع ان تقهر (حزب الله) والمطلوب ان يقوم الجييش السوري بذلك والامر المؤكد ان شيعة الجنوب اللبناني يرتبطون تاريخيا بمصر الفاطمية وبجبل عامر وبالشيعة وفكرها وجنوب لبنان هو الذي (شيع) ايران وليس العكس والشاه اسماعيل الصفوي استدعى اصحاب الفكر الشيعي من جبل عامر وبالتالي للشيعة نفوذ تاريخي وسياسي في الجنوب اللبناني وربما ان سوريا تمارس نفوذا عليهم بحكم التمويل ثم كيف ننفذ رغبة اسرائيل في اندماج جيش جنوب لبنان في الجيش اللبناني ثم يتمركز في الجنوب فقط تحت علم لبنان كيف هذا ثم تتحدث اسرائيل عن الانسحاب من لبنان! هل يمكن ان تصبح سوريا قريبة لتوقيع اتفاق سلام مع اسرائيل؟ هناك نظرية سائدة تقول بأن سوريا كانت جاهزة وقريبة من توقيع اتفاق سلام مع اسرائيل ايام حكومة (بيريز) وهذا ليس صحيحا بناء على معلومات وسبق لـ (رابين) ان قال لـ(كلينتون) ان السوريين يطالبون بكل الجولان مقابل كل السلام وان كانت الجولان محددة على الارض فليس كذلك وبناء على ذلك تساءل (رابين) في خطاب ارسله الى كلينتون عن كل الامن الذي تستطيع ان تقدمه سوريا لاسرائيل اذا انسحبت الاخيرة من كل الجولان ودخلت الامور في مشاكل لاحصر لها فالجولان وحدها بها مليار و 800 مليون متر مكعب من المياه تذهب لاسرائيل وقالت اسرائيل فعلا انها لاتمانع في الاعتراف بملكية اسمية لسوريا على مياه الجولان بشرط ان تكون امتيازا لاسرائيل لمدة 99 عاما. هل يكون الشرق الاوسط بهذا الشرح بعيدا عن الاستقرار؟ ــ ابعد ما يكون عن الاستقرار وعموما البشر يستقرون في نهاية حياتهم في قبورهم ومادامت هناك حياة فهي مليئة بالصراعات فقط هناك كثافة شعور بالقلق في منطقة تنعكس فيها كل الفوضى العالمية ونحن على حدود التماس بين حضارات وقوى وكتل بلا حدود, هذا هو الواقع الراهن. الا ترى اية عناصر تآكل في الموقف الاسرائىلي؟ ــ نحن نتكلم في المدى السياسي اي من عامين لخمس سنوات ولاعلاقة لي الآن بالمدى التاريخي ولكن باللحظة الراهنة وتاريخيا اعتقد ان اسرائيل ستواجه مصائب لا حصر لها وعلى المدى التاريخي سوف تذوب الجاليات اليهودية الخارجية التي هي مصدر قوة رئيسية للدولة اليهودية وايضا ينطبق الكلام نفسه على يهود امريكا وانا لا اتكلم عن قوة اسرائيل بقدر ما اتكلم عن الضعف العربي فالمطلوب وقف التداعي العربي واعادة صياغة مشروع عربي قادر على صياغة عناصر القوة داخل الامة وتكثيفها واكثرها ما يقلقني ان ارى اسرائيل كتلة في طريقها للتآكل في حين ان العرب مجرد (شظايا) لايجدون طريقا لانفسهم. فأين مصر من كل هذا؟ المشروع العربي القائم للان يعتمد على فكرة وجود قلب واطراف ولكن على القلب ان يعرف انه جزء من جسم اكبر وان هذا الجسم نما وامتدت اطرافه وبالتالي تحتاج لترتيب اخر مغاير. خالص الشكر والتقدير للاستاذ هيكل على هذا التحليل السياسي في وقت نحن احوج ما نكون الى معرفة رأيه والاهتداء بحنكته وخبرته على مر السنين. اسرائيل تتمنى الجلاء عن الجنوب اللبناني ولكن مليار و 800 مليون متر مكعب من الماء لا استقرار للمنطقة ولابد ان نتعلم العيش مع الخطر

Email