لبنان ونصائح الديناصور الإسرائيلي: بقلم - هيلينا كوبان

ت + ت - الحجم الطبيعي

ها هو الديناصور السياسي لوري لوبراني يعود من جديد لتقديم المزيد من (النصائح) الى القيادة السياسية الاسرائيلية بالرغم من أن (نصائحه) لا تزال تتسم بارتكاب المزيد من الاخطاء الفادحة من ناحية ويبدو أنها ستؤدي الى مزيد من سنوات العذاب والمعاناة التي يفرضها الاحتلال الاسرائيلي على الشعب اللبناني من ناحية اخرى. ولكن الى متى سيستمر هذا الوضع؟ لقد مرت الآن 22 سنة منذ أن بدأت اسرائيل, وبناءً على نصيحة لوبراني, بالتدخل وبشكل علني في الشؤون اللبنانية إما عن طريق إقامة (المنطقة الأمنية) في الجنوب أو من خلال تقديم الدعم العسكري للميليشيات اليمنية الوحشية هناك. يبدو أن لوبراني أقتنع بعد عشرين عاما من التأخير بأن تطبيق قرار مجلس الامن 425 والذي يدعو الى انسحاب اسرائيلي غير مشروط من لبنان ليس بالفكرة السيئة. ولكن الجزئية الرديئة والبارزة هي عجز لوبراني المفرط في التوصل الى فهم أشمل للمشكلة وهو ما اتسمت به (مهمة) لوبراني في لبنان حتى اليوم, في لقاء مع وسائل الاعلام قال (اذا تمكنت اسرائيل من بدء تنفيذ القرار 425 فإن هذا سيكون بمثابة خطوة على طريق بناء الثقة التي يمكن ان تمهد الطريق الى اجراء محادثات على المسار السوري) . لوبراني يمثل الذاكرة المركزية للتدخل الاسرائيلي في لبنان والذي بدأ منذ 22 عاما. وجري به أن يعرف اكثر من غيره ان السوريين ليسوا على استعداد لاعطاء موافقتهم أو تقديم مساعدتهم لتمرير اتفاقيات جزئية اخرى وخصوصا أن مفاوضاتهم الجادة خلال السنوات القليلة الماضية مع اسرائيل وصلت الى طريق مسدود. وحري به ايضا ان يعرف أكثر من غيره ان تجربة اتفاق 17 مايو وما مثله من حقائق سياسية ضمنيه قد أثبتت بما لا يقبل الشك أنه في حال نشوب صراع اسرائيلي ــ سوري على بسط النفوذ السياسي في لبنان فان سوريا ستخرج دائما ولاسباب عديدة, منتصره. لذلك يمكن القول (وبشيء من حسن النيه) ان لوبراني يدرك بأن تحليله الذي يستند الى أن تنفيذ القرار 425 يمكن أن يساعد (على تمهيد الطريق) لمزيد من المحادثات مع سوريا لا يمكن ان يكون اكثر بعدا عن الصواب. وخصوصا ان لوبراني يعرف أن تصريحات الحكومة الاسرائيلية حول القرار 425 لن تؤدي الى انسحاب فعلي من جنوب لبنان ولكنها من الناحية الاخرى ستسمح لحكومة بنيامين نتانياهو ان تبدو أمام بعض الدوائر الغربية بمظهر الحكومة الموضوعية الملتزمة بتحقيق السلام. أو لربما لوبراني (وهذا ما يخيف في الامر) جاهل الى حد يعتقد فيه ان تحليله صحيح وقابل للتطبيق. لم لا وقد أثبت ان لديه قدرات خارقة على ارتكاب الاخطاء الفادحة التي يعجز الكلام عن وصفها. ولنراجع معا بعض اهم الاخطاء التي ارتكبها. من المسلم به أن مكائده في لبنان بين 1976 ــ 1982 نجحت في خديعة الفلسطينيين وأدت, ولو على حساب آلاف الضحايا الابرياء, الى اقتلاع الوجود العسكري الفلسطيني من جذوره في لبنان. ومن وجهة النظر الاسرائيلية كان ذلك انتصارا رائعا (ولكن وبكل أمانة أقول انه لم يكن بامكان اسرائيل ان تحقق هذا النصر لو لم تحصل على ما حصلت عليه من دعم ومن أكثر من طرف) خلال ثلاث سنوات من اعلان (وقف اطلاق النار) بعد اغسطس 1982 مثل الآلاف من المدنيين اللبنانيين على ايدي القوات الاسرائيلية وفقدت اسرائيل مالا يقل عن 600 من جنودها على ايدي رجال المقاومة اللبنانية. عام 1993 نفذت اسرائيل عملية (يوم الحساب) لتزرع المزيد من الموت والدمار. ثم جاءت عملية (عناقيد الغضب) عام 1996 التي ذهبت ضحيتها مئات الأبرياء وشردت مئات الآلاف من بيوتهم, ولكنها نسفت معها نفس الحكومة التي أطلقتها. صحيح اننا لا نستطيع ان نلقي باللوم على لوبراني لأن الحكومة الاسرائيلية قررت وعلى أعلى المستويات ان تعرض عضلاتها العسكرية بهذا الشكل الفاضح. فمثل هذا (الشرف) لا يستحقه سوى شيمون بيريز. ولكن باستطاعتنا بل ويجب علينا أن نحمل لوبراني مسؤولية النصائح السياسية التي دخلت في التخطيط لتلك الحملة. ويحق لنا أن نفترض ولو جدلا أن بيريز اعتقد في ذلك الوقت انه كان يحقق انتصارا سياسيا في لبنان سيعود عليه بالفائدة داخل اسرائيل وليس مجرد زرع الموت والدمار. وكما صرح في ذلك الوقت. كان بيريز يطمع بالتوصل الى اتفاق مع الحكومة اللبنانية لنزع سلاح المقاومة. والتحليل الذي استند على أن القصف المكثف وعلى نطاق واسع يمكن أن يؤدي الى ذلك الاتفاق هو في الاساس قرار سياسي وليس عسكريا. فهل هناك من استطاع ان يخطىء في فهم السياسة اللبنانية الداخلية اكثر من لوبراني! ليست هذه سوى بعض المحطات المهمة في انجازات لوبراني في لبنان. وأنا لم أذكر بالتفصيل يوميات القرارات (السياسية) التي تقف وراء الاحتلال الاسرائيلي في لبنان مثل دعم ومساندة جيش لبنان الجنوبي واستمرار عمليات التعذيب الوحشية في الخيام والمكائد والاعمال القذرة والحقيرة التي تمارس على الشعب اللبناني في كل يوم يستمر فيه الاحتلال الاسرائيلي وهي الممارسات التي لا يبدو ان ايا منها يساعد على احلال السلام الدائم في المنطقة. السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل قام شخص ما خلال هذه السنوات الطويلة في لبنان او المجتمع الدولي او في اسرائيل بتحميل لوبراني مسؤولية ما أدت اليه نصائحه من عواقب؟ الحكومات تأتي وتذهب, ولكن منذ عام 1982 نرى ان حكومتين على الاقل اجبرتا على ترك سدة الحكم لاسباب تتعلق مباشرة بما قدمه لوبراني من نصائح سيئة. وبالرغم من ذلك لم يوجه له أحد اصبع الاتهام او يحمله مسؤولية ما حدث. ولا يزال يتبوأ المنصب المريح تحت اسم (منسق نشاطات الحكومة الاسرائيلية في لبنان) ومستمر بلعب دور المستشار لجميع الحكومات المتعاقبة. يعد ما حدث بحكومتين مناحيم بيجن واسحاق شامير في منتصف الثمانينات وحكومة بيريز في منتصف التسعينات كنتيجة للأخذ بنصائح هذا الرجل, دعوني اقولها بصراحة انه لو كنت على رأس حكومة اسرائيلية لقمت بطرده من مكتبه وعينت مكانه مجموعة من المستشارين الاكثر معرفة ودراية وذكاء. ولكني بما انني لست كذلك لا يسعني الا أن اتساءل لماذا لم يقدم اي من القادة الاسرائيليين على طرد لوبراني؟ النتيجة التي توصلت اليها هي ان اولئك الذين يصلون الى سدة الحكم في اسرائيل ينظرون الى شؤون السياسة الداخلية اللبنانية على أنها أمر هامشي وتافه وبالتالي فانهم لا يكترثون كثيرا بشخصية (المنسق) . فكل من هو قادر على تزويدهم بما يرغبون من سماعه من معلومات وخصوصا عدد الاشخاص اللبنانيين الذين استطاع التعامل معهم خلال تلك السنوات فان بامكانه وبكل سهولة ان يحتفظ بمنصبه. ولهذا السبب سيبقى السوريون هم الرابحون في لبنان لانه وكما يعرف جميع اللبنانيين, فإن السياسة الداخلية للبنان لن تكون شيئا ثانويا بالنسبة لهم.

Email