مؤشرات التعديل الوزاري في السودان: جبهة الترابي تطبق على وزارات السيادة والهندي الخاسر الأكبر

ت + ت - الحجم الطبيعي

من المؤشرات البارزة للتعديل الوزاري الواسع الذي أعلنه الفريق عمر البشير مساء الأحد مغادرة اثنين من العسكريين اللذين قاما بالانقلاب مع البشير لمقاعد السلطة هما العميد صلاح الدين محمد أحمد كرار واللواء التيجاني آدم الطاهر . وتم تعيين كرار سفيرا بالخارجية, بينما حل مكانه وزيرا لشؤون مجلس الوزراء العقيد (م) محمد الأمين خليفة وهو أيضا من قادة الانقلاب, والذي جاء إلى الوزارة من الأمانة العامة للمجلس الأعلى للسلام وهو المجلس الذي أطاح به التعديل الوزاري بعد ان تم تشكيل الحكومة التي ستدير جنوب السودان, وانتهى المجلس بتعيين وزيرين لشؤون السلام بالقصر الجمهوري هما المهندس أحمد الطاهر حمدون والدكتور مطرق صديق, الأول وزير اتحادي والثاني وزير دولة. وتجدر الإشارة الى ان خليفة قبل عودته الى الوزارة كان رئيسا للبرلمان الأول وتولى من أمانة مجلس السلام معالجة قضية الجنوب وتصدر مفاوضاتها, وعقب توليه الحقيبة الجديدة عمل على تنسيق ومتابعة أداء الوزارات والخدمة العامة والأجهزة التي تتبع لمجلس الوزراء ومنها جهاز شؤون المغتربين السودانيين, أما العسكري الثاني الذي غادر مقاعد السلطة اللواء التيجاني آدم الطاهر, فقد حل مكانه النائب البرلماني البارز حامد محمد علي تورين وزيراً للطيران, وكلاهما يمثلان توازنا جهوياً لولاية دارفور غرب السودان التي لها قضايا تماس هامة وشائكة مع جنوب السودان وتشاد وليبيا, وكان حامد تورين تصدر نواب (دارفور الكبرى) للمطالبة بحكمها ذاتيا بعد ان اعطت الحكومة هذا الحق للجنوبيين وابناء مناطق جبال النوبة المتاخمة العام الماضي. وعلى ذكر العسكريين في التعديل الوزاري فقد عاد الفريق المتقاعد ابراهيم سليمان حسن رئيس هيئة الأركان السابق الى قيادة الجيش وزيرا للدفاع بعد ان تم انتخاب الفريق حسان عبد الرحمن منذ اسبوعين نائبا للدكتور الترابي في قيادة المؤتمر الوطني وهو التنظيم السياسي للدولة مما يتعارض مع استمراره وزيرا للدفاع. حتى لا يتعاطى السياسة, وسط ارهاصات بتحويل المؤتمر الى حزب. كما ان اللواء عبد الرحيم محمد حسين والعميد بكري حسن صالح تبادلا للمرة الثانية موقعيهما, الاول عاد وزيرا للداخلية والثاني لشؤون رئاسة الجمهورية, وكانت المفاجأة في أوساط العسكريين تعيين الفريق المتقاعد مهدي بابونمر وزيرا للصحة, ومصدر المفاجأة انه شغل رئاسة هيئة أركان الجيش في عهد حكومة الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق, وتعتبر أسرته وقبيلته من أقوى المؤيدين لحزب المهدي في غرب البلاد. كما ان مهدي بابو كان في الأسابيع الأخيرة أعلى صوتا في التصريحات الصحفية وهو يطالب بإعادة الديمقراطية, ولإحداث موازنة معه أعاد التعديل الوزاري تعيين الدكتور شريف التهامي وزيرا للري وهو ايضا من كادر المهدي سابقا ودخل الوزارة عندما عقدت الأحزاب المصالحة الوطنية مع نظام نميري, وعندما وقع الخلاف مجددا مع نميري رفض التهامي الاستقالة وفضل البقاء مع عناصر الجبهة الإسلامية وفي مقدمتهم الدكتور الترابي في الحكم وهو ايضا من الأصوات العالية في الساحة ولكنه ضد عودة الأحزاب. ونذكر من العسكريين اخيرا ان العميد طبيب الطيب محمد خير الذي غادر وزارة الإعلام والثقافة الى وزارة التخطيط الاجتماعي, والتي لم تتم اعادة وزيرها محمد عثمان خليفة في اي موقع آخر. وكان الاخير قياديا بارزا في الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي يتزعمه محمد عثمان الميرغني رئيس تجمع المعارضة ومن مستشاري الميرغني المقربين قبل ان يلتحق بالحكومة ويصدر ادانات ضد المعارضة. ومع ذلك ربما يعني خروجه وتعيين مهدي بابو اشارات, وان كانت خفيفة, للفت نظر المعارضة الى ان الطريق ما زال مفتوحا للوفاق. ويلاحظ ان التعديل الوزاري جاء بعشرة وزراء جدد هم الفريق ابراهيم سليمان للدفاع والدكتور غازي صلاح الدين للاعلام والدكتور لام اكول للنقل وعلي محمد عثمان يس للعدل والطاهر حمود مستشارا للسلام بالقصر وبابو نمر للصحة وشريف التهامي للري وحامد تورين للطيران واتنس لكودو للقوى العاملة وجوزيف ملوال للثروة الحيوانية والدكتور أحمد علي الإمام مستشارا للقصر الرئاسي (لشؤون التأصيل) . وكان غازي الذي يعد قائد جناح المتشددين في الجبهة الاسلامية و(محور محاربة الطائفية) شغل في السابق حقيبة شؤون رئاسة الجمهورية ووزير دولة بالخارجية, اما محمد عثمان يس الذي جاء مكان سبدرات في وزارة العدل فقد كان وزير دولة بوزارة العلاقات الاتحادية وقبلها سفيرا للسودان ببريطانيا وبعدها بالامم المتحدة, اما الدكتور احمد علي الامام فقد جاء الى قصر الرئاسة مستشارا لشؤون التأصيل من جامعة القرآن التي كان مديرا لها ويعتبر من القيادات النافذة في الجبهة الاسلامية وكان اول نشاط سياسي بارز له عندما شارك في وفد الحكومة للمفاوضات مع قرنق بداية هذا العام في نيروبي وسط دهشة المراقبين, وتعد المستشارية الخاصة بالتأصيل جديدة على القصر ما يشير الى ان الحكومة ستمضي قدما في تعزيز ما تسميها باحكام الشريعة بعد اجازة الدستور. ونلاحظ في التعديل الوزاري ان عبدالباسط سبدرات وزير العدل اصبح مستشارا لرئيس الجمهورية للشؤون القانونية والسياسية, وكان احمد ابراهيم الطاهر الذي تم تعيينه وزيرا للعلاقات الاتحادية يتولى الشق الاول وهو القانوني وتعني اضافة (السياسية) لمهام سبدرات مكانة متميزة في قصر الرئاسة في قضايا داخلية وخارجية تمس الاولى العلاقات مع رموز سياسية من كل (الوان الطيف السياسي) وتتعلق الخارجية تحديدا بالمسائل العربية كما ان تولي احمد ابراهيم الطاهر حقيبة العلاقات الاتحادية تعني تفرغ وزيرها الدكتور علي الحاج لمساعدة الدكتور الترابي في حركة التنظيم السياسي بعد انتخابه نائبا اول له. وبالنسبة للتعديلات الوزارية التي طالت حقائب الاقتصاد فقد تم انشاء وزارة جديدة للتعاون الدولي والاستثمار, ويتولاها عبدالله حسن احمد الوزير الاسبق للمالية ومحافظ بنك السودان المركزي, والذي عاد الدكتور صابر محمد الحسن محافظا له في التعديل الجديد, والاثنان يمثلان مع الدكتور عبدالوهاب عثمان وزير المالية وعثمان الهادي وزير التجارة الخارجية (اللذين تتأثر وزارتيهما كثيرا بالتعديل الوزاري) فريقا اقتصاديا ضد الكثير من الممارسات الخاطئة والتجاوزات في مجال التجارة والمال العام, وكان التعديل الوحيد نقل ابوبكر يحيى الفضلي وزيرا للدولة بالصناعة وجاء مكانه اول جنوبي هو جوزيف الوال وزير دولة بالمالية كما اعيد الدكتور محمد خير الزبير ليتولى ايضا وزير دولة للمالية. ولوحظ ان بعض القيادات من جنوب السودان تولت وزارات اتحادية بالخرطوم وفي مقدمتهم الى جانب لوال الدكتور لام اكول آخر المتحالفين مع الحكومة بعد انشقاقه عن حركة قرنق والذي كان يتطلع ليكون نائبا للدكتور رياك مشار في رئاسة حكومة الجنوب التي تم اعلانها مع التعديل الوزاري, حيث اصبح انجلو بيدا وزير القوى العاملة نائبا لمشار, وهي موازنة كان لابد منها مع الجنوبيين الذين كانوا يؤيدون الحكومة من الداخل ويطالبون بدور في حكم الجنوب مع العائدين من التمرد, وقد حلت لوكدو التي كانت اول امرأة سودانية تتولى منصب حاكم ولاية وهي بحر الجبل وعاصمتها (جوبا) محل بيدا كوزيرة للقوى العاملة في الحكومة الاتحادية وجون دور وزير دولة بوزارة الطاقة وبيتر عبدالرحمن وزير دولة بالعلاقات الاتحادية والدكتور جيمس ابوال وزير دولة بالصناعة وتوماس ايوال وزير دولة بالصحة وجوزيف الوال وزير دولة بالمالية, ويعد هؤلاء اكبر مجموعة من الجنوبيين تتولى مواقع وزارية في الخرطوم. نشير اخيرا الى تعيين وزراء دولة وهم علي عبدالرحمن النميري بوزارة الخارجية وعمر سليمان بوزارة العلاقات الاتحادية والدكتور عصام صديق بوزارة الري وحسن صافي بوزارة النقل والمواصلات والدكتور عبدالجليل عبدالجبار لوزارة التعاون الدولي ويوسف عبدالفتاح امينا عاما بدرجة وزير اتحادي للمجلس الاعلى للرياضة, ومن مجمل (لعبة الكراسي) يتضح ان مجموعة الشريف زين العابدين المنشق من المعارضة كانت الخاسر الاكبر في التعديل الوزاري الذي تجاوز عناصرها الاساسية الذين كانوا يتطلعون الى حقائب وزارية خاصة بعد ان انضم الشريف الى التنظيم السياسي بقيادة الترابي. الخرطوم : يوسف الشنبلي

Email