تقارير( البيان): بين تحفظات القصر ومطالب الأحزاب(مخاض) حكومة اليوسفي يتعثر

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد مضي اكثر من شهر على تكليف العاهل المغربي الملك الحسن الثاني له تشكيل الحكومة الجديدة, يجد عبد الرحمن اليوسفي السكرتير الاول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نفسه امام صعوبات جدية تحول دون استكمال لائحته الوزارية, وبالتالي تأجيل الاعلان عنها من موعد لآخر. واذا كانت المصادر المطلعة تعزو ذلك الى تحفظات القصر الملكي على بعض الاسماء المقترحة, فمن الواضح ان الكثير من اسباب التأجيل تتعلق بالاحزاب المشاركة, ولاسيما حزب الاستقلال الذي يطالب بــ (حقائب مهمة) بينما حقيبتا العدل والصحة, على رغم تراجعه الساحق في الانتخابات الاخيرة وحصوله على 31 مقعداً من مجموع مقاعد مجلس النواب الــ 325, مبرراً الامر باعتبارات سياسية يجب الاخذ بها, اي مراعاة الحجم السياسي والدور التاريخي للحزب, قبل النظر الى الارقام. والواقع, ان مهمة اليوسفي بدت منذ الوهلة الاولى غير يسيرة في وقت لم تفرز فيه نتائج الانتخابات التشريعية اغلبية واضحة لاي حزب من الاحزاب الفاعلة, ولا حتى لتكتل حزبي يستند اليه من تحديد اختباراته, فقد اسفرت جولة 14 نوفمبر الماضي, عن ظهور ثلاثة تكتلات سياسية شبه متكافئة, تتصدرها احزاب (الكتلة الديمقراطية) المعارضة برصيد 102 مقعد من اصل 325 مقعداً التي يتكون منها مجلس النواب, وهو الغرفة الاولى في البرلمان المغربي, وتقدمت الكتلة بفارق مقعدين فقط على مجموعة (الوفاق) التي كانت تشكل الاغلبية الحكومية السابقة, اما احزاب الوسط, التي لا تمثل تكتلا حزبيا متجانسا, فحصلت على 97 مقعدا, وتقاسمت الاحزاب الصغرى 26 مقعدا, آلت تسعة منها للحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية المتحالفة مع الاصوليين المعتدلين. وتنقسم هذه الاحزاب الصغرى الى فئتين احداهما تولدت من انشاقات عن احزاب في الكتلة ومازالت تحتفظ بتعاطفها مع هذا التيار, وتضم جبهة القوى الديمقراطية المنشقة عن حزب التقدم والاشتراكية, والحزب الاشتراكي الديمقراطي المنشق عن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي. وتضم الفئة الثانية كلا من حزب العمل وحزب الشورى والاستقلال. وامام هذا الوضع, وجدت التكتلات الرئيسية نفسها مدعوة لعقد تحالفات مع هيئات اخرى, وجاء الاختبار الاول في هذا الصدد لدى انتخاب الهياكل الادارية المسيرة للبرلمان المغربي انتخاب الاشتراكي عبد الواحد الراضي رئىسا لمجلس النواب فان احزاب الكتلة الديمقراطية الاربعة( الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية, الاستقلال, التقدم, والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي) استعانت بالحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يقوده عيسى الورديغي, وجبهة القوى الديمقراطية بزعامة التهامي الخياري. كما حصلت على دعم من الحركة الشعبية الديمقراطية الدستورية التي يتزعمها الدكتور عبد الكريم الخطيب التي دخلت الانتخابات متعاطفة مع الاصوليين المعتدلين, اضافة الى حزبي التجمع الوطني للاحرار بقيادة احمد عصمان, والحركة الوطنية الشعبية بقيادة المحجوبي احرضان وهما حزبان محسوبان في خانة احزاب الوسط. لكن هذه التحالفات لم تصمد اكثر من 24 ساعة من انتخاب رئاسة مجلس المستشارين, فقد انتلقت الحركة الوطنية الشعبية من مساندة الكتلة الى مساندة احزاب الوفاق لانتخاب مرشحها محمد جلال السعيد, فيما امتنع حزب الاستقلال ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي عن التصويت لصالح مرشح التجمع الوطني الاحرار بدر الدين السنوسي الذي ساندته بقية احزاب الكتلة والهيئات المتحالفة معها. وكانت المؤشرات توحي بأن يوجه اليوسفي دعوة المشاركة في الحكومة للاحزاب التسعة التي ساندت مرشح الاتحاد الاشتراكي لرئاسة مجلس النواب, الا ان اعتذار حزب الاستقلال حليفه في الكتلة عن تلبية الدعوة, ثم قبوله المشروط بالحصول على الحقائب التي يطالب بها زاد من الصعوبات. وفي نفس الاتجاه جاء موقف منظمة العمل الديمقراطي الشعبي التي امتنعت بدورها عن المشاركة. قبل ان تحذو حذوها الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية, وان كانت جميعها قد اعلنت انها ستساند حكومة اليوسفي في البرلمان. ونتيجة ذلك اصبح من المؤكد ان تتكون الحكومة الجديدة في اغلبيتها من عناصر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وان تتعزز بمشاركة حزب التقدم والاشتراكية وجبهة القوى الديمقراطية والحزب الاشتراكي الديمقراطي. وهي احزاب يسارية معارضة لكنها تطالب بتحمل المسؤولية في ادارة شؤون الدولة وتذهب الى حد التنديد بــ (اطروحة رفض تحمل المسؤولية) , اضافة الى حزبين من خارج احزاب المعارضة هما التجمع الوطني للأحرار والحركة الوطنية الشعبية. على هذه الخلفية بات اليوسفي مضطراً لتشكيل حكومة أقلية, لان ممثلي هذه الاحزاب في البرلمان يفتقرون للأغلبية التي تضمن لهم مساندة الحكومة, وهو مادفع باليوسفي للرهان على مساندة حليفه التقليدي (الاستقلال) والرضوخ لمطالبه, اكثر من مراهنته على التحالف مع الحركة الديمقراطية الاجتماعية ثالث احزاب الوسط, او مع احد احزاب مجموعة الوفاق التي ستنتقل مجتمعه الى صفوف المعارضة, وتتكون هذه المجموعة من الاتحاد الدستوري الذي تديره لجنة جماعية بالتناوب منذ وفاة مؤسسه المعطي بوعبيد, والحركة الشعبية بزعامة محمد العنصر والحزب الوطني الديمقراطي الذي يقوده عبد الله القادري الامين العام المساعد نظرا للظروف الصحية لمؤسسه محمد ارسلان الجديدي. وهكذا شكل موضوع المشاركة الحزبية بالحكومة احدى النقاط الحرجة في مشاورات عبد الرحمن اليوسفي, فازاء مطالب حزب الاستقلال بأن تكون حقائبه الوزارية متناسبة مع حجمه السياسي وليس مع حجمه البرلماني, يطالب حزب التجمع الوطني للاحرار بحجم مساو لحجم مشاركة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. نظرا للحجم البرلماني المتقارب للحزبين وتولى الاتحاد الاشتراكي رئاسة الحكومة ورئاسة مجلس النواب. كما ان الاحزاب الصغيرة الاخرى لم تقبل بأقل من حقيبتين لكل واحد منها. وتتوقع المصادر ان يستغرق الجدل حول موضوع المشاركة الحزبية في الحكومة وقتا اضافيا, حيث لم تعد المواقف بين الاحزاب السياسية تطال الخلافات ذات البعد الايديولوجي, وانما آليات التسيير واستخلاص قضايا الشأن العام, اي التعاطي مع ملفات الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية قبل الحديث عن الحقائب. الرباط ـ رضا الاعرجي

Email