قضية عربية:(الجوع اللبناني) : وزير الزراعة اللبناني: لدينا إدارة فاسدة والفقر يعم كل لبنان

ت + ت - الحجم الطبيعي

وانتهت ثورة (الجياع) بزعامة الشيخ صبحي الطفيلي القيادي في حزب الله الذي قاده طموحه لركوب موجة (الجوع اللبناني) التي قصمت ظهر المواطن ورجل الشارع وحتى المثقف, الا ان الجوع توحش وصار ينهش احشاء اللبنانيين, واصبح من المفردات المتداولة في القاموس السياسي اللبناني . و(الجوع اللبناني) احد اشتقاقات مرحلة الحرب الاهلية ونتاجاتها السياسية والاقتصادية, صحيح ان (الجوع) كان موجودا قبل اندلاع الحرب الاهلية وعلى خلفيته بزغ نجم الامام موسى الصدر قبل اختفائه الغامض ابان زيارته للعاصمة الليبية طرابلس, فلقد اسمع العالم صوته كداعية للعدل الاجتماعي وانصاف المظلومين واغاثة الجوعى. الا ان الحرب الاهلية التي لم تبق ولم تذر والتي افرزت نسيجا متناقضا وهشا من الزعامات الطائفية والسياسية, افرزت بالمثل تباينا واضحا يكاد يصل لحد التفاوت الصارخ في المستويات المعيشية والاقتصادية للبنانيين. وفي لبنان ظهر اغنياء حرب ارتفعت عمائرهم على اطلال بيوت خربها القتال وفي بيروت العاصمة تلخيص للحالة اللبنانية, فهناك فيلات وعمارات حديثة محاطة بسياج فقر وعشوائيات. و(الجوع اللبناني) يطرح نفسه على اجندة الاعمار الاقتصادي والاصلاح السياسي فان لم تبادر الحكومة إلى تبني خطة طموحة للتنمية الشاملة فان بذور الفتنة والحرب كامنة تحت الرماد وفي احشاء الجوع. وزير الزراعة اللبناني: لدينا إدارة فاسدة والفقر يعم كل لبنان بيروت - البيان لصراحة وزير الزراعة شوقي فاخوري اكثر من معنى في دقة تقويمه لحالة العوز والفقر والجوع في لبنان, فهو قانوني مشهود له في مجال المحاماة, وقريب ومقرب من رئيس الجمهورية الياس الهراوي, وابن مدينته زحله, ومطلق مشاريع زراعية احدثت ضجة داخل الاوساط السياسية والعامة في البلاد مؤخرا لصالح دعم الزراعة وتكريس دورها كمنقذ للمواطنين عامة, وللذين منهم في الارياف والقرى النائية خاصة. فبصراحة يقول الوزير المحامي فاخوري: - الحرمان يلف كل المناطق. - نجاهد لارساء توجه اقتصادي جديد في البلد, نعمل لدعم القطاعات الانتاجية, ومطلوب القيام بتسليف فوري للمزارعين, وتأمين قروض صغيرة لمشاريع صغيرة سريعة المردود والجدوى, واي انفاق مستقبلي سيقوم على قاعدة اعادة تنظيم انتاجنا الوطني, من اولويات توزيع اعتماد الـ 150 مليار ليرة للمناطق المحرومة: قروض لصغار المزارعين, شق طرقات زراعية وريفية, ومشاريع اجتماعية وصحية. - مطلوب انماء اقتصادي حقيقي لا الاكتفاء بانماء البنى التحتية. - لا رسوم جديدة على البنزين لتأمين مبلغ الـ 150 مليار ليرة. - ماتزال لدينا ادارة فاسدة, ومازلت على موقفي (ينبغي الاصلاح الاداري) . - هناك من يحاول زرع الفتنة, وزعزعة السلم الاهلي, واعادة لبنان إلى ايام الحرب. ان يقول وزير لبناني, وعلى لسانه, كل ذلك الوارد في النقاط الست اعلاه, انما يعني ان وراء الأكمة قضية الشيخ صبحي الطفيلي ما وراءها على صعيد معاناة المواطنين من الحاجة والفقر والعوز. وفي تفاصيل تلك النقاط التالي: الحرمان يلف كل المناطق يقول الوزير فاخوري عن الاسباب التي دفعت بمجلس الوزراء إلى تأخير العملية الانمائية في بعلبك ــ الهرمل وربطها بانماء مناطق اخرى رغم الاسراع الملحوظ في المعالجات القضائية لحالة الشيخ صبحي الطفيلي باحالة الملف إلى المجلس العدلي. كنت اقول ومازلت ان هناك نظرة خاطئة حيال مسألة الانماء, والسبب انه في الاساس كانت هناك عدة اعتبارات من توجهات ونظرة ذهنية مبنية على اسس خاطئة, اي انها تنظر إلى الانماء في المناطق نظرة غير موضوعية, وحتى غير اقتصادية, النظرة (المبسطة) التي كانت سائدة عن الانماء ان نذهب إلى المناطق ونعمل مياها وكهرباء وهاتفا, بينما هناك مواطنون في هذه المناطق بحاجة إلى ان يأكلوا, وان يناموا مساء (ومعدتهم مليانة شوي) وبعيدين عن كل اشكال العوز والفقر, لا انماء في المناطق الا من خلال تعزيز الوضع الاقتصادي, لذا المطلوب انماء الاقتصاد لا البنى التحتية. وان كان انماء هذه البنى ضروري, وهو اساسي في كل عملية نمو اقتصادي, لكن هناك اولويات اخرى, الاولوية الحالية في المناطق الريفية هي للوضع الاقتصادي, ولا ينهض هذا الوضع في الارياف, وفي كل العالم, الا على الزراعة وما يتبعها من تصنيع زراعي, ومن كل اشكال التعامل مع المنتوجات الزراعية. على هذا الاساس اخوض (جهادا) لارساء توجه اقتصادي جديد في البلد, يقوم على مبدأ انه لا يجوز للاقتصاد اللبناني ان يبقى قائما على قطاع واحد هو الخدمات, والذي بقي مهيمنا على القرار الاقتصادي في البلد منذ ما بعد مطلع الاستقلال الوطني في العام 1943, لان هناك اناسا نظروا وتفلسفوا في الماضي وقالوا انه لا يمكن للبنان الا ان يكون مفصلا بين الشرق والغرب, وانه يجب ان يكتفي فقط بان يقدم الخدمات لاخواننا العرب وللسياح والمغتربين. لكن القطاع الزراعي يشمل مناطق باكملها وليس في منطقة واحدة, الحرمان يشمل كل المناطق, وكلها زراعية, وانا اخطط لكل هذه المناطق وكلها زراعية, وليس لمنطقة البقاع وحدها لاسباب انتخابية كما يدعي البعض, ويقوم التخطيط بتوجيه الاقتصاد نحو القطاعات الانتاجية ودعمها وفي مقدمتها الزراعة. اذا اردنا ان نرفع الحرمان عن منطقة بعلبك ـ الهرمل, يجب ان ننظر إلى وضع المزارع فيها, لان الشريحة الاجتماعية الكبيرة التي تشكو من الجوع هناك هي ذات طابع زرعي, خاصة وان المنطقة كانت معروفة بزراعة (الممنوعات المخدرات) . ويتابع فاخوري مؤكدا ان ما قيل عن ربط الـ 150 مليار ليرة لانماء المناطق المحرومة والتي كان مجلس النواب قد اقرها بقانون وبين مبلغ 991 مليارا التي قررها مجلس الوزراء مؤخرا لانماء المناطق هو ربط غير صحيح, ولا علاقة للمبلغين بعضهما ببعض, ويقول: لا عودة أو تراجع عن الـ 150 مليارا, انما البحث يجري حاليا في كيفية توزيعها على المناطق, ووفق الأولويات. برأيي ان الاولوية يجب ان تنطلق من ان نبتعد عن المشاريع التي تحتاج إلى أمد طويل, اطالب بمشاريع ذات مردود سريع يجب اعطاء جرعات سريعة لانعاش وضع اقتصادي صعب, لذا اقترحنا بان نقوم بالاستفادة من الـ 150 مليارا بتسليف فوري للمزارعين, وتحويل القسم الاكبر منه لهذه الغاية, انا مثلا, كوزير للزراعة, اعتمد طريقة تسليف اعتمدها ضمن البرنامج الانمائي للامم المتحدة, وفي اطار سياسة الزراعات البديلة, وسلفنا مبالغ لالاف من المزارعين, وبمبالغ غير كبيرة للواحد منهم كما يتصور البعض, يكفي الواحد منهم مبلغا بسيطا بحدود 1500 أو 2000 دولار ليشتري على الاقل مستلزمات زراعة ارض صغيرة حتى يستطيع ان يبدأ بمشروعه الزراعي ويستطيع ان يعيش من مردوده, لا ان يتوجه للاقتراض من المصارف, ومن المرابين الذين لا يتورع بعضهم عن الحصول على 24 حتى 30% كفوائد, بينما فوائد السلفة التي نقدمها نحن تصل إلى حد الاربعة بالمائة فقط. لذلك يجب ان نعتمد في هذه المرحلة اعطاء قروض صغيرة لمشاريع صغيرة, اي بالتالي لصغار المزارعين الذين يعانون الان من فقر كبير. حتى لا تتبخر الوعود وحول ما يقال عن ان الحكومة (دفنت) المشروع الانمائي المطلوب في المناطق عبر تشكيلها لجنة وزارية لدراسة توزيع مبلغ 991 مليارا أو الـ 150 مليارا, وذلك على الطريقة السياسية التقليدية المعتمدة في عهود الحكم المتتالية حيث تعتبر اللجان (مقبرة للوعود والامال) , يقول الوزير فاخوري: هذا غير صحيح بالنسبة للجنة الوزارية الحالية, فهي لم تشكل عقب طرح الرئيس رفيق الحريري لمشروع الـ 991 مليار ليرة الذي اقره مجلس الوزراء مؤخرا, بل سبق تشكيلها قبل حوالي الشهرين لدرس كيفية توزيع الـ 150 مليارا على المناطق, ووضع برنامج الاولويات لذلك, نحن في اللجنة نحصر اهتمامنا الان في هذا المبلغ (150 مليارا) ونسعى إلى ان نعمل على اساس وضع الحجر الصغير اولا, لانه اذا بدأنا بوضع الحجر الكبير سيذهب كل شىء وعودا وبخارا, نعمل الان لنضع الـ 150 مليارا في المكان الصالح الذي ينعش (المريض) ــ الفقير ــ في الحال, بحيث يحسب المزارع أو القاطن في الارياف ان هناك مالا ما دخل إلى جيبه. وعن المصادر التي سيتم عبرها تأمين مبلغ الـ 150 مليارا يقول فاخوري: وعدنا وزير الدولة للشؤون المالية فؤاد السنيورة, طبعا بعد مشاورة رئيس الحكومة, انه سيضع الآلية اللازمة لذلك في اسرع وقت ممكن, لكننا ناشدناه ان يتم تأمين المبلغ من دون فرض اية ضرائب جديدة, ولا تكبير عجز الميزانية, لانه لم يعد جائزا ان يكبر هذا العجز واحدا بالمائة, وقد اعلن وزير المالية ان لديه خطة في هذا الجال لا ترهق المواطن, ولا الخزينة, على ان يقدمها للجنة الوزارية حتى ما قبل نهاية الشهر الجاري. ويضيف محددا الاولويات التي اتفقت عليها اللجنة في تحديد المبلغ قائلا: سنعمل اولا على تقديم قروض لصغار المزارعين, تحت اطار انه يجب ان نفكر بالزراعة اكثر مما فكرنا في الماضي, وهذا يعني اننا نفكر بالشريحة الكبرى من الشعب اللبناني والتي تعيش في المناطق المحرومة, ونعمل ثانيا لتأمين الطرقات الزراعية والريفية تسهيلا لتنقل المزارعين والاهالي في القرى, كما سنعمل ثالثا لتنفيذ مشاريع اجتماعية وصحية ذات مردود سريع مثل المراكز الصحية والاجتماعية التي تؤمن خدمات سريعة, اي كل ما يؤدي إلى تقديم شيء محسوس للمواطن من دون ان نبقى في وهم ودوامة المشاريع الكبرى. ويتابع الوزير فاخوري موضحا ما اذا كانت زيادة جديدة على اسعار البنزين, كما يتردد ستدخل ضمن الآلية الجديدة التي يعدها الوزير السنيورة لتأمين مبلغ الـ 150 مليارا, فينفي ان تكون اية زيادة من هذا النوع واردة في هذه المرحلة, و(حتى) لم يتم التلويح بها داخل اللجنة الوزارية, كما يقول, ويضيف: يمكن ان نبحث عن بديل لزيادة سعر البنزين, لان المواطن اللبناني لم يعد قادرا على تحمل اي ارهاق مالي جديد, يمكن ان نفكر بتوزيع ضريبي افضل, مثلا, أو بوضع اسس جديدة لفرض الضريبة تكون عادلة اكثر نحصل من خلالها المزيد من المال للخزينة ولتأمين ذلك المبلغ, واضافة إلى ذلك يجب العمل على وقف الهدر وفرض رقابة مسبقة على كل الصفقات التي تعقد, يجب ضبط كل اوجه الادارة, لان لدينا ادارة ماتزال فاسدة, بكل اسف, وعلى كل المستويات, وما ازال على موقفي السابق الذي نعيت فيه الاصلاح الاداري, كما يجب وقف الانفاق غير الجدي, وكل ذلك سيتحقق بحيث يقوم اي انفاق مستقبلي على قواعد اعادة تنظيم انتاجنا الوطني, بحيث تضع الحكومة مالا حيث يجب ان يكون هناك انتاج. ثم يتحدث الوزير فاخوري عن ما يرتبط بالملف الانمائي والاجتماعي بقضية (ثورة الجياع) والشيخ صبحي الطفيلي, سواء ما حصل من مواجهة مع الجيش في الحوزة العلمية في بعلبك, أو لناحية الجدال المثار حول احالة القضية إلى المجلس العدلي, فيقول: اولا الجيش قام بواجبه من منطلق انه مؤسسة نعمل جميعنا على دعمها بعد كل الذي مرت به ايام الحرب, وثانيا يمكن القول ان الكثيرين يعتقدون ان احالة مجلس الوزراء القضية للمجلس العدلي هي بمثابة ادانة مسبقة, وهذا غير صحيح, بل لعل في هذا المجلس ضمانة اكثر للعدالة وحسن سيرها, الاحالة تعني اننا اعطينا القضية حجمها القضائي الصحيح, بحيث تكون التحقيقات شاملة, وستظهر الحقيقة كما يجب ان تظهر, وسيحاكم من يلزم بما يجب ان يحاكم, فالمجلس العدلي هو اعلى سلطة قضائية في لبنان, واي مسؤول عما حصل سوف تتم محاكمته ايا كان. ولعل الاحالة إلى المجلس العدلي تبدو اكثر ضرورية في ظل الحديث عن ان هناك جهة ثالثة مسؤولة عن حادثة الحوزة (اي غير الجيش وجماعة الطفيلي وهي اطلقت الرصاص على الطرفين) فهناك طابور خامس في البلد, وهناك جهات تسعى لاعادتنا إلى ايام الحرب, وزعزعة السلم الاهلي, ومرتكزات المجتمع كله, واثارة فتنة في البقاع أو غيره, سواء فتنة ضمن الجماعة الواحدة, أو فتنة طائفية, كل هذه الامور تستوجب اكثر فأكثر احالة قضية الطفيلي إلى المجلس العدلي, سيما وانه احيلت اليه سابقا قضايا كثيرة اخرى اقل خطورة منها, وآنذاك لم نسمع اي صوت يعترض على الاحالة فلماذا الاعتراض الان؟ ويتابع ردا على سؤال حول رأيه باسباب معارضة رئيس مجلس النواب نبيه بري لاحالة قضية الطفيلي إلى المجلس العدلي معتبرا انها تمت بالتوافق بين رئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء من دون اطلاعه مسبقا على الامر, فيقول الوزير فاخوري: اولا هناك احترام وود متبادلان بيني وبين الرئيس بري, ثانيا نحن نعمل كمحاميين, وثالثا اذا نظرنا إلى قانون المطبوعات نرى ان هناك 40 مادة تحدد اسباب احالة اي قضية إلى المجلس العدلي, وان ثلاثين منها تنطبق على قضية الشيخ الطفيلي, يعني احالة هذه القضية للمجلس هي تطبيق للقانون, ورفع لمستوى معالجتها إلى المستوى الذي يجب ان تعالج به, لان الضحايا الذين سقطوا في حادثة الحوزة العلمية لم يكونوا ضحايا حادثة قتل عادية, خاصة في ظل اجماع جميع الاطراف على ان هناك فتنة كانت مقصودة من وراء ذلك, طالما ان الحديث عن مشروع فتنة فالمسألة خطيرة جدا, والقضية كبيرة, وهذا يبرر ببساطة احالة القضية إلى المجلس العدلي, وفي هذا ضمانة لكل الفرقاء, وضمانة اولا واخيرا للبنان ولمصداقية الدولة في التعامل مع الامور فالاحالة يجب ان لا تخيف احدا. فاذا كان الجميع يؤكدون مسؤوليتهم عن الحادث فلماذا الخوف من الاحالة إلى المجلس العدلي؟ واذا كان هناك فعلا طابور خامس فليعلن ذلك لنعمل على الاقتصاص منه, وهذا ما يضع الامور في نصابها الصحيح ونخلص. نسبة البطالة 28.6% و36.3% من الاسر مستدينة بيروت ـ وليد زهر الدين انتهت (ثورة الجياع) على يد الشيخ صبحي الطفيلي لكن الجوع والفقر مستمران بتفاقم اكثر يوما بعد اخر في لبنان, ويستمر معهما (البازار السياسي) في التعاطي مع القضية, وفق تجاذبات مصلحية تارة لافراد, وطورا لجهات سياسية. ورغم ان الغالبية الساحقة من المسؤولين والسياسيين اجمعت على ان طريقة ادارة الطفيلي للشكوى من الجوع كانت خاطئة وانفعالية واستفزازية (منع الوزراء والنواب من زيارة البقاع مثلا) , فكان ما حصل من مواجهة مسلحة اوقعت ضحايا بين جماعته والجيش في الحوزة العلمية في عين بورضاي في بعلبك, الا ان اثنين من هؤلاء لا يختلفان على تفاقم الفقر والجوع والعوز, بحيث الغيت الفئة المتوسطة التي كانت تتطلع إلى الصعود إلى مستوى الاغنياء, وتبدي ارتياحها انها فوق مستوى الفقر, فنزلت إلى هذا المستوى, فازداد الفقير فقرا, في وقت لوحظ فيه ان معظم الاغنياء ازدادوا ثراء. حتى الحكومة التي تدير اقتصاديات وجيوب البلاد والعباد لا تنكر ذلك, بل يذهب رئيسها رفيق الحريري إلى ابعد من ذلك بمطالبته بضرورة رفع رواتب النواب لان ما يتقاضاه حتى الوقت الحاضر لم يعد كافيا, ويعلق احد الخبثاء: اذا كان النائب يشكو من ضعف راتبه, رغم المخصصات المالية العديدة الملحقة به, فكيف يمكن تصور الحال بالنسبة للذين انتخبوه من عامة الشعب؟! ماذا تقول الارقام الرسمية؟ لا تكذب الاحصائيات الرسمية خبرا للتأكيد على ذلك, هذا ما يعلنه على الاقل مدير عام الاحصاء المركزي الدكتور روبير كسباريان الذي ينطلق في تشريحه الرقمي للحاجات المتفاقمة للاسر اللبنانية انطلاقا من دراسة علمية نفذها (الاحصاء المركزي) على شريحة واسعة من اللبنانيين المقيمين الذين قدرت نتائجها عددهم حتى يونيو الماضي بأربعة ملايين وخمسة آلاف نسمة, مع احتمال خطأ بـ 46 الف نسمة زيادة أو نقصانا, اي بنسبة 1.5 بالمائة فقط, ولا يشمل ذلك الرقم الوافدين والعمال الموسميين من الذين لا مساكن ثابتة لهم في لبنان, ويتوزع هؤلاء وفق المحافظات على النحو التالي: - بيروت 403000 نسمة (بنسبة 10%) . - ضواحي بيروت 900000 (22.5%) . - باقي جبل لبنان 608000 (15.1%) . - لبنان الشمالي 807000 (20.1%) . - لبنان الجنوبي 472000 (11.8%) . - النبطية 275000 (6.9%) . - البقاع 540000 (13.6%) . ويعطي مدير الاحصاء المركزي النتائج الاساسية التالية للدراسة والتي تصب في خانة اظهار التغيرات والاوضاع الاجتماعية والاقتصادية الراهنة في المجتمع اللبناني وهي برأيه: - نلاحظ تقلصا في نسبة الشباب الذي يقل عمرهم عن عشرين عاما, وخصوصا في بيروت وجبل لبنان. - ارتفاع نسبة العزوبة لدى النساء بعد الاربعين. - 30% من السكان يتابعون الدراسة سواء في المدارس النظامية أو الجامعات أو في معاهد غير نظامية. - عدد الناشطين اقتصاديا 362000 اي 34 بالمائة من السكان المقيمين, منهم 116 الف عاطلون عن العمل, بل يبحثون عن عمل, اي ان نسبة البطالة 8.5%. وتصل نسبة البطالة إلى 28.6% لدى الشباب الذين تتراوح اعمارهم بين 15 و20 سنة, و17.8% لدى الاعمار بين 20 و25 عاما, نتيجة صعوبة ايجاد عمل للذين يدخلون سوق العمل للمرة الاولى. - هناك 35 بالمائة من الاسر لديها خط هاتفي ثابت, و20 بالمائة خط هاتفي متنقل. - ويشير كسباريان ايضا إلى ان اسرا كثيرة تشكو من بعض المشاكل كنقص في المياه (37.1%) أو الرطوبة (42%) , أو ضيق المسكن (32.8%) , أو التلوث (30.3%) , وهكذا ترغب 41% من الاسر في ان تغير مسكنها, ولكن غالبيتها لا امكانات عندها لذلك. - على صعيد الصحة والعناية الصحية يفيد مدير الاحصاء المركزي ان 8.8% من السكان يشكون من مرض مزمن يتطلب علاجا مستمرا, و1.5% معاقون. - 11% دخلوا إلى المستشفيات خلال الاثني عشر شهرا الماضية. - 42% فقط من السكان يستفيدون من الضمان الصحي. - 16.6% من الاسر لديها مريض يحتاج إلى علاج ولم تتمكن من تأمين النفقات. - على صعيد اعباء التعليم بلغ متوسط عدد الاولاد في الاسرة الذين يتابعون الدراسة 1.47%. - بلغت نسبة الاسر التي صرحت ان دخلها كاف, أو انها مرتاحة ماديا 16.8 بالمائة فقط, وغالبيتها تعتقد ان دخلها يكاد لا يكفي لتأمين حاجاتها الضرورية. - 38.3% بالمائة من الاسر مستدينة, 14.9% استدانت لتأمين حاجاتها المعيشية, 8.9% لدفع الاقساط المدرسية, 5.1% لدفع مصاريف استشفاء, و7.6% لشراء مسكن. خطة الـ 991 مليارا تشكل تلك المعطيات الرقمية نماذج لواقع الفقر, وهي تعترف بها الحكومة نفسها من خلال (الاستفاقة) المتأخرة, بعد حوالي الست سنوات من انطلاقة السلم الاهلي, بحيث (تذكرت) اخيرا ان ثمة مناطق محرومة ونائية مظلومة وان مبدأ الانماء المتوازن بين المناطق طوال تلك الفترة ظل شعارا سياسيا وكلاميا للحكومات والفعاليات من دون تنفيذ عملي. فحصلت نقلة نوعية باتجاه تنفيذه عبر اتجاهين, الاول بصدور قانون عن مجلس النواب, رصد مبلغ 150 مليار ليرة للتنمية في تلك المناطق, والثاني عبر ما قرره مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة من رصد مبلغ 991 مليار ليرة للغرض نفسه. وفيما تؤكد الحكومة ان لا علاقة للمبلغ الاول بالثاني, ولا يدخل من ضمنه, الا ان الجامع المشترك بينهما هو ان اعتماداتها غير موجودة في الخزينة, وان الحكومة تفتش عن وسائل لتأمينهما, في ظل معارضة سياسية وشعبية من ان يستهدف هذا التفتيش فرض رسوم وضرائب جديدة, خاصة من خلال رفع جديد لسعر صفيحة البنزين. تحذيرات نيابية حيال ذلك تكثر التحذيرات النيابية, والتي يذهب اصحابها بين التشديد على عدم فرض الضرائب الجديدة, والاسراع بتوزيع مبلغ الـ 150 مليارا كخطوة عاجلة, ومطالبة الحكومة بوضع خطة انمائية متوازنة في المناطق كافة. فالنائب رئيس الحكومة الاسبق عمر كرامي يطالب باسم (اللقاء الوطني النيابي) بوجوب: وضع خطة انمائية شاملة لكل لبنان (تلحظ فيها احتياجات المناطق المحرومة, على ان تبادر الحكومة فورا إلى صرف اعتماد الـ 150 مليار ليرة المخصص لانماء هذه المناطق في البقاع وعكار. ويتابع كرامي قائلا: ان اللقاء (المشار اليه) الذي ما برح اعضاؤه (حسين الحسيني, سليم الحص, بطرس حرب, محمد يوسف بيضون, ونسيب لحود) يطالبون الحكومة بوضع خطة انمائية شاملة ومتكاملة تراعي مقتضيات الانماء المتوازن المنصوص عليها في وثيقة الوفاق الوطني (في الطائف) , وفي الدستور, يسجل على الحكومة تقصيرها الفاضح في هذا المضمار, اذ انه لو وضعت الحكومة خطة انمائية منذ البداية قيد المناقشة والاقرار لكانت مشاريع انماء المناطق المحرومة في مقدمة اولويات تلك الخطة, ولكان تنفيذها قبل سنوات من الان قد بدأ, من جهة دون تأزم الاوضاع المعيشية والاجتماعية في المناطق المحرومة إلى حد تفجير حالة امنية, كما حصل في البقاع مؤخرا, ولكان اتاح من جهة ثانية تلبية الحاجات الملحة لتلك المناطق بل استفحال معضلة التمويل, اي قبل تفاقم حجم الدين العام واستنفاد فرص ضرائب ورسوم جديدة, بالاضافة إلى تراجع في النظرة إلى تصنيف لبنان على الصعيد الائتماني العالمي. من جهتها تؤكد مصادر الحكومة ان (رفع بعض الجهات السياسية من وتيرة مهاجمتها لمجلس الوزراء تحت غطاء الدفاع عن المناطق المحرومة لا يهدف الا تعزيز سوق البازار السياسي المعارض) . وتضيف: ان الحرمان في المناطق كافة ليس جديدا في لبنان, والذين يشاركون في ذلك البازار كانوا في مقدمة كبار المسؤولين في البلاد لسنوات في الماضي من دون ان يقدموا اي علاج لذلك, وعندما ترصد الحكومة اعتمادات لانصاف تلك المناطق, كما هو واجبها, وكما يطالبون هم انفسهم, يسارعون إلى التساؤل: من اين تأمين هذه الاموال؟, فتجيبهم الحكومة انها لن تفرض ضرائب جديدة, كما هو مطلبهم ايضا, وانها ستضع آلية لتأمين ذلك من خلال اعادة تفعيل الجبايات, ووضع نظام ضرائبي اكثر عدالة, ومنع الهدر, وعدم الانفاق من خارج ما هو مرصود وفق القوانين والدستور يجيب هؤلاء ان الحكومة تخدع الناس. وبين (حانة) المعارضة و(مانة) الحكومة والموالين لها يزداد الفقير فقرا, وتهبط اكثر فأكثر قدرات الفئة الاجتماعية متوسطة الحال, و(الشاطر بشطارتو) بجني المزيد من الاموال من الفئة الميسورة والمتمكنة في القدرات وفي المقدرات. هل من صورة افضل من ذلك عن (بازار سياسي) يقلق البلاد ولا يرضي العباد, ولا طبعا الشيخ صبحي الطفيلي الغائب عن السمع والنظر في هذه المرحلة؟!

Email