مرشد (الاخوان المسلمين) بالسودان لـ (البيان): نرفض حشر الناس في تنظيم سياسي واحد

ت + ت - الحجم الطبيعي

(تبرأ) الزعيم الاسلامي السوداني البارز صادق عبدالله عبدالماجد من مسؤوله القديم الدكتور حسن عبدالله الترابي, كما تبرأ من (المؤتمر الوطني) التنظيم السياسي للدولة قائلا انه لا علاقة له بالاسلام أو الشورى, مبديا في هذا الخصوص معارضة (لحشر) الشباب في تنظيم . وفي مقابلة خص بها (البيان) من الخرطوم, وجه عبدالماجد الذي يتزعم جماعة الاخوان المسلمين في السودان انتقادات قاسية للترابي, قائلا: انه سلك ما وصفه بـ (تدرج العجب) من (اخوان مسلمين) إلى (جبهة الميثاق الاسلامي) والجبهة القومية الاسلامية وصولا إلى مؤتمر وطني بلا اسلام كما قال: وغمز عبدالماجد من قناة الترابي في شدة قائلا ان انتخابه لرئاسة المؤتمر الوطني (مسرحية مطبوخة) قبل ان يتحول إلى مهاجمة المؤتمر الوطني ذاته واصفا اياه بانه (منظمة ليس فيها واحد يقول لا أو يبدي رأيا مخالفا) واكد ان احدا من الاخوان المسلمين ليس عضواً في هذا المؤتمر. وكان عبدالماجد الذي يشغل الان منصب مرشد الاخوان المسلمين في السودان, احد ابرز مؤسسي هذا التنظيم في الاربعينات, وقد كان متقدما في التنظيم وهرم الزعامة على الترابي, الا ان هذا الاخير ما لبث ان تزعم التنظيم في اوائل الستينات. ثم جاءت المصالحة الوطنية عام 1977 لتقصم ظهر تنظيم الاخوان المسلمين وتشقه إلى قسمين الاول بزعامة عبدالماجد, بينما قاد الترابي جبهة مناوئة حملت عبر السنوات اسماء مختلفة. وخلال المقابلة الساخنة, تكهن عبدالماجد بعودة الاحزاب السياسية إلى الساحة السودانية بذات قوتها, مطالبا بأخذ العبرة من تجربة حكم الرئيس الاسبق جعفر النميري في هذا الخصوص. وابدى عبدالماجد تحفظات جدية بشأن مشروع دستور السودان, قائلا انه اغفل اضافة إلى اشياء اخرى دين الرئيس, وعبر عن خشيته من ان رئيس السودان المقبل ربما يأتي من الغابة بصليب على صدره. وردا على سؤال حول موقفه ازاء الحكومة بـ (الضبط) , قال عبدالماجد (نؤيدها اذا كانت على الحق ونعارضها اذا اخلت) . وتاليا نص الحوار مع عبدالماجد: ماهي نظرتكم لفكرة (المؤتمر الوطني) وما تقييمكم لنتائج دورته الثانية التي خرج بها الشهر الماضي؟ ـ النظرة لنتائج المؤتمر لا تحتاج الى عمق في التفكير او استقراء بل هي مسألة غاية في الوضوح تتلخص في ان كل ما تمخض من نتائج كانت اشياء متفق عليها منذ البداية بدءا من اختيار الامين العام والرئيس ونائبه خلال هذه الدورة, ومعروف ان الترشيحات لأي منصب مرشح له شخص محدد يجب عدم منافسته بترشيح اخر يمكن ان يقود منافسة حقيقية, فالذين يقومون بالترشيح معروفون باسمائهم وكذلك الذين يقومون بالتثنية ولذلك لم يخرج واحد او يشز من جملة المؤتمرين المقدر عددهم بأكثر من 6500 عضو عن هذه القاعدة. والملاحظ حتى الشخص الذي قد يظن البعض انه خرج من القاعدة وطرح نفسه للمنافسة في منصب الامين العام لم يجد من يثني ترشيحه من جملة هذا العدد بل كان واضحا بأنه لم يكن ينبغي لأحد ان يفعل ذلك ويخرج عن القاعدة. تعني ان (فوز) الدكتور حسن الترابي بمنصب الامين العام كان (مطبوخا) ولم ينتج عن منافسة حقيقية؟ ـ لا استبعد ان يحدث ذلك ولست واثقا, ولكن الامر الذي لا يوجد له تفسير حتى الان هو ذلك الغياب الكامل للدكتور غازي صلاح الدين الامين العام عن المنافسة لأن شخص قام عليه العمل كله طوال الدورة الماضية لا يمكن ان يسجل غيابا كهذا, الا اذا كان الدكتور غازي مدخرا لوظيفة اخرى او ثغرة من الثغور, اما (فوز) الهندي فان تقديري انه حدث لاعتبارات سياسية معينة لذلك اقول ان كل فرد تم انتخابه حدث كأمر مفروغ منه ومتفق عليه مسبقا وهذه الصورة هي شيء طبيعي لسلوك اية جماعة تريد ان تصنع لنفسها كيانا مهنيا بأن تخطط له من وجهة نظرها. الفكرة التي يقوم عليها المؤتمر هي (اعطاء الحرية كحق للفرد دون ان يكون ذلك عبر احزاب تمزق كلمة الامة) وهو فهم اقرب للتصور الاسلامي في هذا الجانب, على حد قولهم, فما تعليقكم؟ ــ في الحدود التي اختاروها لانفسهم قد يكون هذا التصور وارد ولكن ليس ضرورة ان تكون هذه قناعتي, لهذا ولتأكيد الحقيقة فانني قد رفضت قبول العضوية لاني اعلم من خلال التجارب ان الاساليب المتبعة عادة لاخذ الرأي لا تكون كافية ولا تكفل ممارسة هذا الحق بشكل مقنع يعطي الفرصة بجدية لدراسة الرأي الاخر, والا فالسؤال هل كل هؤلاء الذين اجتمعوا ليس فيهم واحد يقول لا او يبدي رأيا مخالفا والمعروف في البشر انه اذا اجتمع اثنان في امر ما فان احتمال الجدل بينهم وارد لبعض الوقت فما بالك باجتماع يضم 6500 شخص!! هل ما قلته تعبير عن رأي شخصي ام هو رأى جماعة (الاخوان المسلمين) ؟ ـ الاخوان المسلمون ليس من بينهم عضو واحد في المؤتمر وما اقوله هو ر أيهم ورأي تنظيمهم وقد بلونا من قبل عدد من قيادات العمل الاسلامي والعام المشترك اوصلتنا لقناعة عامة بألا يتكرر في مسار عملنا العام اسلامي او سياسي, مثل هذا الموقف مرة اخرى والذي لا يستفيد من تجاربه قد لا يستطيع ان يخطو خطوة تقربه من الهدف والغاية. فكرة المؤتمر وفكرة التعددية ما مدى بعد او قرب كل منها من الاسلام؟ ـ المناداة التي نادي بها (المؤتمر) فيها وكرس فيها للحرية اقترب فيها كثيرا من رأي الاسلام في حرية الانسان كفرد وحرية الناس كجماعة في ان يمارسوا هذه الحرية بالوجه الذي يشاؤون, والانسان في الاسلام يملك الحرية التي كرمه بها الله وسار عليها الخلفاء الراشدون, ويمقت الاسلام الحد من الحرية لذلك كانت قناعتي الكاملة بأن من حق المسلم والمسلمين ان يلتقي بعضهم البعض على منهج واحد وغاية واحدة معلومة ولكن دون الانتقاص من حق الاخرين في رفض ذلك والقبول به طوعا اما اذا انتقصت الدولة من هذا الحق فانها الشمولية بعينها التي يرفضها الاسلام والامثلة كثيرة لا اريد ذكرها اما الذين يريدون حشر الناس حشرا في مؤتمر واحد فليس من الحرية في شيء. هل يعني ذلك انك من مؤيدي التعددية؟ ـ التعددية جاءت لتحقيق هذا المقصد والا لما ورد في القرآن حديث عن فرعون وملئه وجنوده ووصفهم في القرآن بأنهم كانوا خاطئين ومعهم هامان. اما ان ينصب بعض الناس انفسهم قضاة على تصرفات الناس وممارساتهم التي يملكون فيها الحق, فهو امر غير لائق وغير جائز, واضرب لذلك مثلا ما ورد اليوم في احدى الصحف بأن احد الولاة وكأنه الحاكم بأمره يتوعد بأن احزابا بعينها لا يمكن ان تعود الى مسرح السياسة مرة اخرى, وهذا اشتطاط في الحكم وانفعال بلا تريث ذلك ما درج عليه هؤلاء في الحكم على الاخرين منذ قيام (الانقاذ) وحتى اليوم. ومافتئوا يرددون ان الاحزاب اذا عادت بصورتها التي كانت عليها غير مقبولة وكأن الاحزاب تأتي او تختفي باشارة منهم. ونسى هؤلاء ان الاحزاب عادت من قبل بعد 16 عاما قضاها نميري في الحكم دون ان تتأثر قواعدها بشيء. عادت كما هي ما يعني ان ارغام الناس على ترك احزابهم وقبول فكرة (المؤتمر) حديث فيه عدم واقعية ونتوقع ان يطلق عليه اليوم اسم (المؤتمر) وفي دورة اخرى اسم آخر حسب سنة التبديل. ولذلك فليأخذ الناس فرصهم والحزبيون وليحكم عليهم من بعد على ممارساتهم, فالمواقف والبرامج قد تتغير بفعل الظروف, ويمكن تستعين الحكومة بقانون ينظم الحياة السياسية وهي جزء منه تماما كما يحدث للاخرين. اما ان يؤخذ ذلك ذريعة لحرمان الناس من ممارسة حقوقهم السياسية. فإن ذلك مرفوض, وهناك حقيقة يجب التسليم بها هي أن تركيبة الشعب السوداني تركيبة صعبة فيما يتعلق بتكوينها القبلي والطائفي والحزبي وحتى الجغرافي وهي مسائل ليس من السهل اغفالها, وقد مرت عدة حكومات عزفت على هذا الوتر ثم انتهت وبقي الحال كما كان, وتغيير الواقع يحتاج الى حكمة وثبات وعدم انفعال. هذه التركيبة بواقعها هذا يمكن تطويعها للعمل السياسي والديني وكل عمل فيه خير البلاد إذا أقيمت بثقة ووفاق وحوار بيننا جميعا. أما انكار هذا الواقع واعلان الحرب عليه من أجل حشر الناس في رقعة واحدة فلن يأتي الا بمزيد من الاختلال والافتراء والتشتت. وعلى الذين يريدون تجاوز هذا الواقع والوصول لنتيجة تخدم الوطن بعيدا عن الانفغال ان يدركوا هذه الحقيقة. الا تعتقد أن بند حرية التنظيم الذي نص عليه الدستور يعطي هذا الحق؟ ـ حرية التنظيم السياسي تعني الحق في تكوين هيئات ونقابات وأحزاب ومن الغريب أن (المؤتمر) أعطى نفسه الحق في تشكيل تنظيم والمنطقي ان يمنح نفس الحق للآخرين وليس له وصاية على الآخرين في تشكيل تنظيماتهم وهذا أمر طبيعي. صحيح أن بعض قيادات (المؤتمر) كانت قد وقفت وقفة شديدة في أمر التعددية حتى حسمه رئيس الجمهورية وهو ما يتماشى مع منطق الحق والعقل وقد ضمن ذلك في مسودة مشروع الدستور في المادة 41/أ والتي تقول (للمواطنين الحق في التجمع وانشاء التنظيمات سياسية ثقافية او اقتصادية وتكفل الدولة حماية ممارسة هذا الحق) . ومن جهة اخرى فإن (المؤتمر) نفسه حزب سياسي له رؤيته الخاصة وبرنامجه. وأعجب كثيرا لكونه اعطى نفسه الحق في ان يمنع ويعطي من شاء ومتى شاء وهذا في اعتقادي بداية لا تبشر بأن ممارسة الحرية يمكن ان تأخذ طريقها بعدل ويسر. ما هو تقييمكم للتوصيات التي توصلت اليها لجنة الدستور بخصوص هوية الدولة؟ ـ يؤسفني أشد الأسف وأحسب ان هذا رأي الكثيرين أن يخلو الدستور من النص على هوية الدولة وعلى الدين وعلى الاسلام كدين لرئيس الدولة وها هي المادة 57/أ تنص على شروط أهلية رئيس الجمهورية المرشح للرئاسة. 1ـ ان يكون سودانيا من أبوين وجدين سودانيين بالميلاد. 2ـ سليم العقل. 3ـ لا يقل عن 40 عاما. 4ـ لا تكون قد سبقت إدانته بجريمة تمس الشرف والأمانة وأن يكون قد أكمل تعليمه الثانوي. 5ـ لا يكون متزوجا بأجنبية. ومآخذي على هذه الشروط في عدم احتوائها للنص على دين الرئيس وهو الاسلام. اي لم ينص الدستور اولا يشترط بالضرورة أن يكون الرئيس مسلما وهذه النقطة بالذات رفضها رئيس المجلس الوطني عندما عرضت في اجتماع المؤتمر الوطني حين تقدم أحد الأعضاء مطالبا بضرورة النص على أن السودان جمهورية اسلامية ليكون رئيس الدولة مسلما بهذا الوضوح فجاءه الرد (من رئيس المجلس الذي هو نفسه أمين عام أمانة المؤتمر) بقوله: (هذا ليس مهما ونحن معروفون ولا نحتاج لتعريف) ! ولعل هذا هو المأزق الذي وقع فيه واضعو الدستور و(المؤتمر الوطني) فقد ورد في الورقة التي قدمها (المؤتمر) حول الدستور في المادة العاشرة من ان قيادة الأمة ورئاستها يرشح لها اي مواطن بغير تفرقة بين الألوان والاعراق والأديان وبين (المؤتمر) ذلك على أساس ما نص عليه الدستور فيما يتعلق بحق المواطنة. وعلى ذلك فإنه قد انفتح الباب أمام المسيحيين ليترشحوا لرئاسة الجمهورية في دولة تأخذ الشريعة قانونا. أحيانا تؤيدون (الانقاذ) وأحيانا تعارضون.. ما هو موقفكم بالضبط؟ ـ هذا مبدأ أخذ به الاخوان المسلمون منذ قيام (الانقاذ) ونحن نعرف خطواتنا ونحسبها جيدا ونعرف خطوات الاخرين ومواقفهم, وبناءً على هذه الحقيقة, خاصة بعد رفع شعار الشريعة كان قرار (الاخوان) ان يؤيدونها حيثما كانت على الحق والطريق السوي, ونعارضها اذا أخلت روحا ونصحا ولا نؤيدها للتأييد ولا نعارضها للمعارضة. ما هو الحل في تقديركم اذا كانت الحكومة والمعارضة كلاهما في مأزق؟ ـ الاخوان المسلمون كانوا أول من رفع شعار الدعوة للوفاق والحوار بين الحكومة والمعارضة للتصالح لكن المعارضة في كثير من مواقفها كانت تأبى والحكومة في ذات الوقت لم تتحمس الحماس الذي يحقق هذا الغرض, ونرى أن الخطوة الاولى ينبغي ان تكون من الدولة لانها بحكم الوضع المنطقي لها كحكومة وصلت الى السلطة بعد انتزاعها من المعارضة. ولذلك فان من واجبها ان تدعم كل خطوة تقود الى وفاق. ونعلم أن مبادرات كثيرة قام بها مواطنون لهم دورهم في هذا البلد الا انها لم تجد من الحكومة الأذن الصاغية رغم ما يبدر منها من موافقات مبدئية. الخرطوم ـ حوار: يوسف الشنبلي والتيجاني السيد

Email