الرقابة ليست المتهم الوحيد... بعض الصحف مسؤولة ايضا: أزمة (الصحافة القبرصية) تتجدد في مصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

مرة اخرى, ويبدو انها ليست اخيرة تفتح (البيان) ملف حرية الصحافة بالوطن العربي, همومها واهتماماتها . ... من قبل كانت المناسبة هي أزمة الاسبوعيات... الصحف الاسبوعية بالاردن والقوانين المكبلة التي سعت الى اصدارها الحكومة هناك بزعم ضبط عمل وصدور مثل هذه الصحف. ... اليوم نجدنا مرغمين على الاعتكاف على ذات الملف مجددا وتقليبه لكن من زاوية جديدة هذه المرة وعلى ضوء قرار وقف طبع وتوزيع صحيفة مصرية هي (الدستور) واصدار حكم بالسجن لمدة عام على رئيس تحرير اسبوعية اخرى هي (الشعب) لسان حال التيار الديني بمصر. ثم قرار ابعاد عادل حمودة نائب رئيس تحرير مجلة روز اليوسف وهو صاحب تجربة تطوير هذه المجلة العريقة خلال سنواتها الاخيرة. ما الذي جرى وسيجرى بحق حرية الصحافة؟ ماذا يحدث في بلاط صاحبة الجلالة المصرية؟... اسبوع واحد فقط سجل عددا من الاجراءات, قفزت بالحديث من جديد عن الحدود المسموح بها في حرية الصحافة... ومدى مسؤولية هذه الحرية, حيث اصدرت المحكمة حكما بالسجن مدة عام على مجدي احمد حسين رئيس تحرير جريدة الشعب لسان حال حزب العمل في القضية التي رفعها ضده نجلا وزير الداخلية السابق حسن الالفي... وقبل ان يفيق الصحافيون من اثر الحكم, اصدرت الحكومة قرارا بالغاء طبع وتوزيع صحيفة (الدستور) التي تصدر منذ عامين بتصريح من قبرص لتفتح المجال من جديد حول ظاهرة الصحافة القبرصية في مصر, والتي يعمل في اطارها عشرات الصحف اتخذت الاثارة منهجا في تناول القضايا ويستثنى من هذا صحيفة (الدستور) التي جعلت من نفسها خلال العامين الماضيين منبرا خاصا جمع كبار الكتاب في مصر... ولم ينته الاسبوع الا وكان عادل حمودة نائب رئيس تحرير مجلة روز اليوسف قد خرج منها. وعلى الرغم من الحدود المبدأية والسياسية التي يتفهمها رجل الشارع المصري فيما يخص قضية مجدي احمد حسين وصحيفة (الدستور) , الا ان الخيوط تشابكت في الأسبوع نفسه بعد قيام وزير الاوقاف د. محمود زقزوق برفع قضية سب وقذف ضد رئيس تحرير جريدة (النبأ) اثر اتهامها كذبا لزوجة الوزير بأنها يهودية الديانة وتعمل من خلال ذلك على تخريب الاسلام. وكانت الصحيفة لاقت رواجا في الشهور الماضية بعد اعتمادها على قضايا الاثارة والجنس, وتقدم العشرات بشكاوى الى نقابة الصحافيين بسبب ذلك على نفس النهج تسير جريدة اخرى هي (الوطن العربي) حيث تقدم المئات بشكاوى الى النقابة والمجلس الاعلى للصحافة تتهم فيها رئيس تحريرها (محمد عبدالعال) الذي يترأس نفس الحزب الصادرة عنه الجريدة (حزب العدالة) بالكذب والتلفيق ونشر الفضائح والخروج عن الآداب العامة, والمفارقة المدهشة في الامر ان نقابة الصحافيين قامت بشطب عبدالعال من جداولها, وطالبت مجلس الشورى الذي يشغل مقعدا فيه بوصفه رئيسا لحزب يرفع الحصانة البرلمانية عنه حتى تتم محاسبته, وتنفيذ الاحكام التي صدرت ضده... غير ان الامر ظل كما هو, ولا تزال شكاوى الناس ضده معلقة في الهواء بسبب حصانته في مجلس الشورى. وحتى لا تختلط الاوراق في تناول القضايا الاربع فان الكل يتفهم الحدود الفاصلة بين حرية الصحافة ومسؤوليتها في الوقت نفسه, فلا يمكن وضع قضايا تتعلق بالفساد حتى لو ذهب الصحافي الى السجن في السلة نفسها التي تحمل بداخلها قضايا من نوعية ما تثيره صحيفة (النبأ) و (الوطن العربي) ورغم كل هذا فإن اعوجاج حرية الصحافة في مصر حسب رأي رجال المهنة يأتي من قصيدة الحرية نفسها التي ينشدها الجميع. والتي تحاول الحكومة ان تقدمها بطريقتها الخاصة. وعلى سبيل المثال ضرورة موافقتها مقدما على منح تراخيص لاية شركة تريد اصدار صحيفة فيما يعني احتمالات عدم الموافقة لكل من يريد اصدار صحيفة بالطرق القانونية لكل من يخالفها في الرأي. والخلاصة ان اوجاع الصحافة كثيرة في مصر على الرغم من هامش الحرية المتاح والذي يعتبر كبيرا مقارنة باحوال الصحافة في كثير من بلدان المنطقة... والسؤال... هل يمكن النظر الى كل قضية من القضايا السابقة بنظرة مختلفة عن الاخرى... ام انها تعود بمجملها الى سبب واحد. ويضع نقيب الصحافيين الاسبق كامل زهيري القضية بمجملها على ارضية, ضرورة اعطاء الصحافة الحق في النقد من خلال ديمقراطية سليمة غير ناقصة... ويقول كسبنا في هذا المجال نوعا من الشرعية على اساس ان حرية الصحافة في النقد ليست امتيازا ولا منحة, فحق المواطن في الاعلام حق اصيل... وبعيدا عن الحكم الصادر ضد مجدي احمد حسين يجب الا يخاف الصحافيون من ذلك... فلا احد في مصر الآن يستطيع ان يضع حرية الصحافة موضع تساؤل, لان هناك من المشاكل والقضايا ما اصبح يجعل قضية حرية الصحافة قضية حياة او موت... ولا يمكن التفاوض عليها. وفيما يخص الحكم الصادر ضد رئيس تحرير جريدة الشعب فما زالت امام محكمة النقض فرصة للنظر في اسباب النقض... وقد يتغير الموقف تماما وتعاد القضية للمحكمة فقضايا الرأي لها خصوصية شديدة ولا يمكن ان تمر على محكمة النقض بإهمال لانها ستكون سابقة عن حدود النقد المُباح. الصحافة الصفراء اما فيما يختص بما يمكن ان نطلق عليها الصحافة الصفراء فلقد صدرت عام 1964 لائحة آداب المهنة ايام النقيب (حافظ محمود) ثم صدرت مواثيق شرف من نقابة الصحافيين والمجلس الأعلى للصحافة... ومن المتفق عليه ان ما ينشر من موضوعات تخرج عن ميثاق الشرف لابد ان يكون للنقابة رأيا وموقفا منها... وهناك عدة مبادىء عامة تحكمنا منها: عدم الخلط بين الاعلام والاعلان وعدم الاستفادة الشخصية من الخبر... ومن حق الرأي العام والمواطن اللجوء الى النقابة والشكوى لها ما يراه من تجاوزات صحافية. ولكن للأسف فالاوضاع في مصر تجعل الصحف مسؤولة مسؤولية جنائية طبقا لقوانين موروثة منذ أزمة القانون 93 لسنة 95... فمازالت تحكمنا قوانين صدرت في عهود استثنائية ومنها قانون (زيور) الذي صدر عام ,1925 وقانون صدقي باشا الذي صدر عام 1930 وما زالت هذه الترسانة من القوانين المقيدة للحريات تحكمنا... وكان صدقي باشا يتفاوض مع الانجليز ايامها ويريد ان يكمم المعارضة فأصدر قانون (صدقي) لسنة 1930 وهذه القوانين تقام وتقوم حسب مزاج الحكومة... فلابد من مراجعة هذه القوانين وتنقيتها مع ضرورة اطلاق حرية اصدار الصحف ووضع الضمانات القانونية والاخلاقية وايضا المالية مع ضرورة التأكيد على الشفافية بالنسبة لمصادر تمويل الجريدة مثلما نطالب بشفافية الشخصية السياسية. ويطالب زهيري بالقيام بدور جاد وعلمي لحصر تلك الصحف لمعرفة حجم وطبيعة المشكلة... لان هناك قوى اقتصادية واحتياجات اجتماعية جديدة وفي حاجة الى صحافة جديدة, ولكن في ظل حرية لا تعفى من المسؤولية واحترام الآداب العامة والاخلاق, وان يكون هناك تدرج في الحساب يتواءم مع درجة الخطأ وهذا مبدأ اسلامي وقانوني عصري اما اسلوب مصادرة الجريدة فهو اشبه بفكرة العقاب الجماعي... فيضار الصحافي المخطىء والاداري, والعامل وحتى القارىء... والعقاب الجماعي هذا نظرية قبلية ونتاج نص فظيع من ايام صدقي باشا مع ان المبدأ هو فردية العقاب... ولابد من تصحيح العقوبة ـ والكلام لزهيري ــ من القضايا الجنائية على ضوء المبادىء الشرعية والقوانين الدولية. (انتصار ناقص) يرى حسين عبدالرازق رئيس تحرير مجلة اليسار ان كل مايجرى الآن في حقل الصحافة المصرية هو نتاج للانتصار الناقص والجزئي للصحافيين ونقابتهم ضد القانون 93 لسنة ,95 فلم يحققوا انتصارا كاملا وتطويرا حقيقيا لاوضاع الصحافة في مصر والذي كان يعكسه مشروع القانون الذي كانت تتبناه النقابة وساهم في اعداد مركز المساعدة القانونية وقُدِم في المؤتمر العام الرابع للصحافيين وما اسقط من هذا القانون ـ تحديدا ــ كان السبب وراء ما نعانيه الآن... فلقد طالب مشروع القانون بالآتي: اولا: الغاء كل العقوبات المقيدة للحرية في قضايا النشر وبالتالي كان يطالب بالغاء عقوبة الحبس ضد الصحافيين من مواد القانون المصري نهائيا ويجعل العقوبة فقط الغرامة او المحاسبة التأديبية من قبل النقابة والتعويض المدني امامها... وكان نتيجة سقوط هذا النص ما حدث اليوم ولاول مرة في تاريخ مصر الحديث ان يحكم على صحافي في قضية نشر حكما نهائيا وسينفذ الا اذا قامت النقابة بدور كبير وجهد مكثف لحل هذه المشكلة. ثانيا: اطلاق حرية اصدار الصحف للمؤسسات والاحزاب والجماعات والأفراد المصريين ويكون ذلك بالاخطار فقط, ولو حدث هذا ما ظهرت الصحف القبرصية (سواء كانت سلبية أم ايجابية) . ثالثا: تعديل القانون الحالي بما يتفق مع ما يجرى في العالم كله... بأن يقع عبء اثبات عدم صحة خبر ما على عاتق المدعى وليس على عاتق الصحافي, وهذه نقطة مهمة فاذا ما كذب وزير الداخلية مثلا خبرا عليه ان يثبت عكس ذلك. رابعا: كان هناك نص يطالب بحق الصحافي في الحصول على المعلومات ومعاقبة الموظف العام الذي يمتنع عن امداده بها او حجبها عنه... ونتيجة لكل هذا يصعب اعمال المحاسبة النقابية, والنقابة مترددة في تطبيق ميثاق الشرف لان الصحافي يُنكل به في مائة مكان... كما ان الاوضاع الصحافية مقلوبة... فمثلا وجود رئيس مجلس ادارة مؤسسة الاهرام ورئيس مجلس ادارة وكالة انباء الشرق الاوسط (باطل) قانونا لانهم تجاوزوا السن القانونية (الستين) وهناك فتوى قاطعة بذلك. وهناك خرق آخر, فقد تم تأجيل تشكيل المجلس الاعلى للصحافة اكثر من عام ونصف مما عطل صدور اللائحة التنفيذية للقانون 96 لسنة 96 مما عطل اعماله... والقانون ينص في احد مواده على منع تولي رئاسة تحرير اي صحيفة لصحافي غير عضو بالنقابة... وبناء عليه فرغم ان النقابة قامت بفصل محمد عبدالعال رئيس تحرير صحيفة (الوطن العربي) من عضوية النقابة الا انها عاجزة عن تنفيذ القانون والنيابة عاجزة ايضا تجاهه لانه عضو معين في مجلس الشورى والمجلس يعلم عنه كل شيء ولكنه يتمتع بحصانة برلمانية ويرأس حزبا ويصدر جريدة حزبية غير ملتزمة. وايضا النقابة مسؤولة مثل الحكومة وعليها مواجهة كل ذلك... واعتقد ـ والكلام مازال لعبدالرازق ـ ان تقاعس مجلس النقابة عن عقد المؤتمر العام الخامس الذي تقرر عقده في المؤتمر العام الرابع خلال عامين, وقد مرّ اكثر من عامين ولم يُعقد بعد... وكان من المفترض ان يناقش أوضاع المؤسسات القومية وطبيعة الملكية والاوضاع التي لم يتم تصحيحها في القانون 96. وبعد صدور القانون الخاص بالشركات والذي قيد حق اصدار الصحف وجعله من اختصاص رئيس الوزراء طالبت بضرورة الاسراع بعقد مؤتمر لخطورة الموقف... لكننا لاحظنا تقاعسا وتقصيرا من مجلس النقابة تجاه هذه القضية وهانحن نطالب فورا بعقد اجتماع عاجل لبحث التطورات الاخيرة وطرق مواجهتها ولو بتحويل جدول الجمعية العمومية من مجرد مناقشة الميزانية وتقرير المجلس الى مناقشة التطورات الاخيرة على ساحة بلاط صاحبة الجلالة المصرية. غياب النظام القانوني ومن جانبه يؤكد الكاتب الصحافي صلاح عيسى عضو مجلس نقابة الصحافيين سابقا ان ما يحدث الآن من فوضى صحافية نتيجة عدم الاخذ بوجهة نظر الصحافيين في ضرورة وجود تنظيم قانوني ينظم ممارسة حرية الصحافة بشكل يُقر اساسا هذه الحرية وينظم الحقوق والواجبات التي تترتب على كل الاطر اف وبالتالي اصبح لدينا اوضاعا عشوائية أفرزت مثل هذه الظواهر كلها. وفيما يتعلق بقضية ملكية الصحف ولدينا صحف عملاقة تملكها الحكومة وهي الصحف القومية ثم صحف حزبية وشركات مستقلة تصدر عددا من الصحف... وصحف تصدر عن قبرص وتطبع في مصر وهناك مستويات متباينة للتعامل مع هذه الصحف كلها فالصحف القومية تكاد تكون مستثناه من تطبيق اي قانون وتنظيم اصدار الصحف يخضع الى قانونين رئيسيين: اولهما: قانون تنظيم الصحافة رقم 96 لسنة 96 وينظم التداول والاصدار, وهو قانون مهني. وفصل من قانون العقوبات يحدد العقوبات على النشر... ورغم المعركة التي خاضها الصحافيون ضد القانون المشبوه 93 لسنة 95 منذ عامين الا ان هناك قوانين مازالت تحكمنا منذ ايام الاحتلال البريطاني, والديكتاتوري, والليبرالي ومواد مؤقتة صدرت في الفترات الانتقالية من المرحلة الرأسمالية الى الاشتراكية... الخلاصة: هناك فوضى تشريعية في الملكية, وسوق العمل وفوضى نقابية ايضا بما يعني ان الفوضى على كل الاصعدة تنتج عنها كل تلك الظواهر التي تعاني منها الصحافة المصرية اليوم. ويوضح عيسى خصوصية وضع الصحافة القومية ـ فوق القانون ـ بقوله ان القوانين في مصر تحرم الهجوم على رؤساء الدول الاجنبية والسفراء ومع ذلك في اي وقت يحدث خلاف سياسي مع احد رؤساء او وزراء الدول الاجنبية تشن عليه الصحف القومية حملاتها دون ان يطبق عليها القانون... كما لا تجرؤ الشخصيات العامة على مقاضاة صحيفة قومية لان مثل هذه القضايا اساسا التي تحركها النيابة العامة وهي حرة في ذلك تحرك قضية ولا تحرك اخرى بالاضافة الى ان كل رؤساء مجالس ادارتها ومجالس تحريرها اعضاء في مجلس الشورى ليحصلوا على الصحافة البرلمانية مما يجعل التحقيق معهم غير وارد ولقد طالبوا بدخول الشورى لهذا الهدف. اما الصحافة الحزبية فعلاقة السلطة بها ترتبط بمدى علاقتها بالحزب نفسه... سواء من حيث التسهيلات لمندوبيها للتعامل معها ودخول بعض المواقع الحساسة, او من حيث مدها بالاعلانات, او رفع القضايا ضدها والابلاغ عما تنشره او عدم الابلاغ, وهناك فترات متعددة في حياة صحافة الاحزاب... فأحيانا يتربصون بها وكلما نشرت حرفا تذهب للنيابة, وفي فترة اخرى يغمضون عيونهم عنها. اما الصحف التي تصدر عبر شركات فلا توجد قواعد محدودة تسمح لهذا الشخص او تلك الشركة باصدار جريدة دون الآخر... فهناك شروط غير معلنة اشبه بصفقات سياسية كأن يتعرض لاشخاص معينة في الحكم او الا يتعرض لقضية ما والنتيجة هي الاتجاه لنشر الفضائح والجنس, واذا ما طبق قانون العقوبات في مصر على بعض الصحف والصحافيين الذين يعملون بها لانتهى الحكم عليهم بالسجن المؤبد نتيجة سوء ما ينشرون, فهذا الجو أفسد معنى المطالبة بحرية الصحافة وخلق بين صفوف الرأي العام رغبة في التضييق على الحرية لانه اذا كانت الحرية ستستخدم في نشر الفضائح الجنسية والوقائع الكاذبة فهي ليست مفيدة للشعب. ضيق القضاء بحرية الصحافة ويرى صلاح عيسى ان دلالة الحكم الذي صدر ضد مجدي احمد حسين يعكس نزوع القضاء الى الضيق بحرية الصحافة... لان القاضي له سلطة تقديرية واسعة عندها يكون هناك مناخ متعاطف مع حرية الصحافة ويطبق القوانين بدرجة عالية من المرونة والانحياز لحرية الصحافة ولا يلجأ للعقوبات السالبة للحرية ويكتفي بغرامات رمزية والحبس مع ايقاف التنفيذ... وكل هذا عكس ما جاء في الحكم الذي صدر مؤخرا والذي عكس حالة من الضيق بحرية الصحافة مما ينذر بأننا سوف نواجه بتطبيق القوانين المتزمتة عبر احكام قضائية متزمتة. ظاهرة الصحف القبرصية ويرى عيسى ان تلك الظاهرة تعكس سعي الدولة وعدم رغبتها في اعطاء الحقوق القانونية لمن يريد ان يصدر صحيفة كي تظل لها اليد العليا على رقبة الصحافة ولذلك تسمح لمن يشاء ان يحصل على رخصة اجنبية ويحرر ويطبع داخل مصر لانه من الناحية القانونية يُعامل كمطبوع خارجي وبالتالي يمكنها مصادرته بقرار اداري على عكس المطبوع المحلي الذي لا يجوز فرض الرقابة عليه ولا يجوز مصادرته الا بحكم قضائي وبالتالي فهذه الصحف خاضعة للرقابة ورغم ذلك يمكن مصادرتها في اي وقت. القضاء على المنافسة السياسية ويقول عيسى ان المنافسة السياسية في مصر تم القضاء عليها (بتدجين) احزاب المعارضة... ومن هنا لم تعد المنافسة السياسية ساخنة على نحو يسمح برواج الصحف لعدم وجود قضايا سياسية مما يدفعها للاثارة سواء بالجنس او (الدين) وهذا عبث في اخطر قضايانا الوطنية ورغم ذلك الحكومة تركتهم يفعلون ما يشاؤون. النقابة بناء قانوني مشوه وعن مدى مسؤولية النقابة تجاه هذا المولد الصحافي يرى عيسى ان النقابة لايمكن ان تكون مسؤولة لانها هي نفسها بناء قانوني مشوه فهو يجمع ما بين النقابة المهنية والعمالية وبين الدفاع عن المصالح الاقتصادية وآداب وتقاليد المهنة وهاتان قضيتان متضادتان, فهناك الانتخابات والمصالح... ولذلك رغم محاولات النقابة ان تنهض فهي تواجه بالصعوبات, كما ان سلطاتها ضعيفة. وما الحل الحل كما يراه عيسى ان نأخذ بالتعددية النقابية ونفصل بين المهمة القضائية للنقابة بالدفاع عن مصالح الصحافيين بالقاعدة العامة للعمل النقابي (انصر اخاك ظالما أو مظلوما) وبين المسائل المهنية اما بتشكيل جمعية صحافية او بتحويل المجلس الاعلى للصحافة الى مجلس اشبه بالمجلس البريطاني الذي يقوم بهذه المهمة في بريطانيا, اما مجلسنا الاعلى فهو مجلس حكومي لا يمارس هذه المهمة وهو غير مستقل منحاز للحكومة ويقوم بمهام ادارية فلابد من تشكيل مجلس مستقل ومحايد وله سلطة لضبط تقاليد المهنة. سوق الصحافة بين التشوه والسيولة ان سوق الصحافة في مصر مصاب بنوع من التشوه وآخر من السيولة الشديدة حيث الامور مختلطة ـ والكلام هنا ليحيى قلاش عضو مجلسي نقابة الصحافيين ـ ويرى ان هذا الوضع له اسباب كثيرة منها: ان التشريعات الصحافية معيبة ومتخلفة ولا تواكب كل ما يحدث حولنا, كما ان السلطات لا تسمح باصدار الصحف مما انتج صحافة مشوهة تحاول الالتفاف حول معوقات حق الاصدار, وهذا يتم دون فهم للمتغيرات الخارجية والداخلية على مستوى السياسات الاقتصادية والمتغيرات الاجتماعية والطبقات الجديدة التي ظهرت على السطح وتريد التعبير عن نفسها والقوى السياسية الموجودة وغير المسموح لها بالتعبير... كل هذا ساهم في حالة الفوضى الصحافية والاختناقات الموجودة والتشوهات... ويضيف قلاش: لدينا واقع جديد بقوانين قديمة, وهناك حالة عامة سراء في مصر او خارجها مرتبطة بأن العالم اصبح قرية صغيرة فترى اهم الاحداث في اللحظة نفسها نتيجة النقلة الهائلة والمحطات الفضائية, وهذا كله يجعل تعويق حق اصدار الصحف مسألة مضحكة... ففي الوقت الذي يحدث فيه هذا التطور الهائل تخلف رؤيتنا لحرية الصحافة في نهاية القرن العشرين. ويضيف: ان حالة مجدي احمد حسين نموذج مثالي للقوانين التي وضعت في بداية هذا القرن وخاصة المواد السالبة للحرية والحبس في قضايا النشر... رغم اننا خضنا معركة ضارية ضد القانون 13 لسنة 95 وطالبنا بالغاء كل القوانين السالبة للحريات خاصة وان هناك اتجاها عاما في العالم كله لالغائها... ويجب الا تُقارن مصر ببعض الدول التي بها مثل هذه القوانين لان مصر عرفت حرية الصحافة قبل بعض الدول المتقدمة... فعمر حرية الصحافة في مصر اكبر من اعمار نشأة بعد الدول... ولذلك فنحن نطالب كنقابة وكقوى سياسية بالغاء هذه القوانين السالبة للحريات والتي حوكم بمقتضاها مجدي حسين وحكم عليه بسنة سجن مع الشغل... وهذا يعكس منحى يتجه للتشدد في هذه القضايا ويثبت ان القوانين التي كانت موجودة في بداية القرن العشرين كانت اكثر حرية من الآن... كما ان (مجدي) كان ضحية عدم القدرة على الحصول على مستندات تؤكد ما يكتبه... مع صعوبة الحصول على المعلومات... ويرى قلاش ان جريدة (الدستور) استطاعت ان تكون تعبيرا مثاليا عن احتياج اجيال صحافية للتعبير عن نفسها في صحافة جديدة بدماء جديدة استطاعت ان تنجح وتخاطب جمهور لم يجد نفسه في الصحف الاخرى ودخلت عبر تصريح من قبرص تحايلا على عدم السماح بتراخيص من مصر... ثم وفقت اوضاعها وحصلت على ترخيص كشركة مساهمة من اجل التواجد ولكن الامن اعترض بعد موافقة مصلحة الشركات... فرفعت (الدستور) قضية متداولة الآن في القضاء الاداري ولم يفصل فيها بعد. وعن صحافة الاثارة يقول قلاش: هذا نموذج مختلف تماما ويعبر عن المأساة التي نعيشها سواء على مستوى الصحافة او السياسة, ففي الوقت الذي تمنع فيه قوى سياسية حقيقية من التعبير عن نفسها من احزاب او صحف يعطى حزب بأكمله لفرد ويصبح من حقه ان يصدر بدلا من (الجريدة) ثلاثين جريدة ثم يدخل النقابة بالتحايل... وعندما ثبت مخالفته لشروط القيد النقابي قامت النقابة بشطبه ولكن بدخوله مجلس الشورى اكتسب حصانة برلمانية... ورغم تلقي النقابة مئات الشكاوى من افراد كانوا ضحايا نصبه واحتياله, ورغم صدور احكام قضائية ضده الا انها لا تنفذ لحصانته, فهو نموذج للتشوه السياسي وينعكس على المهنة من خلال ابتزازه للناس ومخالفته لكل الاعراف ولميثاق الشرف الصحافي, وصحيفته نموذج للصحافة الصفراء التي تلقى رواجا يأخذ في سكته كل شيء ويدمر كل شيء... وقد احلناه للتحقيق وللتأديب ولم يمتثل فشطبناه من النقابة. اما اذا وقعت مخالفات من صحافيين آخرين اعضاء نقابة فيحولوا للجان تأديب وقد لفتنا نظر عدد من الزملاء نتيجة شكاوى بعض الناس من صحيفة (النبأ) ولكن ما يحد من آلية التأديب في النقابة ـ والكلام مازال لقلاش ــ ان صاحب الشكوى يلجأ للقضاء فتضطر النقابة للانتظار حتى تنتهي المحكمة من القضية وتصدر حكمها... الصحف الأجنبية ووزارة الأعلام ويواصل قلاش كلامه مشيرا الى ان جزءا من المشكلة ناتج عن ان بعض الصحافيين الذين يرتكبون مخالفات من غير اعضاء النقابة ومن صحف ذات ترخيص اجنبي وبالتالي فهي غير خاضعة للقوانين المنظمة لسوق العمل الصحافي في مصر (قانون الصحافة, قانون النقابة, وميثاق الشرف الصحافي) منهم غير خاضعين لهم... وبالتالي تصبح النقابة (مكتفة) وغير قادرة على التصرف تجاههم... وايضا حال المجلس الاعلى للصحافة فهي تابعة لوزارة الاعلام وقانون المطبوعات الاجنبية. ويضيف: كل ما يحدث له علاقة بقانون الشركات الذي صدر مؤخرا فلقد زاد هذا القانون المشكلة تعقيدا وقضى على الهامش الذي كان موجودا بالقانون 96 لسنة 96 والذي كنا نسعى لتوسيعه من اجل تقنين حق اصدار الصحف لاستيعاب الاجيال الجديدة ووضع آليات لمحاسبة من يخرج على مسألة الشرف الصحافي وضبط السوق الصحافي... ولكن جاء قانون الشركات ليقنن الاوضاع الحالية وتصبح دائمة ولذلك رفضته نقابة الصحافيين فلقد رجعنا الى الوراء عدة خطوات وستزداد المشاكل يوما بعد يوم نتيجة عدم اخذ رأي النقابة ولا اصحاب المهنة فيما يصدر من قوانين تمس صميم مهنة الصحافة. وما العمل يرى قلاش: انه لابد ان يكون هناك نوع من التفهم لحق حرية اصدار الصحف فهي المدخل الاساس لتعديل كثير من التشوهات الموجودة الآن. ويطالب الحكومة بعدم الالتفاف حول دور النقابة واضعاف هذا الدور فهو ليس في مصلحة المهنة وان يؤخذ بكل التوصيات التي تصدر عن مؤتمرات الصحافيين... لان ما يحدث هو عكسها... اي ان الدولة في واد والنقابة والصحافيين في واد آخر. القاهرة ـ البيان

Email