الانشقاقات وظاهرة التكاثر(الاميي) في الاحزاب المغربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

عادة ما يوصف القرار المغربي بالاعتدال. ولعل السمة البارزة للسياسة المغربية, داخلية كانت ام خارجية, هي مزيج من العقلانية والواقعية , العقلانية, بمعنى التروي والتشاور واستنفاذ الوقت, قبل اتخاذ القرار, والواقعية بمعنى عدم تجاهل الواقع وحقائقه عند النظر للمستقبل, فالعديد من المشاكل والازمات التي عرفها المغرب, تمت معالجتها بالحوار والاقناع وتحقيق المطالب الحياتية بطريقة مرحلية, تأخذ بعين الاعتبار الحاجات الملحة وتلك القابلة للتأجيل, وتقديم الاهم على المهم. واذا جاز لنا ان نختزل السياسة المغربية بكلمة جامعة مانعة, نقول : انها سياسة الاعتدال والحوار وكثيرا ما تردد على لسان العاهل المغربي جملة (نحن امة وسط) وهي جملة تستمد عمقها من القرآن الكريم مثلما تستمده من التراث العربي الذي منه القول المأثور (خير الامور اوسطها) . الحوار على الطريقة المغربية, اثمر بعد اربعين عاما من الاستقلال, برلمانا تتخاصم تحت قبته وتتصالح حوالي 15 حزبا, معارضا ومؤتلفا واحزابا اخرى لم تلق الاعتراف بعد, لكنها موجودة وفاعلة, بل ان من بينها من لها صحافتها الناطقة باسمها, كما اثمرت صحافة تشوي الحكومة على سفودها كل يوم وتعدد مثالبها, وتقتنص هفواتها بعيون مدربة, الى جانب منظمات دأبها التفتيش عن (انتهاكات) السلطة التنفيذية و(خروقاتها) للدستور. والقوانين. والاهم من ذلك, اثمرت (رأيا عاما) لابد من استشارته واستفتائه والرجوع اليه في كل خطوة ينوي صاحب القرار الاقدام عليها. وقد يختلف البعض مع هذا الانطباع الذي يخرج به المراقب للشؤون المغربية دون عجالة لكنه لا يغير في نهاية الامر شيئا من صحته. ففي الوقت الذي كان فيه (الحزب الوحيد) في معظم انحاء العالم, ولا سيما في العالم الثالث, تكونت التعددية في المغرب, ونمت وترعرعت واحتوت الخلافات الحزبية في اطار الشرعية والتعايش, وكان طبيعيا ان تنشأ في ظل التعددية والتنوع نزاعات وخلافات في وجهات النظر, واجتهادات متباينة, لكن سياسة الحوار استطاعت ان تكفل استمرار التجربة وتطورها مع كل مرحلة, لتكون التعددية بالتالي وسيلة اساسية من وسائل الالتقاء لا الافتراق, والاجماع لا الاختلاف , خصوصا عندما يتعلق الامر بالقضايا الكبرى والمصيرية, كقضية الوحدة الترابية, وقضية الصحراء تحديدا حيث اجتمع حولها كل الاحزاب على مختلف اهوائها ومشاربها وصراعاتها التقليدية. صحيح ان التجربة المغربية عرفت المد والجزر, الصعود والهبوط, لكن الصحيح ايضا انها ظلت اختيارا مغربيا صرفا, واختيارا مبكرا لانها لم تفرض من احد ومازالت تمثل المحور الذي تدور حوله السياسة المغربية, وتستمد منه القوة في مواجهة التحديات التي تعصف اليوم بالعديد من جاراته الافريقيات, غير ان نقطة الضعف, والاحرى, الحلقة الضعيفة في التجربة, كما يراها اصحاب الشأن (احزاب المعارضة تحديدا) هي اقتصارها على الميدان السياسي, من دون ان تطال بالقدر نفسه, الميدانين الاقتصادي والاجتماعي. لذلك تكاد تتفق جميع الفعاليات السياسية المغربية على اقامة (ديمقراطية اجتماعية واقتصادية) لا تنفصل عن (الديمقراطية السياسية) تنبني على مايعرف, في الخطاب السياسي المغربي, بالشفافية, لاعطاء الميدانين المذكورين البعد المطلوب في التوجهات المغربية المقبلة. لقد افرزت السنوات الثلاث الماضية مبادرات على قدر كبير من الاهمية استهدفت معالجة ابرز القضايا تعقيدا, كأزمة البطالة وتشغيل خريجي الجامعات, واعادة النظر في مهمات بعض الاجهزة الادارية, وكذلك العديد من القوانين الجنائية, الى جانب الزيادة في الاجور والتعويضات العائلية, وهي مبادرات وان لم تصل الى الحدود التي طالبت بها احزاب المعارضة واجنحتها النقابية, فانها نجحت في احتواء المواجهة بينها وبين الحكومة كما اسفرت عن نتيجة مهمة, هي ان موضوع الاصلاحات الاجتماعية والاقتصادية اصبح مطروحا للنقاش بقوة غير معهودة امام صانعي القرار, وقد نبهتهم الى ان اية خطوة لا تعطي الاهمية لهذين الجانبين, تبقى عديمة الجدوى. والمؤكد ان الحوار سيكون البديل الحقيقي ازاء اية محاولة لمعالجة الاوضاع المطروحة بالحاح. قلنا في البداية ان القرار المغربي يوصف عادة بالاعتدال, وكان ينبغي ان نضيف اليه الحذر, فقرار مهم مثل الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية لابد ان يأخذ بنظر الاعتبار التزامات المغرب الدولية. ذلك ان المديونية تظل اهم المصاعب التي يعاني منها الاقتصاد المغربي, عدا الالتزامات الصريحة بتقويم العجز التجاري والاوضاع المالية, وهي رغم ما تحقق منها مازالت في مفترق طرق, ولم تصل الى شوطها النهائي. أكاديميون وخبراء يشخصون علة الأحزاب المغربية مع كل قرار سياسي عام, او قبيل موعد الاستحقاقات الانتخابية اصبح من المعتاد حدوث انشقاقات حزبية, او ظهور توجهات سياسية جديدة تؤدي الى خلق حزب جديد. وقد شكل عام 1974 وما اعقبه من احداث سياسية , منعطفا كبيرا في المغرب, حيث اعتبر بداية للمسلسل الديمقراطي, وبالتالي انفتاح الساحة السياسية على احزاب كانت محظورة او ممنوعة من المشاركة في العمل السياسي, بعدما خلقت قضية الصحراء اجماعا وطنيا انتهى الى استئناف التجربة الانتخابية عام 1976. البعض يرى فيما يحدث ظاهرة صحية باعتبارها وليدة المبادىء الديمقراطية نفسها, ولكن من يتأمل الساحة الحزبية في المغرب ويقف عند مستوى تمثيلية الاحزاب, سيصطدم بالفوضى او (التعددية) غير المنظمة, حيث يتجاوز عدد الاحزاب المدى المعقول, لذلك يساوره الاعتقاد (ان التعددية قد تحولت الى عنصر تفتيت والى عامل لخلط الاوراق السياسية) , خصوصا وان الانتخابات الاخيرة (1997) شهدت بروز اربعة احزاب جديدة دفعة واحدة هي (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) و(الحركة الشعبية الاجتماعية) و(جبهة القوى التقدمية) و(جبة القوى الاشتراكية) . وللكشف عن بعض الجوانب الخفية للخارطة الحزبية المغربية, ومعرفة مدى التهام (التعددية الحزبية) لحجم العمل السياسي, استطلعت (البيان) في هذا التحقيق الشامل آراء عدد من الخبراء والسياسيين المغاربة. الدستور زاوج بين الديمقراطية والتعدد الحزبي يقول الدكتور محمد ظريف الباحث المغربي في الشؤون السياسية والاستاذ بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء: (اقترنت التعددية الحزبية في المغرب بالديمقراطية, على اعتبار ان الدساتير المغربية نبذت اصلا نظام (الحزب الوحيد) حيث ان الفصل الخامس من الدستور ينص على ان (نظام الحزب الوحيد نظام غير مشروع) , وبالتالي فقد حارب ديكتاتورية او اوتقراطية الحزب الوحيد. وظاهرة التعددية هذه هي التي جعلت الساحة السياسية المغربية تعرف في ظرف يمتد من اوائل الثلاثنيات الى اليوم (اي من تشكيل كتلة العمل الوطني الى ميلاد جبهة القوى الاشتراكية) زخما من الاحزاب السياسية يفوق العشرين حزبا (الاستقلال, الشورى والاستقلال, الوحدة والاستقلال, الاصلاح الوطني, الحركة الشعبية, الحركة الوطنية الشعبية, الحركة الوطنية الديمقراطية الاجتماعية, الاتحاد الوطني للقوات الشعبية, التقدم والاشتراكية, الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية, التقدم والاشتراكية, منظمة العمل الديمقراطي, الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية, الاتحاد الدستوري, التجمع الوطني للاحرار, الوطني الديمقراطي, حزب العمل, الاشتراكي الديمقراطي, الطليعة الديمقراطي الاشتراكي, جبهة القوى الديمقراطية) . وتضاف الى هذه الاحزاب الحركات والمنظمات غير المعترف بها رسميا بما فيها الحركات الاسلامية. ويضيف: (لعل المتفحص لظاهرة التعددية الحزبية كلازمة ملازمة لحياتنا السياسية, سيلاحظ ان لها علاقة بظاهرة اخرى, الا وهي ظاهرة الانشقاقات داخل الاحزاب بل ان الاولى هي وليدة الثانية, بحيث يبدو كيف ان احزابا فرخت احزابا اخرى بفعل انشقاقات داخل صفوفها وقياداتها. والامثلة في هذا الصدد كثيرة وجلية) . ويستطرد قائلا: (اذا كان حزب الاستقلال (يرأسه حاليا محمد بوستة) مثل قاعدة الهزات الانشقاقية التي ادت الى تفريخ الاحزاب المذكورة, فان حزب الحركة الشعبية الذي تأسس عام 1957 كان هو الاخر قاعدة لسلسلة من الانشقاقات الحركية التي تولدت عنها احزاب اخرى. ففي عام 1966 اختلف المحجوبي احرضان والدكتور عبدالكريم الخطيب مما نجم عنه تأسيس حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية عام ,1967 كما انبثق عن نفس الحركة حزب العمل الذي اسسه المقاوم عبدالله الصنهاجي, ثم جاء انشقاق 1988 الذي مكن محند العنصر من الامساك بزمام الحركة الشعبية الذي انفلت من يد احرضان فلم يجد هذا الاخير بدا من تأسيس حزب جديد عام ,1992 هو حزب الحركة الوطنية الشعبية, ولم يقف الامر عند هذا الحد بل ان الفريق البرلماني لاحرضان وقعت داخله عدة رجات جعلت محمود عرشان ومواليه ينشقون ليكونوا حزبا جديدا اسموه حزب الحركة الوطنية الديمقراطية الاجتماعية) . عائلات سياسية الساحة الحزبية تحتكرها عائلات سياسية كبرى ويوضح الكاتب والصحفي عبدالكبير العلوي مدير صحيفة (الزمن) السياسية بعض جوانب الوضع الحزبي في المغرب بالقول انه (يمكن تلخيص الحياة السياسية المغربية في عائلات سياسية كبرى, بعضها يمثل نهجا فكريا وسياسيا وقد اصبح هذا النهج حاجزا امام اجيال جديدة, وحول هذه العائلات تلتف التمثيليات السياسية الصغيرة, وان انحصرت المعادلة بين طرفين متنافسين هما اليمين واليسار) . ويتابع: (لقد تميز تاريخ الاحزاب بالمغرب بالانشقاقات قبيل اية استحقاقات انتخابية وقد انقسم حزب الاستقلال قبيل الانتخابات الاولى عام 1959 فخرج من رحمه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية, الذي انشق بدوره قبيل المسلسل الانتخابي لعام ,1977 ليتأسس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (يتزعمه عبدالرحمن اليوسفي) الذي انشق هو ايضا قبيل انتخابات ,1983 حيث اسس التيار المتشدد حزبا جديدا باسم الطليعة الاشتراكي) . ويرجع العلوي ما يحصل داخل الاحزاب الى (عاملين رئيسيين اولهما, الطبيعة الانتخابية للاحزاب المغربية, وثانيهما تحكم السلطة في توزيع (الكعكة) الانتخابية وقد يبرر المعنيون بان الامر يتعلق بالمؤامرات والمناورات ضد هذه الاحزاب او بالرغبة باحتفاظ الزعيم بكراسي القيادة, غير ان المتأمل سيلاحظ ان الانشقاقات طالت حتى احزاب اليمين, حيث رأينا انشقاق رؤوس الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان قد خرج من سرة التجمع الوطني للاحرار, الذي يتزعمه احمد عصمان, اثر انشقاق بدأ عام 1980 في فريقه النيابي, وكذلك الصراع بين الامناء الثمانية لحزب الحركة الشعبية الذي يترأسه محند العنصر, واللاتفاهم بين زعيم الحركة الوطنية الشعبية التي يتزعمها المحجوبي احرضان وغريمه محمود عرشان, دون ان ننسى اول انشقاق تعرض له هذا الحزب (الحركة الشعبية) الذي اسسه المحجوبي احرضان عام 1958 كممثل للتيار الامازيغي (البربر) بتأسيس الدكتور عبدالكريم الخطيب لحزب (الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية) . ويضيف: (حتى حزب الاتحاد الدستوري, الذي يعد اكبر احزاب اليمين, عرف صراعا حادا على قيادته في وقت كان مؤسسه المعطي بوعبيد على قيد الحياة, اذ احتدم التنافس بين شخصيات قيادية من اجل سحب البساط من تحت قدميه وذلك في اجتماع المجلس الوطني في سبتمبر 1995 الا انه استرجع سلطته على الحزب, لكن وفاته المفاجأة نهاية 1996 طرحت المشكلة من جديد من خلال تعيين خلف له, لذا فان ايام الحداد بعد وفاته لم تستطع اخفاء الصراعات الخفية التي احتدمت بين اعضاء المكتب السياسي للحزب. وقد حاولت كل شخصية الاستحواذ على المنصب الرئيسي حتى تم التوصل الى اتفاق الى قيادة جماعية تتشكل من 12 عنصرا وزعت بينها مسؤوليات القيادة وفق معايير جغرافية, بانتظار ان يعقد الحزب مؤتمره العام لاختيار القيادة القادمة) . أحزاب الرؤساء ويلاحظ العلوي ان عددا من رؤساء الحكومات قاموا بتأسيس احزابهم, فعندما خرج عبدالله ابراهيم من رئاسة الحكومة في 1959 اسس حزب (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية) وبنفس الطريقة خلق (حزب التجمع الوطني للاحرار) بزعامة رئيس الحكومة احمد عصمان عام ,1977 وكذلك حزب (الاتحاد الدستوري) عندما كان الراحل المعطي بوعبيد على رأس الحكومة عام ,1983 ويعلق على الامر قائلا: (يبدو ان محمد الكريم العمراني وعزالدين العراقي كانا الاستثناء الوحيد بين رؤساء الحكومات المغربية في العقود الثلاثة الاخيرة) . ويقول العلوي: (انه رغم اعادة حزب التقدم والاشتراكية تعيين علي يعته امينا عاما للحزب في المؤتمر الخامس الذي انعقد في ,1996 فقد ظلت الخلافات قائمة بين عدد من قيادييه, خصوصا حول اساليب تسيير الحزب والتي تهم بالاساس مسؤولية الامانة العامة والمكتب السياسي. وجاء اصدار اسبوعية (المنعطف) من قبل الجناح الذي يتزعمه التهامي الخياري ليعكس حدة هذه الخلافات التي افضت العام الماضي الى انشقاقه وتأسيس حزب باسم (جبهة القوى التقدمية) والحال كذلك بالنسبة لحزب منظمة العمل الديمقراطي, الحليف الاصغر في كتلة المعارضة, حيث انشقت الى قسمين نتيجة مقاطعتها استفتاء 13 سبتمبر 1996 على الدستور, وقد شكل القسم المؤيد للمشاركة لاحقا الحزب الاشتراكي الديمقراطي, فيما ظل محمد بنسعيد ايت ايدر على رأس الحزب الاصلي) . ويصف العلوي ماحصل داخل المنظمة بانه (محاولة لاعادة النظر في الاولويات والتخلي عن الجمود الايديولوجي, حيث تعد منظمة العمل احدى افرازات حركة اليسار الجديد بالمغرب وامتدادا سياسيا لمنظمة (23 مارس) اليسارية المتطرفة التي عرفت في البداية باسم منظمة (ب) وقد انشأت رسميا في23 مارس 1970 على يد محمد بنسعيد الذي كان من المفروض بعد انفصاله عن (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية) ان ينضم الى حزب (التقدم والاشتراكية) ذي الاصول الشيوعية, بعد توحيد بعض الحلقات منها (الشبيبة الثورية) التي تشكلت ابتداء من عام 1964 وقد ظلت المنظمة تعمل في السر الى ان تم الاعتراف بها عام 1983 ولكن بالاسم الحالي) . كما يلاحظ العلوي وجود احزاب صغيرة يحلو له ان يطلق عليها (احزاب الخردة السياسية) كونها (تدخل فترات سبات طويلة قبل ان تنتعش على نسيم الانتخابات مثل حزب العمل الذي يعود فضل تأسيسه في نوفمبر 1973 الي بعض عناصر اسرة المقاومة التي كانت تبحث لها عن موقع قدم في الساحة السياسية المغربية, ولا سيما المقاوم الراحل عبدالله الصنهاجي الذي وظف شرعيته كأحد افراد المقاومة وجيش التحرير ضد الفرنسيين. وظل الحزب في مرحلته الاولى يعتبر نموذجا للاحزاب الصغرى التي لم تستطع لعب اي دور سياسي متميز بسبب عدم طرحه لبرنامج سياسي يتضمن خصائص مميزة لكيانه ومحددة لهويته الخاصة وقادرة على توليد سند جماهيري. ويضيف: (مع ان حزب الشورى والاستقلال) من اقدم الاحزاب السياسية بالمغرب اذ اسسه محمد ابن الحسن الوزاني عام 1944 اي في الفترة التي تأسس فيها حزب الاستقلال الذي كان يقاسم زعامة الحركة الوطنية المغربية, الا انه لم يستطع النهوض على قدميه منذ تعرض اغلب كوادره الى التصفية على يد الاستقلاليين عندما كان ينفردون وحدهم بالحكومة ابان سنوات الاستقلال الاولى. وقد ظل نشاطه محصورا في المشاركة بالانتخابات راضيا بالحصة الهزيلة من المقاعد التي يحصل عليها) . ويقول العلوي انه (ربما كان وراء تنصيص الدستور المغربي على تعددية الاحزاب رغبة الحكم في وضع حد لهيمنة حزب الاستقلال الذي كان يدعو الى الحزب الواحد, عندما كان بين قياديه اشخاص من مثل المهدي بنبركة قبل ان يتجه وعدد من التيار الاستقلالي المتشدد الى المشاركة في تأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية) . كما يلاحظ: (ان الكثير من هذه الاحزاب لا يتعرف عليها المواطن الا في فترة الاستحقاقات الانتخابية, مما ينم عن نية اصحابها في الحصول على مقاعد بلدية او نيابية بدون اي تفعيل للحياة السياسية ولو بالتحالف مع الاحزاب التي تثبت وجودها, وهي بالتالي لا تقوم بالدور الذي يسنده الدستور للاحزاب السياسية, اي دور تنظيم وتأطير المواطنين وتمثيلهم) . يمين ويسار ووسط ورغم ذلك يرفض العلوي المقولات الجديدة بشأن توصيف الاحزاب, وذلك بسبب ما يسميه (حداثة التجربة السياسية المغربية التي يصعب معها وضع تصنيف دقيق لمعايير اليمين والوسط واليسار نظرا لعدم وجود مقاييس تمثيلية, اضافة الى ان كل الفعاليات الحزبية لاتعترف بالاحصائيات والارقام والنسب التي تصدر عن بعض استقراءات الرأي سواء كانت حكومية او مستقلة بل تنعتها بالتزوير والتحريف) . ويؤكد: (هذه المصطلحات الكلاسيكية قد فقدت كثيرا من بريقها ومن قدرتها على التعبير عن حقيقة الاشياء, وهي بحاجة الي المراجعة في ضوء المتغيرات الفكرية والايديولوجية والسياسية التي عرفها العالم, ليرتبط التوصيف السياسي بالشعارات التي يحاول هذا الحزب او ذاك رفعها وعلاقتها بالديمقراطية وحقوق الانسان) . وهنا يذكر بان الامر لا يعدو عن كونه محاولة لاعادة ترتيب الخارطة السياسية, وهو يرجعه الى خطاب العاهل المغربي الملك الحسن الثاني, عند افتتاحه للدورة التشريعية للبرلمان في اكتوبر 1996 حيث دعا الى بلورة تصور لطوبوغرافية المشهد السياسي في المغرب من حيث وجود قطبين سياسيين وبينهما الوسط.

Email