مؤرخون وأساتذة جامعيون لـ (البيان): السوق العربية المشتركة نقطة الانطلاق لتحقيق الوحدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الدكتور رؤوف عباس استاذ التاريخ الحديث في آداب القاهرة يشير اولا الى الحاضر والماضي القريب, الى التوجه الشعبي والحكومي الحالي في البلاد العربية فيقول: لايوجد شعب من شعوب الارض يمكن ادارته على طريقة المفتاح الكهربائي تفتحه وتغلقه . مرة توجهه (عربى) ومرة توجهه مصري, لكن نزرع انتماء نحتاج الى تنشئة في اتجاهه تستغرق وقتا, مشكلتنا اننا لم نحسم قضية الانتماء, لا عربيا ولا مصريا, حتى العرب عندما نقول في الجزيرة العربية بالعروبة والقومية لايسمعك احد لان من يتلقى دعوتك لايريد ان يذوب في كيان عربي كبير وهو سعيد بوضعه الحالي.. هؤلاء يريدون ان تظل كياناتهم موجودة لانهم سيصبحون في الكيان الكبير قرية صغيرة.. اذن كلمة العروبة والوحدة العربية مرفوضة تماما في الجزيرة العربية مقبولة بشروط معينة في الهلال الخصيب ومن الشروط: من ستكون له القيادة! وفي المغرب العربي لايوجد احساس بها تماما, قل لي من المفكر العروبي في المغرب العربي؟ حتى لو اخذت كتابات محمد عابد الجابري او مالك بن نبي او غيرهما, تجدهم كلهم يريدون القول ان ثقافتك مريضة ولا سبيل الى اصلاحها, فيها اشياء تتعلق بالعوامل الوراثية التي لا يمكن تغييرها والسر كامن في الجينات!! وللاسف هناك من يحتفي بهذا الكلام كثيرا !! وهو كلام لايصب في خانة دعم الثقافة العربية او اعلاء شأنها. ولو اننا ندعم الثقافة العربية ونؤكد الهوية فنحن نتكلم عن قضية تتعلق باحساس الجماهير بالانتماء وهو لا يأتي بقرار لانه احساس لابد ان ينبع من الداخل, لذلك لابد ان يقوم على اسس من التنشئة تؤدي الى الاقتناع, ويصبح كل الزخم الثقافي موجها لدعم هذا الاتجاه. والى جانبه آخر فان الانتماء دائما يدعمه احساسك بأنك جزء لايتجزأ من كيان كبير, بمعنى ان تمزيق هذا الكيان يضر بمصالحك الشخصية, فلابد ان يقترن الانتماء بالاحساس بمصلحة مشتركة وهي لا تأتي الا من خلال الاقتصاد, ولننظر الى اوروبا وتجربتها: لم يجر في اية منطقة من العالم دم بين شعوب قدر ما جرى بين الدول الاوروبية.. حرب الثلاثين عاما, حرب المائة عام, الحرب العالمية الاولى, الحرب العالمية الثانية ومع ذلك اصبح هناك شيء اسمه الاتحاد الاوروبي.. لم يطلع فجأة.. بل بدأ بالسوق الاوروبية المشتركة, بتشبيكة المصالح الاقتصادية, حتى اصبح هدم المصالح المشتركة يضر بكل دولة على حدة.. ثم جاءت تركيبة سياسية من نوع خاص وفي رأيي ان نقطة البدء بالنسبة لنا كعرب هي سوق عربية مشتركة, والتي لاتعني ان ابيع لك وتبيع لي, وانما تعني دمج الاقتصاديات العربية في بعضها, وليس مجرد ربطها بدبابيس وانما دمجها بحيث يصبح سوق العمالة العربية واحد.. ويتذكر الدكتور رؤوف عباس حوارا مع صديق عربي, عندما بدأ الكلام عن السوق العربية المشتركة تحسس الصديق كما نقول, موضع مسدسه! معترضا على اساس انها تضر باقتصاديات قوية اذا ما ادمجت في اقتصاديات ضعيفة, على العكس يرى الدكتور رؤوف ان الاقتصاديات العربية القوية ليست قوية بحالها, وانما باستنزاف موارد الارض واستثمار الاموال في الغرب, فإذا استثمرت في البلاد العربية الضعيفة فلن تأكلها, اليوم اي مشروع اقتصادي له دراسات جدوى مطولة ــ تستطيع ان تبدأ وانت مطمئن الى احتمالات نجاحه, وهناك ترسانة قوانين وتشريعات تحمي هذا الحق. وعلى عكس الاستثمار من الخارج لن تلوى ذراع احد مثلما يحدث حاليا. نقطة البدء في مشروع مستقبلي هي السوق العربية المشتركة وربط المصالح ربطا كاملا, واثناء ذلك يتم عمل تنشئة ثقافية تدعم فكرة التماسك العربي, من خلال الكتب المدرسية ووسائل الاعلام.. اذا نشطت تلك السوق ستجد في التو اصحاب المصلحة في تحقيق اكبر عائد ممكن من خلال الاندماج مستعدين للصرف ببذخ على المشروع. الخلفية السياسية للاحداث داخل سوريا وعلى حدودها ضرورية لتقييم تجربة الوحدة المصرية السورية في 1958 والانفصال السريع بعد ثلاث سنوات, كما يؤكد الدكتور رؤوف عباس.. هناك كانت الفكرة العربية والحركة العربية وحلم الوحدة غالبا على وجدان الشعب السوري, بينما كانت شيئا هلاميا غير محدد المعالم عند الشعب المصري, بل ان ما حدث كان مفاجأة للمصريين لم يعدوا لها ولم يكونوا قد استوعبوا فكرة العروبة التي هبطت عليهم فجأة, وامتزج فهمها عند اجهزة الاعلام بخلطة جمعت ما بين الديني والقومى, سوريا كانت على تموج ساحتها السياسية باحزاب متعددة التوجهات, والعراق وحلف بغداد يتربص بها الى حد تدبير انقلاب عسكري في نفس توقيت العدوان الثلاثي, ضد الضباط السوريين الذين دعموا مصر خلال العدوان بنسف انابيب البترول. وجاء مشروع ايزنهاور 1957 الداعي الى انفراد الولايات المتحدة بالدفاع عن الشرق الاوسط ليزيد ويدعم الاتجاه المنادي بالوحدة مع مصر, وفي صيف 1957 تولى رئاسة اركان الجيش السوري ضابط شيوعي, فرأى الغرب في ذلك الى جانب تطورات اخرى, مؤشرا على تحول سوريا للشيوعية, وحشدت القوات التركية على الحدود مع سوريا وتجمعت قوات عراقية ايضا على الحدود معها, وعلى الفور قررت مصر ارسال اسطول مصري لدعمها وفي بداية 1958 طار الى القاهرة 14 ضابطا يمثلون مراكز القوى المختلفة في الجيش السوري يطلبون الوحدة مع مصر.. وطلب عبدالناصر ان يأتيه العرض من الحكومة السورية الشرعية, وعندما جاءه وضع عبدالناصر شروطا تصفى المسرح السوري من القوى العسكرية الضاغطة والمدينة على السواء, حتى لاتعتبر نفسها مصدر الشرعية السياسية لدولة الوحدة, وحرص على ان يستمد النظام الجديد شرعيته من الشعبين المصري والسوري من خلال الاستفتاء وبعد اختلافات صاخبة وافق البعث على شروط عبدالناصر مع الحصول على تأكيد شفوى بأن الاتحاد القومي التنظيم السياسي الوحيد لدولة الوحدة سوف يقام وتجرى الانتخابات له بعد قيام دولة الوحدة دستوريا, واثبتت الايام ان قادة البعث كانوا على قدر كبير من قصر النظر والسذاجة, فقد اراد عبدالناصر ان يصوغ نظام دولة الوحدة على نسق آخر.. لايسمح لهم بأن يتحولوا الى مركز قوة داخل التنظيم السياسي او داخل السلطة.. في تلك الاثناء انقد حماس الوحدة وسط الجماهير السورية ولم يعد بمقدور العسكريين او السياسيين ان يتراجعوا او يماطلوا في تحقيقها.. وتمت بعد استفتاء عام رشح فيه عبدالناصر رئيسا وقبله اقرار مجلس النواب في سوريا, ومجلس الامة في مصر اسس الوحدة.. وكانت النتيجة كاسحة لصالح الوحدة ورئاسة عبدالناصر.. وكان وصول عبدالناصر الى دمشق 4 فبراير مشهدا فريدا من مشاهد التاريخ العربي المعاصر, ومثار قلق للانظمة العربية التي نظرت بعين الريبة الى زعامة عبدالناصر مثل العراق والاردن والسعودية ولبنان, وجيران سوريا من غير العرب وخاصة تركيا التي حذر رئيس وزرائها عدنان مندريس الامريكان من خطورة عبدالناصر, وكتب ممثل بريطانيا في حلف الاطلنطي مذكرة عن (التوسع الامبريالي المصري.. اما الاتحاد السوفييتي فقد فاجأته الطريقة التي تم بها اعلان الوحدة, خاصة انها تضمنت تصفية لدور الحزب الشيوعي السوري, فضلا عن رؤية خروتشوف, الزعيم السوفييتي وقتها, المعادية للفكرة القومية عموما, والعربية خصوصا, على نحو ما اتضح جليا فيما بعد وقيام حملة علنية بين عبدالناصر وخروتشوف نتج عنها اعتقال عبدالناصر لجميع الشيوعيين في الجمهورية العربية المتحدة ليلة رأس السنة (57- 1958) وظلوا في السجون حتى 1964. بعد هذه الاطلالة التاريخية السريعة يؤكد الدكتور رؤوف عباس ان هدف الوحدة كان نبيلا يجسد امل الامة العربية في اقامة الدولة العربية الواحدة, ولكن اعلانها بهذه الطريقة جاء تلبية لضغوط خارجية وداخلية تختص بها سوريا, فكان الارتباط بين البلدين ضرورة امن قومي اكثر من كونه تحقيقا لهدف قومي, ولم تكن مصر مهيأة تاريخيا لهذا النوع من العلاقة, فبدأت متاعب التوافق والمواءمة تطل برأسها لتمهد الطريق الى انفصال مفاجىء. حكاية اسرائيل طريق للوحدة الدكتور رفعت سيد احمد يرى ان الصيغة الوحيدة القادرة على تحقيق حلم الوحدة العربية هي الاتفاق على مشروع الحد الادنى للدعم المادي المباشر للمقاومة العربية ضد اسرائيل في فلسطين ولبنان, بمعنى الاتفاق على مفهوم المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي وضد وجود اسرائيل, وتوجيه القوة ضدها كجانب اجرائي مباشر في عملية الوحدة العربية.. فلا معنى لاتفاق اقتصادي ثنائي او تحالف اقتصادي في ظل وجود اسرائيل في فلسطين, لان وجودها يقضي على اي مكونات للوحدة سواء كانت اقتصادية او سياسية او ثقافية.. علينا ان نبدأ بالجانب الاجرائي الصحيح والذي نمتلكه, وهو هنا حزب الله, حماس, الجهاد الاسلامي اذا تخيلنا الدول العربية اتفقت على الدعم السياسي والمادي العيني بلا شروط وتخلت في المقابل عن مشاريع الاهانة والتسوية.. ازعم ان ما نحلم به من وحدة عربية او سوق عربية سوق يتحقق تلقائيا لانه اتى على ارضية محددة.. فما نعنيه بالسوق العربية المشتركة او الاتفاقات الثنائية لم يحل دون وجود احتلال اجنبي او تمركز قوة اجنبية ضخمة واضحة في الخليج, صحيح ان هناك عقبات كثيرة كتوجهات الحكام او تبعيتهم, ولكن العقبة الرئيسية هي اسرائيل وكلما اوجعناها اتحدت الامة, على بند واحد محدد لان اي طموحات اخرى لتحالف ثنائي ستجهض طالما بقيت اسرائيل في المنطقة فهي تلخص جوهر التحديات لهذه الوحدة.. ايا ما كان مستواها ثقافي او اقتصادي او سياسي.. لو حيدنا هذه العقبة, لامكن انجاز الكثير في طريق الوحدة العربية وبمنتهى السهولة. الوحدة حلم قابل للتحقيقرفعت سيد احمد يقيم تجربة الوحدة المصرية السورية ويرصد جانبا ايجابيا فيها, وهي انها اول وحدة في هذا القرن تمت بشكل عملي بين دول عربية مركزية رئيسية, بما يؤكد ان الوحدة ممكنة, حتى ولو اجهضت بسرعة, فحدوثها يثبت انها ليست مجرد حلم غير قابل للتحقيق, وعن اهم سلبياتها يحدد الدكتور رفعت, انها تمت فوقيا وبقرار رئاسي من قبل الحكام, وليس من خلال تحركات مجتمعية, تقودها منظمات شعبية بلغة ذلك العصر, او منظمات مدنية بلغة ايامنا هذه. الدكتور محمد محمود الامام يرفض جملة وتفصيلا الكلام عن سوق عربية مشتركة او اتفاقيات ثنائية, (فالجات) كفيلة بتدميرها, ومنظمة التجارة الدولية تؤثر وتمنع قيام مثل تلك السوق بما تفرضه من فتح الاسواق العربية امام المنتجات الامريكية والاوروبية في ميزان مختل, وان خيارنا الوحيد هو الدولة العربية الواحدة, الكيان الواحد.. ولا مستقبل لنا بدونه. الوحدة الاندماجية انتهت الكاتب صلاح عيسى: المستقبلية للوحدة العربية تعتمد بالاساس على مراجعة العقبات والاخطاء السابقة, مع الوضع في الاعتبار ان انتهاء الاشكال القديمة للفكرة لايعني بالضرورة ان الفكرة خاطئة.. مثلا الشكل القديم للاشتراكية لايعني ان فكرة الاشتراكية في حد ذاتها خطأ او انها لم تعد ضرورية. الفكرة العربية صحيحة وضرورة ولابد ان تعبر عن نفسها وكما يقول صلاح عيسى, تحتاج الى رؤى جديدة مختلفة واكثر عصرية, ويضرب مثالا باتفاقية (ماستريخت) بين الدول الاوروبية.. نحن في حاجة الى شكل من اشكال الوحدة العربية القائمة على ادراك الفروق القطرية.. وآثار التجزئة والتعامل الايجابي معهما, والمحافظة على المستويات المتباينة للتطور الاقتصادي والاجتماعي اي المحافظة على الكيانات القائمة بشكل او بآخر.. ولكن وفي نفس الوقت اعطاء اكبر قدر ممكن من التنسيق والتعاون الاقتصادي والسياسي بين شعوب المنطقة وهذا ممكن.. (وماستريخت) تثبت ان بالامكان تحقيق مثل هذه المشروعات, من خلال العمل على مدى زمني طويل وبتخطيط هادىء.. والبدء حيث يوجد ادنانا او اقلنا قدرة على الفعل واكثرنا تحفظا على العمل المشترك, من خلال مشروعات للتعاون المشترك, مشروعات للتعاون السياسي.. تساعدنا على ذلك التقدم الهائل في تكنولوجيا الاتصال.. مرة اخرى اعادة النظر في انماط التعاون الاقتصادي وانماط تدفق العمالة غير المنظم واخضاع كل هذه العمليات لمنهج عقلي رشيد, وتخطيط سليم, اما الافكار القديمة التقليدية بتداء من الاجتياح او الاخضاع بالقوة والتي تنتمي لعهد علي بك الكبير ومحمد علي وانتهاء بالوحدة الاندماجية كما في حالة مصر وسوريا ايام عبدالناصر.. كلها لم تعد صالحة الآن. ناصر اصطدم باشكاليات تاريخية وعن تقييم الوحدة بين مصر وسوريا في 1958 يرى صلاح عيسى ان عبدالناصر اصطدم باشكاليات تاريخية لاعلاقة له بها, مثل الحساسية, عدم التوازن بين الدولة الكبيرة والدولة الصغيرة, ودراسة المشاريع الوحدوية قبل عبدالناصر وبعده تثبت ان الحساسية وعدم التوازن بين الدولة الكبيرة والدولة الصغيرة تلعب دورا جوهريا وانها عقبة اساسية, وكون مصر دولة كبيرة يرشحها دائما لان تكون حجر الزاوية لأي مشروع وحدوى, ويرشح الوحدة نفسها, ولنفس السبب ــ للفشل, لان الاطراف الاخرى ليست بنفس الدرجة من القوة. اما قراءة عوامل التجزئة الآن تكشف لنا انها عوامل حقيقية, وخطأ عبدالناصر في الوحدة العربية انه استجاب لعوامل آنية على حساب عوامل اكثر ديمومة.. هو اصلا كان مع فكرة الاتحاد الكونفدرالي لمدة خمس سنوات على الاقل للتمهيد, وكان ضد الوحدة الاندماجية لانه لاتوجد صلة ارض بين الدولتين مصر وسوريا وهي اكبر عقبة, وهناك تباين في الانظمة السياسية, نظام قائم على التعددية الحزبية والديمقراطية في سوريا والتنظيم الواحد في مصر.. سوريا بلد تجاري اساسا ومصر بلد زراعي صناعي.. عبدالناصر لم تكن لديه صورة واضحة عن سوريا.. بالاضافة الى عقبات اخرى, كالسلوك السياسي لعبد الناصر تحت مظلة تصفية خصوم عبدالناصر من المنطقة, ما كان يسمى آنذاك الخطر الشيوعي على سوريا وانها ستقع في قبضة الحزب الشيوعي ولابد من انقاذها, وهو خطر مبالغ فيه, ثم فكرة قالها عبدالناصر فيما بعد وهي طالما سأصبح مسؤولا عن سوريا في الحالتين الوحدة الكونفدرالية او الاندماجية يصبح الافضل ان اكون مسؤولا فعلا قبل عبدالناصر الوحدة على هذا الاساس وثبت بعد قيام الوحدة ان عبدالناصر تحمل مشاكل كثيرة بسبب قبوله بفكرة الوحدة الاندماجية.. خذ مثلا مشكلة الدولة الكبيرة والدولة الصغيرة ــ من البداية تشرب السوريون الاحساس بالضيق لان دمشق وهي مدينة اقدم من القاهرة واكثر عراقة في تاريخ المدن تحولت الى عاصمة ثانوية.. بالاضافة الى اعتماد عبدالناصر اكثر مما ينبغي على فكرة تحقيق الوحدة من خلال الفرد القوي او الزعيم الملهم الذي يعتمد على ماله من قابلية وكاريزمية لدى الناس.. صحيح انها عامل قوي في بناء الوحدة ولكنها لاتصمد امام تفاصيل الحياة اليومية تلمع وتبهر في المعارك الكبرى, ولكنها تتبخر في تفاصيل الحياة اليومية ثم الاعتماد على القوات المسلحة وشخصية عبدالحكيم عامر وشخصيات اخرى مثل عبدالحميد السراج, وما فعلته من تصفية الخصوم السياسيين في سوريا, فلم يبق الا من لا توجه له.. تصفية الشيوعيين بالتحالف مع البعثيين, وتصفية البعثيين بالتحالف مع الضباط المستقلين او من كانوا يسمون بالشوام, تم التحالف مع عبدالحميد السراج للاطاحة بالضباط الشوام, تبقى من لا انتماء له (السراج) اصطدم بعبدالحكيم عامر حول من الذي يحكم سوريا وبدأ يحرض ضد الوحدة مع مصر, وانتهزت العناصر الانفصالية الصراع بين عامر والسراج وقامت بالانفصال. الدكتور عبدالعزيزنوار استاذ التاريخ في جامعة عين شمس الدكتور عبدالعزيز نوار يبدأ بالتساؤل: ما صيغة العلاقات بين البلاد العربية في فترة ما بين الحربين العالميتين؟ ويجيب: هي ان يعمل الجميع تحت مظلة: كل شعب يحرر نفسه! اتفاقا مع طبيعة الوضع وطبيعة القدرات وطبيعة المناخ العام.. ولنراجع سريعا خطأ رفع شعار الوحدة العربية تاريخيا.. لكي نستخلص صيغة مستقبلية تراعى الاخطاء.. في البداية رفع شعار الوحدة شريف مكة الحسين بن علي الذي لم تكن له مكانة بين العرب ووجد الانجليز ان تجمعا عربيا قد يخدمهم خلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها, يتزعمه العراق. فالتقط النحاس الخيط واقام جامعة الدول العربية, واصبح هناك تنافس عراقي, مصري, سوري, مصري, اردني, مصري, وتشكلت المحاور المتضاربة, لان البناء قام على اساس غير قوي.. المطلوب اذن ان ننطلق من عوامل مقبولة, يخطط لها على يد زعامات رائدة, جذورها في الشعب, ذات ديناميكية معبرة عن رؤية شعبية تنفذها الزعامات.. لا ان تجلس القيادات كما جلست مع بعضها البعض في جامعة الدول العربية كقيادات قطرية في الهدف والتوجه.. المطلوب ان يغلب العمل الفعلي على الشعارات, وان نضع في اعتبارنا فلسفة العصر حتى تتمشى الصيغة المطروحة معها ولاتصطدم بها فتتحطم مرة اخرى وثالثة ورابعة.. فلسفة العصر هي تنافس الشعوب المنتجة حضاريا.. والتنافس هو اسهل شيء عند العرب.. وهم يتنافسون ــ ربما ــ فيما بينهم اكثر من تنافسهم مع الآخرين.. العديد من الشعوب العربية تحتاج الى ان تعلم انها شعب واحد متجانس بغض النظر عن العقيدة والارض.. تنافس الشعوب المنتجة هو ان يكون المواطن العربي عاملا منتجا ــ على الاقل ــ لادنى مستوى حضاري مقبول, ان يكون دخل السعودي ليس فقط من صادرات البترول.. وانما ايضا من عمله الزراعي والصناعي وليس فقط التجاري, فلقد اكتشف اليهود سر نكبتهم: بعدهم عن الزراعة فبنوا (الكيبوتز) وعمل فيه ابناء الاثرياء اليهود وعلى المثقف المصري ان ينزل الى ميدان الانتاج الزراعي لابسا الجوانت في يديه, والتزلك في قدميه.. يعمل بالتقنية المعاصرة, وينتهي دور الفلاح ضارب الارض بفأس فرعون, وينسحب هذا على بقية البلاد العربية الغنية منها والفقيرة.. العمل الانتاجي للدولة الغنية والفقيرة على السواء هو العمل الحضاري, وهذا هو السبيل للوحدة من وجهة نظري, لانه اذا اجتمعت عناصر الحضارة الحديثة عند الجميع, اقتربوا تلقائيا فيما بينهم, حتى لو وضع المستعمر قوته كاملة ضدهم لن ينجح في اجهاض وحدتهم.

Email