نافدة: الورقة الكردية في الأزمة العراقية: بقلم - سعيد السبكي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لعب الغرب بالورقة الكردية عقب اندلاع أزمة الخليج بصورة كبيرة وواضحة, ولوحوا بها كعصا تهديد للعراق عن طريق مساعدة الحركة الانفصالية الكردية في الشمال سواء بالتأييد والمساندة او حتى بالصمت على محاولاتهم المتكررة لاسقاط نظام الحكم العراقي , وعندما دخلت الازمة العراقية مؤخرا مرحلة الخطر الحرجة, بدأت تتردد في الاوساط السياسية الدولية الاحاديث خاصة في امريكا والدول الاوروبية المؤيدة للسياسة الامريكية حول مسألة الاكراد, وتحويلها من حركة انفصالية الى حركة تحررية, وقد خرجت اصوات تنادي بحل هذه المشكلة باستقلال الاكراد بشمال العراق وانفصالهم تماما عن الدولة العراقية, مستندين في ذلك على طول الصراع والحركات الانفصالية التي بذلها الاكراد منذ انضمام الجنوب الكردستاني الى شمال العراق عقب انتهاء الحرب العالمية الاولى وممارسة السلطة العراقية للسياسة القمعية لاخماد هذه الحركات بقوة وعنف. وبالطبع فان دافع هذه الاصوات هو ما آلت اليه العراق من ضعف, وانهيار في القوة صورت لهم فشل العراق في الهيمنة على شمالها بشكل حاسم كما كان عليه الامر قبل فرض حصار الثمانية اعوام ومن قبلها الضربة الامريكية للمواقع العسكرية والحيوية في العراق, وفي دول كبريطانيا وبلجيكا وهولندا, تم رفع قائمة المحظورات على نشاط اعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني واعضاء الحركة القومية, وسمحت هذه الدول وغيرها لهؤلاء باقامة اجتماعاتهم ومنتدياتهم الحوارية لتنمية الدعوة الانفصالية, بل سمحت لهم لأول مرة بحق التظاهر والمناداة بمطالبهم علانية رافعين شعارات التحرر والاستقلال, وبعد ان كانت هذه الانشطة محظورة وتصل الى حد التجريم على الاكراد تحت دعوى الحفاظ على المجتمعات الاوروبية من حدوث نزاعات كردية عراقية او كردية تركية, فقد زال هذا الخوف فجأة وتركت اوروبا للأكراد الحبل على الغارب, وأباحت لهم حرية الاشتباك احيانا مع العراقيين والاتراك داخل المدارس, ولكن مع مراعاة التدخل في الوقت المناسب لفض الاشتباك قبل تطوره وتأثيره بالفعل على امن المجتمع الاوروبي, واذا كانت هذه الاصوات الاوروبية المنادية بانفصال الشمال عن العراق كدولة او جزء من دولة مستقلة للاكراد تندرج تحت الخطة الامريكية الصهيونية الرامية الى تقسيم العراق الى ثلاث دويلات واحدة منها للاكراد والأخرى للشيعة والثالثة للسنة فاننا وبنظرة موضوعية سنحاول ان نكون حياديين في تناول المسألة الكردية بعيدا عن اهداف التقسيم والخطة التي تدفعها الصهيونية للتنفيذ في الدولة العراقية. يشير التاريخ الى ان الاكراد كانوا شعبا يمكن تصنيفه بالهند اوروبي وجد منذ ثلاثين قرن من الزمان وقد اقام هذا الشعب فوق ارض في منطقة الشرق الاوسط عرفت بكردستان لكن لم يتوافر لهم في الواقع كيان سياسي مستقل يمكن تسميته دولة او امة مستقلة, رغم انه كانت لهم ثقافتهم وحضارتهم ولغتهم الخاصة, ويتحدثون لغة خاصة بهم وهي تشبه اللغة الفارسية, وبعد انفصال اجزاء كردستان كما سيلي ذكره اصبحت هذه اللغة تكتب بالحروف العربية الابجدية داخل كردستان العراق وايران وسوريا في حين تستخدم فيها الابجدية اللاتينية في تركيا وتعدادهم يصل الى 38 مليون نسمة النسبة العظمى منهم في تركيا. وقد وقعت كردستان تحت سطوة الامبراطورية العثمانيةكسائر الدول الاخرى, ولكن بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى وانهيار الامبراطورية العثمانية والتي تم مواجهتها بمصالح الدول الاستعمارية التي كانت تتقاسم البلاد وتقاسمت الثروات وغنائم الحرب, وعندما انعقد مؤتمر الصلح بباريس ونجحت حركات تحررية لعديد من الدول بموجب هذا الصلح في الحصول على استقلالها عن الامبراطورية العثمانية كشعوب البلقان والشعوب العربية والارمنية, شملت نصوص المعاهدة حصول الاكراد على استقلالهم لكن وصول مصطفى كمال اتاتورك الى حكم تركيا وتصارع الدول المنتصرة في الحرب على تقاسم الغنائم اسقط المسألة التنفيذية لهذا الاستقلال ولم يرد ذكر الاكراد بعد ذلك في معاهدة لوزان عام 1923 التي عقدت بين تركيا والحلفاء, وبموجب هذه الاتفاقية حدد مصطفى كمال خارطة تركيا الحديثة يتضمنها شمال كردستان وكنتيجة لعدم وجود كيان سياسي حقيقي للاكراد فقد تقسمت ارضهم بحكم موقعها ووفقا للخريطة الجغرافية والحركات التحررية بين تركيا وايران والعراق وسوريا واصبح كل جزء خاضع لكل حكومة من هذه الحكومات الاربع. ولعل الذي يهمنا في هذا الطرح هو تاريخ الاكراد مع العراق تمشيا مع الازمة الحادثة, هذا التاريخ الذي بدأ في الواقع منذ عام 1931 حين تشكلت الدولة العراقية الحديثة تحت الانتداب البريطاني, فقد حاولت بريطانيا المنتدبة ان تضمن مصالحها في بترول كركوك فضمت جنوب كردستان (ولاية الموصل) والتي هي في نفس الوقت شمال العراق الى العراق كنوع من الترضية للعراق لضمان الانتفاع بالبترول ولم تستجب بريطانيا لمطالبة تركيا بهذه الولاية, كما حاولت في نفس الوقت ترضية الاكراد فاصدرت بيانا مع ملك العراق فيصل الاول يمنح الاكراد الحق في اقامة حكم ذاتي لهم داخل العراق وكان هذا من ضمن شروط انضمام ولاية الموصل الكردية الى الدولة العراقية الجديدة من ضمن شروط انضمام العراق الى منظمة عصبة الامم في حين اصبح شرق كردستان من نصيب ايران بعد انسحاب الروس المحتل منه وقد قضى رضا شاه على الثورات الانفصالية في شرق كردستان, اما في سوريا فقد الحقت الجزيرة الكردية بسوريا سنة 1921 وشكلت منطقة الجزيرة الكردية امتدادا لاقليم الجزيرة الكردية في كرستان تركيا وذلك بعد ان تم وضع شمالي بلاد الشام تحت الانتداب الفرنسي تطبيقا لمعاهدة سايكس بيكو واتفاقية مؤتمر سان ريمو. ولم يقبل الاكراد في تلك المرحلة مسألة الانضمام المتفرق للدول الاربع (العراق وتركيا وسوريا وايران) فاشتعلت حركات تطالب باستقلال الاكراد والاندماج الكامل للاراضي الكردية اسوة بما حدث في الحركات الاستقلالية الاخرى, في الوقت الذي كان فيه الاكراد يذوبون بالفعل في مجتمعات الدول التي صاروا جزءا منها ويحصلون على ذات حقوق المواطنة لا فرق بينهم وبين اي مواطن آخر, وقد دفع الخوف من تحقق هذه المطالب التي ينادي بها الاكراد الى توقيع عدة معاهدات بين تركيا وايران ثم بغداد لمقاومة الحركات الانفصالية للأكراد بعد ان اصبح هذا الشعب المتفرق اجزاءا مندمجة داخل هذه الدول. ويبقى السؤال الآن قائما هل يمكن ان تسفر ازمة العراق عن انفصال شمالها عن جنوبها وهل تعني القوى الغربية بالفعل مساعدة الاكراد في عملية الانفصال ام انها مجرد ورقة للضغط او التهديد للعراق تلوح بها هذه القوة لاخضاع العراق لمطالبها وان هذه الورقة ستكون عديمة القيمة اذا ما انتهت الازمة العراقية بسلام ونجحت الجهود الدبلوماسية في نزع فتيل الحرب خاصة وان اجواء من التفاؤل تلوح في الافق مع مبادرة كوفي عنان وزيارته لبغداد. انه سؤال سوف تجيب عنه الاسابيع القليلة المقبلة, غير انه من المؤكد ان توجيه اي ضربة عسكرية امريكية للعراق ستكون الخطوة الاولى الحاسمة لانفصال الاكراد وتقسيم العراق, ومن المؤكد ايضا ان الغرب سيعيد وضع ملف الاكراد في الادراج وسيجرم تجماعتهم الحزبية ومظاهراتهم من جديد اذا ما انتهت الازمة العراقية على خير, لأن المحرك لهذه المسألة هو نوعية وكم المصالح الغربية بشكل بحت في المنطقة, وليس الحق الكردي التي تبنته القوى الغربية فجأة الا ورقة ضغط وعصا تهديد للعراق.

Email