صدام وكلينتون... ومحاولات خداع العالم- بقلم كبير كتاب (الواشنطن بوست): جيم هوجلاند

ت + ت - الحجم الطبيعي

ينهمك صدام حسين في انتهاج دبلوماسية زائفة في حين يخطط بيل كلينتون لحملة عسكرية لا يؤمن بها. وكلاهما يسعيان لخداع العالم وخداع بعضهما بالتظاهر وادعاء عكس ما هو عليه فعلا, وهذه هي روشتة سوء التقدير الهائل والكارثة في الخليج العربي . فعلى عكس كلينتون ومعظم قادة العالم اليوم فان ديكتاتور العراق يؤمن بفائدة الحرب وليس بالحلول الدبلوماسية لمشاكله. فهدفه هو كسب ميزة عسكرية بانتهاج الخداع الدبلوماسي او اذا احتاج الامر تحدي الهجمات الامريكية التي ستفكك التحالف الدولي الذي كبح تصرفاته وتحركاته على مدار سبع سنوات. ولتحقيق ذلك نصب صدام فخا بارعا حيث شد الانتباه عمدا نحو المفاوضات الدبلوماسية على القصور الرئاسية الفخمة الموزعة في انحاء العراق, فهذه المواقع اعلنت خارج حدود المراقبين التابعين للامم المتحدة الذين يبحثون عن الاسلحة الذرية والبيولوجية والكيماوية. وعلى مدار الاسبوعين الماضيين, راهن العراق على المفاوضين الفرنسيين والروس وذلك باظهار المرونة فيما يتعلق بدخول القصور الرئاسية. فبغداد وموسكو وباريس تقوم بشكل مشترك بوضع اللحن الراقص للفقرة الدبلوماسية الختامية والتي تقدم فيها بغداد تنازلات بشأن القصور للأمين العام للامم المتحدة كوفي عنان والذي سيصبح عندئذ الشخصية الرئيسية فيما تهتم به بغداد في واقع الامر الا وهو تكوين ومدى عمل فرق التفتيش للجنة الخاصة (يونيسكوم) التابعة للامم المتحدة. ففي هذه النقطة لا يظهر العراقيون مرونة فالتخلص من او تكبيل حركة المفتشين الامريكيين المزعجين بتلك الفرق والذين يستهدفون المعدات التي يخفيها صدام هي الهدف الاول للديكتاتور, فصدام يمكنه الاستمرار في صنع واخفاء اسلحة للدمار الشامل بالعشرات ان لم يكن بالمئات في مواقع صغيرة وغير معروفة في حين تضيع فرق التفتيش الجديدة والاكثر انصياعا الوقت في البحث في مواقع مفتعلة ومزيفة بقصور صدام. وفي اشارة لنوايا صدام الحقيقية يواصل المسؤولون العراقيون ووسائل الاعلام حملة التشهير الخبيثة ضد سكوت ريتر الذي عمل من قبل بالبحرية والذي ادت عمليات التفتيش التي نفذها عن الاسلحة البيولوجية المخبأة لدق اجراس الانذار في بغداد الصيف الماضي واثارة الازمة الحالية, والوسيلة الوحيدة لعودة الوضع الراهن الى ما كان عليه هو عودة ريتر للعراق واستئنافه لعمليات التفتيش التي منع منها بسبب طرده, فالتلويح بفتح ابواب قصور الاحلام لصدام لا يجب ان تطغى على تلك المسألة. ولكن هل عدم تحقيق شيء اكثر من العودة للموقف الذي كان قائما قبل نوفمبر يعد في حقيقة الامر نتيجة تفاوضية مقبولة لكلينتون؟ فهل يوافق كلينتون على الا يتعرض صدام لعقوبة في حين ان دافعي الضرائب الامريكيين والذين يتولون وحدهم دفع فاتورة مثل هذا الانتشار الطارىء للقوات ومعهم القوات الامريكية التي توضع في طريق الخطر هم الذين يدفعون في تلك الازمة؟ فأخطار مثل هذه النتيجة اصبحت محل قلق عميق في مناقشات البيت الابيض واوضحت سبب الموقف المتشدد الذي اتخذته واشنطن حيال ما يمكن لكوفي عنان التفاوض عليه في بغداد, فالعقبة الكأداء في مشاورات الاسبوع الحالي بالامم المتحدة كانت اصرار الولايات المتحدة على انتهاج آلية الضغط على الزناد في اي قرار جديد لمجلس الامن يقضي بأن ينزل عقابا اوتوماتيكيا لو غير صدام مرة اخرى موقفه من قرار التفتيش (كما سيفعل). وما يشير لافتقار كلينتون للايمان بالحملة العسكرية التي يخطط لها هو البيانات الامريكية عن الاستعداد لضرب صدام بقوة في اي هجمات مستقبلية. فبيانات كلينتون وفريقه للأمن القومي تتحدث ليس فقط عن الضربة العسكرية التي هم على وشك توجيهها بل كذلك عن توقعاتهم بالعودة مرة اخرى وتكرار الضربة عندما يفشلون مجددا في ازاحة صدام او اضعاف قدرته على تحدي الامم المتحدة مع الافلات من العقاب السياسي. وكرر كلينتون استعداد الولايات المتحدة (لضربه مرة اخرى) وذلك في خطاب غريب يعوزه الحماس بالبنتاجون يوم الثلاثاء الماضي والذي اوضح فيه انتهاكات وآثام صدام كما لو كان يكتشفها للمرة الاولى, فالتهديد بضربه مرة اخرى يتجاهل عامل جوليان وهو العامل الذي كان موجها لكلينتون في شبابه عندما تظاهر ضد الطبيعة غير المتجانسة للعمل العسكري الامريكي في فيتنام, فالولايات المتحدة تفقد سريعا السلطة الاخلاقية التي امتلكتها ذات مرة لشن حرب ضد العراق متى وكيف تختار وذلك باسم الامم المتحدة, فتلك هي الفرصة الوحيدة المؤكدة لكلينتون كي يعاقب ويردع ويضعف صدام بأساليب عسكرية مهمة. فمن اجل هذا يكون السبب الذي يمكنه من قبول تسوية دبلوماسية لا تقل عن ضمان عودة سكوت ريتر غير المفيدة الى بغداد, واذا لم يمكن تحقيق ذلك, فعلى كلينتون ان يتعامل مع الضربة العسكرية كلما لو كانت الطلقة الوحيدة على صدام التي يجب الاستفادة منها على أكمل وجه, فيجب على كلينتون الا يخدع نفسه مرة اخرى بشأن العراق بالتفكير بامكانية ضربه في وقت لاحق. فمثل هذا الخداع للنفس هو الذي جعله يصل الى نقطة حاسمة لم تكن مرغوبة أبدا.

Email