حزب الاتحادي الديمقراطي السوداني ينهي مؤتمرا بالخليج: قياديون في الداخل يتحدثون عن الوحدة الغائبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحزب الاتحادي الديمقراطي, هو احد اكبر احزاب السودان, واكثرها عراقة .. الا ان هذا الحزب الذي تأسس في الخمسينات يموج الآن بتحركات كثيرة, لمواجهة ما يصفه محللون بـ (تصدع تنظيمي) يجتهد اقطاب الحزب وكوادره بنفيها . ويتعرض الحزب الذي يتزعمه محمد عثمان الميرغني رئيس تجمع المعارضة منذ زمن طويل يتجاوز العقدين لهجمات من خصومه وانتقادات من داخله, لما يوصف بغياب المؤسسات داخل الحزب, والتي ان وجدت فانها تكون موسمية وتأخذ الطابع (الكرنفالي) والحزب متهم بتداخل اختصاصات قادته, وتعدد الوظائف التي يتولاها الشخص الواحد. وبلغت الانتقادات والمماحكات للحزب الاتحادي ذروتها مع بقاء الشريف زين العابدين الهندي في منصبه كأمين عان للحزب رغم انشقاقه عن المعارضة وعودته الى الخرطوم . وهكذا بدأ الاتحاديون الذين تتطاير عليهم السهام تحركا سريعا وان بدا متأخرا لـ (تأطير) حزبهم, او (ترميمه) كما قال الحاج مضوي محمد احمد الذي تطلق عليه الصحافة لقب (شيخ المعارضين) . وتجمع عدد من زعماء الحزب في مدينة خليجية لعقد مؤتمر للحزب تأخر طويلا, وتهيمن عليه مسألة الوحدة الغائبة. (البيان) استشرفت التحركات الاتحادية, لتفتح جراحات الحزب (الكبير) المترهل, واستطلاع اراء قياداته, وهي مهمة نادرا ما تنجح فيها صحيفة بالنسبة للحزب الاتحادي الذي يفضل زعماؤه عادة (المداراه) وعدم الغوص في مشاكل الحزب المزمنة. وقد التقت (البيان) في هذا الخصوص باربعة من زعماء الحزب بالداخل, وهم نائب امينه العام سيد احمد الحسين, والمحامي علي محمود حسنين القيادي الفاعل بالحزب, فضلا عن بشير محمد خير واحمد الطيب بابكر القياديين البارزين في الحزب. ورغم ان الزعماء الاربعة سعوا جهدهم لتأكيد وحدة الحزب الا ان الحوارات لم تخل في جانب منها من هجوم يشنه طرف على آخر, مثلما فعل سيد احمد الحسين الذي وجه انتقادات قاسية للهندي حيث اعتبره (صنيعة للنظام) الذي استقدمه من المنفى لشق صفوف الاتحادي ولفظه الآن لما فشل في هذه المهمة) . وهنا محصلة هذه اللقاءات: كانت بداية لقاءات (البيان) مع سيد احمد الحسين الذي اكد تماسك الحزب ووحدته وصموده امام كل المحاولات لزرع الفتنة والشتات في صفوفه, واكد الحسين بلا تحفظ ان كل قيادات الحزب تقف مع رموزه التي تقدو المعارضة في الخارج, يقول: مما يؤكد تماسك الحزب ان كوادره بالداخل تقود بعمل سياسي نشط ولهذا يتعرضون للاعتقال والمساءلة باستمرار, وزاد القول لا اود الاشارة ولو تلميحا الى نشاط الحزب السري, ولكن الثابت ان الحزب لم يتأثر بالظروف الاستثنائية ولم يتعرض لاي انشقاقات كما يحدث في مثل هذه الاحوال لاحزاب اخرى داخل السودان او حتى خارجه, واعتبر الحسين ان ذلك يعود لان الاتحادي متمدد في كل انحاء البلاد, مشيرا الى ان اكبر دليل على هذه الوحدة ان قيادته تقود العمل الخارجي وكوادره ناشطة في الداخل مما يؤكد ولاءها للقيادة خاصة اذا كانت هذه القيادة متجرده, لان جماهير الحزب تنفر كما قال من اي قيادي يقترب من اي نظام شمولي, وتقف مع المناضلين الحقيقيين ومع القيادات الثابتة على مبادئها, وقال الحسين انه يريد ان يؤكد عبر (البيان) بلا ادنى تحفظ انه في هذا الوقت بالذات لا يوجد اي خلاف بين الاتحاديين بل وهناك اتحاد كامل في القيادة والقاعدة . وسألت (البيان) الحسين عن الشريف الهندي ومجموعته وما اذا كان ذلك لا يمثل خروجا عن هذه القاعدة فقال بالحرف ( كما اوضحت فان الجماهير تنفر عادة وتعزل اي قيادي يقترب من هذا النظام ويقوم بمبادرة للوفاق معه, خاصة في ظل رفض تام من الحزب للنظام الحالي وترفع شعار اجتثاته من جذوره, والحقيقة ان مبادرة الهندي تتبناها الحكومة بهدف شق الحزب الاتحادي. ولهذا قررنا منذ البداية عدم مناقشة مبادرة الهندي او حتى التعرض له حتى لا تتيح للنظام الفرصة للرد نيابة عن الهندي, وتركنا الحكم على المبادرة للجماهير التي كان ردها واضحا بتجاهل المبادرة وزاد الحسين يقول : وبالفعل لم يجد الهندي تجاوبا من الجماهير بدليل انه لم ينفذ برنامجه بالطواف على الاقاليم حيث تنتشر قواعد الحزب اكثر من العاصمة وبدليل ان الحكومة حاولت انقاذ ماء وجهه بتكوين هيئة اخرى للمبادرة باسم (لجنة الفكر الوطني) لم يعرف رئيسها الهندي من اين تبدأ ولا اين تصب قراراتها, واعتبر الحسين ان الدلائل تؤكد ان الحكومة تخلت عن الهندي بعد ان اخفق في مهمته الاساسية بشق الحزب الاتحادي الديمقراطي كما قال. * اللقاء الثاني لـ (البيان) كان مع المحامي علي محمود حسنين وهو احد القيادات الفاعله للحزب الاتحادي والذي قام بعد سقوط نظام الرئيس الاسبق النميري بتكوين حزب آخر باسم (الوطن الاتحادي) , ولكنه عاد فيما بعد للحركة الاتحادية. ودافع حسنين خلال اللقاء عن وحدة الحزب, وقال ان الجميع - الآن - تحت راية الحزب الاتحادي لان الظروف التي تواجه البلاد صعبه بعد انهيار النظام الديمقراطي ولان الاولوية لاسترداد الحرية. وقال حسنين فان الاتحاديين توحدوا تجاه هذا الهدف ويعملون من اجله ولم يعد هناك مجال لاتجاهات او تيارات ناهيك ان تكون هناك خلافات او انشقاقات معتبرا ان اي اتحادي لا يقف هنا في هذا الخندق تعتبره جماهير الاتحادي خارجا عن الاجماع. وسألت (البيان) حسنين عن الخلاف الكبير مع الشريف الهندي فاجاب بالقول: انه لايود الحديث عن اشخاص بل عن مبادىء ومواقف وعاد مرة اخرى ليؤكد ان الحركة الاتحادية لم يعد فيها اي خلاف, وشعارها اعادة الديمقراطية وكل من يعمل لهذا الهدف يجد التأييد من جماهير الحركة ويحتل مكانة في القيادة وفقا لعطائه وبلائه, ومن هنا كان حكم الجماهير على مبادرة الهندي دون ان يخوض في طبيعة هذا الحكم او حيثياته. وسألت (البيان) حسنين عن اسباب انشقاقه عن الحزب في السابق وحيثيات عودته اليه فقال ان خلافاتنا السابقة انحصرت في كيفية ممارسة هذه الديمقراطية داخل الكيان الاتحادي وكان رأينا ان يكون الولاء للمؤسسة (الحزب) وان يطغى هذا الولاء على الولاء للافراد والرموز, وذلك حتى تتمكن المؤسسة من افراز قيادات متجددة متنوعة والا تنتظر الجماهير الالهام من القيادات حتى بعد وفاتها, ومن هنا اعلنا موقفنا لمزيد من التمايز, لكن حسنين قال ان اي خروج عن الحزب الاتحادي الديمقراطي ليس خروجا عن الحركة الاتحادية واذا كان حزب الامة يطرح (ان كل انصاري حزب الامة, وليس كل حزب امة انصاريا, فاننا نقول ان (كل وطني اتحادي ديمقراطي وكل اتحادي وطني) . وزاد حسنين بالقول كل لافتات الاتحاديين التي كانت مرفوعة باسماء مختلفة اسماء ومصطلحات لتاريخ واحد, واصبحنا الآن جميعا تحت راية الحزب الاتحادي الديمقراطي خاصة وان البلاد تواجه ظروفا صعبة بعد انهيار النظام الديمقراطي ولهذا فان الاولوية لاسترداد الحرية والنظام . جبهة احزاب القيادي بالحزب احمد الطيب بابكر, كان له توصيف آخر للمسألة اذ قال ان الحزب الاتحادي في الحقيقة وبطبيعة تكوينه يعتبر (جبهة) فقد انصهرت فيه منذ تأسيسه احزاب وكيانات الاتحاديين والاشقاء ووحدة وادي النيل وحزب الجبهة الوطنية وحزب الاحرار, وقد تم توحيد كل هؤلاء في الحزب الوطني الاتحادي بجهد من ثورة يوليو عند تفجرها في مصر, ومع ذلك ظلت هناك تيارات داخل هذا الحزب مابين الاشقاء الذين ينادون بتعامل الند للند مع رمصر وجناح نور الدين الذي يطالب بالاندماج التام مع القاهرة بينما يطالب الاحرار الاتحاديون بالكونفدرالية مع مصر. وزاد احمد الطيب يقول الحزب الاتحادي الديمقراطي بطبيعة تكوينه لا يميل للعمل السري ولا للعنف ويلجأ الى مقارعة الحجة والرأي والفكر, واذا كانت هناك اي وجهات نظر مخالفة فانها تناقش في الهواء الطلق او في اطار دستور ولوائح الحزب ولدى مواجهته بان القائدين العسكريين شنان ومحيي الدين احمد عبد الله, وهما من الاتحاديين حملا السلاح لاعادة تغيير شكل نظام الجنرال عبود قال الطيب ان الحركة العسكرية المفاجئة لم يكن هدفها ان يصل الحزب الاتحادي الديمقراطي الى السلطة او املاء برنامجه على النظام القائم, ولكن لانه تم تخطيهما في تكوين المجلس العسكري الاعلى الحاكم فقاما باعادة ترتيبه وأؤكد تاريخيا وحتى اليوم انه لا توجد للحزب الاتحادي الديمقراطي مجموعة وسط القوات المسلحة ولا يفكر في هذا, ويشهد التاريخ ايضا ان بعض الضباط عندما اتصلوا برئيس الحزب اسماعيل الازهري للقيام بانقلاب رفض وقال انه سيقدمهم للمحاكمة. وحول سؤاله بان الحزب الآن يرفع السلاح في وجه السلطة القائمة؟ قال الطيب, هذا يتم في اطار جبهة وطنية شاملة كما حدث خلال حكم النميري لمواجهة انظمة ديكتاتورية, ولكن لا ولم ولن يحدث اطلاقا ان يقود الحزب انقلابا او يؤيده ضد نظام ديمقراطي. وردا على سؤال حول الاتهامات الموجهة للحزب بانه يفتقر الى الحداثة في مؤسساته وليست له امكانات قطاعية او مكاتب خارجية او مراكز للدراسات وغيرها, قال الطيب ان بعض الاشخاص كان يقوم رئىس الحزب او سكرتيره بتفويضهم للقيام ببعض المهام, التي يتطلب فعلا ان تقوم بها مكاتب او لجان وان تكون هناك مراكز للدراسات والاعلام والوثائق امانات متخصصة للعلاقات العربية والافريقية وغيرها, بدلا من الاعتماد على التكليفات مهما كانت خبرتهم وكفاءتهم, وكما اننا نسعى للحفاظ على وحدة الحزب الاتحادي الديمقراطي واشاعة الديمقراطية اكثر فيه, فان المهمة الكبرى ايضا هي تطور الحزب واجهزته ليواكب العالمية المتلاحقة من حولنا, وهذا يعني تجديد كل البنيات القائمة والاضافة اليها, واذا كانت هناك عناصر لا تقبل التجديد يمكن اقناعها , على الاخذ في الاعتبار ان مثل هذه الحيوية التي ستشيع في اوساط الحزب يمكن ان يفسرها آخرون بانها انشقاقات ولكن بالنقاش يمكن تجاوز هذا الاعتقاد. مراجعة بشير خير القيادي في الحزب بشير محمد قدم مرافعة حارة عن الحزب ووحدته, قائلا ان الاتحادي هو الحزب الوحيد المعروف بعقد مؤتمره العام في عيد الاضحى من كل عام بلا تأخير, وفي ذات المناسبة تنعقد مؤتمرات الاقاليم, ولانه حزب جبهة جماهيرية عريضة . وزاد حتى يقول استطيع ان اؤكد اليوم ان الحزب متحد بالكامل ولا توجد اي خلافات يمكن ان تضعف بهذه الوحدة, ولكن هذا لا ينفي ان هناك وجهات نظر في بعض القضايا, ولكن الثابت ان القاعدة موحدة, ولا تجد من يقول هذا جناح فلان او هؤلاء مجموعة علان, وتحديدا اؤكد ان علي محمود حسنين لم يعد يرفع لافتة (الحزب الوطني) كما حدث بعد الانتفاضة التي اطاحت بنظام النميري, وان مكانه بارز حاليا وسط الاتحاديين وعلى الساحة السياسية من داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي, اما القيادة السياسية التي كونها احمد زين العابدين بعد الانتفاضة ايضا فقد تلاشت واحمد زين كما هو حال الدكتور حسين ابو صالح يتعاملان مع النظام والمؤكد ان احمد زين وهو الذي قام بعزل نفسه من الحزب, بينما يعتقد الدكتور ابو صالح امكانية الوفاق بين الاحزاب والنظام وذلك حسب معتقدات يؤمن بها من خارج الحزب. وردا على اتهام بان الحزب الاتحادي هو (حزب تجار) قال خير ان الحزب الاتحادي في الحقيقة هو (حزب الجلاية) اي صغار التجار المنتشرين في كل انحاء السودان. ولهذا تغلغل الحزب في الريف, كما ان التعاون بين الطائفية الدينية والحزب كان فه دور كبير في توسيع قاعدة الحزب وزاد. ليتأكد هذا الانتشار فان الحزب فاز في انتخابات الاستقلال بخمس من دوائر منطقة جبال النوبة الخمسة والدائرة السادسة فاز فيها ورشح حزب آخر بفارق صوت واحد, وهذه المنطقة هي التي عناها الكاتب البريطاني انتوني مان بعنوان مؤلفه (عندما ضحك القدر) وذلك من شدة تخلفها. الخرطوم - يوسف الشنبلي

Email