حدث وحديث: أخبار منسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

…عض كلب رجلاً .. هذا ليس خبراً …عض رجل كلباً .. انه الخبر بعينه ! تبدو هذه النظرية الصحافية القديمة التي يعرفها حتى تلاميذ الابتدائية, في حاجة إلى إعادة صياغة جوهرية, في هذا (الزمن الأمريكي) المختل العقل, الذي تغيرت فيه أحوال سكان الكرة الأرضية, وجن جنونهم.. فالرجال باتوا ــ الآن ــ يعضون الكلاب في أسبانيا والسودان وأمريكا وأمكنة أخرى, كما ان هناك من الرجال من يذهب أبعد من ذلك, فلا يكتفي بعض الكلاب فحسب... بل ويلتهمونها مشوية أو مقلية أو مسلوقة.. لا يهم. وهكذا بات زمن (سي. ان. ان) واخواتها يعج بأخبار الرجال العضاضين, حتى باتت مثل الهم على القلب, وتحولت إلى مجرد (خبر) طريف لا يرقى إلى مرتبة (الحدث) غير ان (عضاضين الكلاب) ليسوا هم وحدهم الذين (فاتهم القطار) , فالعرب أيضاً دخلوا هذا (المولد) من أوسع أبوابه, الا ان المأساة, هي أن (سي. ان. ان) وحتى طيبة الذكر (بي. بي. سي) لم تكن هي من طبقت عليهم (نظرية العض) , بل ان العرب وأجهزة اعلامهم وفضائياتهم الكثيرة هم الذين جنوا على أحداثهم الجلل ومصائبهم التي لا تحصى. فالأنباء التي تقيم الدنيا ولا تقعدها أو يفترض فيها أن تفعل هذا الفعل, باتت تمر مرور الكرام, وكأن شيئاً لم يحدث, بل وتنزوي أحياناً في (كعب) نشرة الأخبار أو في ركن ناءٍ من صفحة التتمات. القائمة طويلة من هذا النوع: - القوات التركية تدخل شمال العراق. - القوات التركية تخرج من شمال العراق. - الموت المجاني يحصد رقاب الجزائريين... جزاً بسكين أو بفأس أو برصاصة. - غارة اسرائيلية على جنوب لبنان وأخرى على تخوم العاصمة بيروت. - جنود اسرائيليون يتحرشون بزوجة ياسر عرفات. - اقتتال سوداني ــ سوداني يبدو بلا نهاية. - الموت مستمر في الصومال وهذه المرة بفعل الفيضانات. - انقلاب في جزر القمر بقيادة مرتزق فرنسي. - أطفال العراق يموتون بالجملة والقطاعي لانهم آمنوا بأن رأس بيل كلينتون لا يصلح قمراً للصحراء العربية. وتبدو قائمة (الأخبار اللا اخبار) العربية طويلة طول حبل الصبر الأيوبي, والسبحة تكر هنا وهناك ولا أحد يحرك ساكناً... والدهشة باتت فعلاً يشابه (الغول والعنقاء والخل الوفي) . غير ان الكابوس الدموي الطويل في الجزائر, وهو آخر حلقات هذه السلسلة الجهنمية, يبدو ساخناً ومروعاً بما يكفي لمحاولة سر أغوار حالة اللامبالاة العربية المزمنة, أو هذه الغيبوبة المأساة. فما يحدث في هذا البلد العربي (الرائع أهله) قميء ومقزز, لكن ما يحزن القلب, ويفطر الفؤاد هو صمت العرب شديد التبلد تجاه اخوانهم الذين يقتلون بالجملة, بينما يهب الغرب والطرزان الأمريكي لنجدتهم واقالة عثرتهم. بعد مذابح رمضان التي حصدت ألف قتيل ونيف (فقط) . العنف في الجزائر يتسارع ايقاعه لدرجة ان الزعماء الذين تعودوا ارسال برقيات التعازي إلى نظرائهم الذين تتعرض بلدانهم لكوارث طبيعية أو ارهابية, ما عادوا قادرين على ملاحقة الايقاع الصاخب والمتسارع للموت المجاني فصاموا عن البرقيات وهذه أضعف الايمان. وعوداً على بدء, حصد الموت ألف جزائري... لم يعد خبراً) !! .. يا عيب الشوم.. بقلم : محمد خالد أبو نوره

Email