أمريكا والعراق... وأهداف الضربة المحتملة

ت + ت - الحجم الطبيعي

اذا ما اضطر الرئيس الامريكي بيل كلينتون ازاء التحدي العراقي لفرق التفتيش التابعة للامم المتحدة الى ان يصدر اوامره بتوجيه ضربات عسكرية امريكية , فان كبير قادة الجيش الامريكي لن يضيع وقته في قصف يجبر صدام حسين على استئناف عمل فرق التفتيش او تقديم تنازلات سياسية اخرى بل على العكس سيسعى الجنرال هنري شيلتون وراء قصف المنشآت الكيماوية والبيولوجية والنووية التي سعى العراق لاخفائها. وفي لقاء له مؤخرا بمحرري ومراسلي صحيفة (الواشنطن بوست) اشار رئيس اركان القوات المسلحة الامريكية الى تلك المسألة المنطقية والتاريخية بكل وضوح, ولقد سألت شيلتون اذا كان يعتقد حقا بأن الضربات الجوية ستسبب الما لديكتاتور العراق يكفي لجعله يغير اهدافه ويقبل بتراجع علني ومهين فيما يتعلق بفرق التفتيش. وفي هدوء وبأسلوب الجندي, جاءت اجابة شيلتون مشيرا الى انه لن يسعى لاحداث الم وضرر لصدام من اجل محاولة اعادة رسم الاهداف السياسية للخصم, بل ستسعى الولايات المتحدة لتدمير المنشآت التي يحاول صدام حمايتها, وذهب شيلتون الى ابعد ما يمكن في مناقشة الخيارات المطروحة عندما قال انه اذا لم نكن نستطيع القيام بعمليات تفتيش فعلينا في واقع الامر ان نتطلع الى الوسائل الاخرى التي نضمن معها عدم بقاء اسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها صدام في آلة اكبر مما هي موجودة فيها حاليا. ويمثل توجه شيلتون ليس فقط تحولا عن نمط تفكير المرحلة الفيتنامية والذي ظل الجيش الامريكي يستوعبه لفترة طويلة, وانما يعكس كذلك تغييرا ما زال في مرحلة الالتئام على الطريقة التي سترد بها الولايات المتحدة في الوقت الراهن على انتشار الاسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية او اسلحة الدمار الشامل في ايدي ارهابيين او دول غير مسؤولة. ولقد قامت السياسة الامريكية لفترة طويلة على اساس منع انتشار اسلحة الدمار الشامل وعلى المقاومة النشطة للدول الاخرى التي تمتلك اشد الاسلحة التي نجح الانسان في تطويرها فتكا, الا ان المخططين الامريكيين يفكرون بشكل متزايد في بنود مكافحة الانتشار وفي تخيل كيفية احتواء وتدمير او الدفاع ضد جن لا يمكن في حقيقة الامر الاحتفاظ به في المصباح. والتدخل الامريكي على الصعيدين العسكري والسياسي في الخليج العربي والتحديات المنفصلة التي تمثلها ايران والعراق لهذا التدخل يحدث تحولا في سياسة مكافحة انتشار اسلحة الدمار الشامل سواء على مستوى المسؤولين او لدى الرأي العام. وحتى الآن ما زال وجود ومعنى هذا التحول مسألة متروكة بشكل كبير لمجتمع الخبراء والبنتاجون كي تبحث وتناقش. فالمواجهة المستمرة مع العراق ليست فقط تتعلق بالعراق او أخطاء صدام حسين فالعالم قد اصبح على دراية بأسوأ سيناريو يمكن ان يحدث بالمستقبل, وبالرغم من الجهد الخارق لم ينجح في ان يبعد اسلحة الدمار الشامل بعيدا عن ايدي دولة خارجة عن القانون ما زالت تحت الحظر وتجرى بأراضيها عمليات تفتيش هي الاكبر من نوعها بالتاريخ. وفي حالة اذا ما افترضنا ان هناك قيودا دولية, عادية, فان عملاء صدام حسين قادرون على البدء في العمل بتصنيع قنبلة نووية سرية فضلا عن تطوير ترسانة كيماوية وبيولوجية واسعة اضافة لانتاج رؤوس حربية لاطلاق تلك الاسلحة من على متن صواريخ. وقد جاءت عمليات التفتيش التي تنفذها الامم المتحدة منذ عام 1991 في اطار من الشجاعة والادارة الفائقة التي نجحت في تدمير كثير من مجموعة صدام النفيسة, الا انه بعد كل تلك الجهود اعترف وزير الدفاع الامريكي وليام كوهين مؤخرا بان العراق ما زال محتفظا بالقدرة على تصنيع اسلحة كيماوية وبيولوجية خلال ساعات او ايام واصدر اوامره لجميع افراد القوات المسلحة الامريكية بالتحصن ضد اي هجوم بمادة (انثراكس) السامة. وتوجيه رد فعل الادارة الامريكية للأزمة العراقية تم تصميمه لاعداد الرأي العام للتحول الذي سيطرأ على مكافحة انتشار اسلحة الدمار باعتبار هذا التحول حقيقة حياة واستراتيجية مع اقتراب القرن الحادي والعشرين. وكان المعنى والمغزى من وراء حديث كوهين هو ان علينا مواجهة تلك الحقيقة, فلا يمكننا منع العراقيين والليبيين في عالمنا هذا من الحصول على او بناء تلك الاشياء القذرة, فعلينا ان نحشد دفاعاتنا ضدهم ونكون على اهبة الاستعداد, وكما قال رئيس الاركان شيلتون اننا في العراق لندمر ما نستطيع وقتما نستطيع. وهذا الكلام لم يصرح به بشكل واضح لا لبس فيه ليس فقط لانه يمثل انباء كئيبة ولكن لانه يثير كذلك تساؤلا يبدو ان الادارة الامريكية لم تجب عليه الى الآن حتى لنفسها, وهذا السؤال هو من الذي انتخب الولايات المتحدة وقواتها لتكون الحامي الاول لعالم من اسلحة الدمار الشامل؟ فلقد ورث كلينتون الدور الذي يتعلق بالعراق بسبب التزام جورج بوش بتحرير الكويت وحماية تدفق نفط الخليج وهي الاهداف التي حظيت برضا الكونجرس. ولم يعلن الامريكيون حتى الآن عن استعدادهم لتحمل نصيب الاسد من الاخطار المحتملة باسم مكافحة انتشار اسلحة الدمار الشامل في العالم, الا ان السؤال يفرض نفسه على الادارة مع ظهور مسألة التخلي عن مكافحة انتشار اسلحة الدمار الشامل بشكل اكثر وضوحا. وفيما يتعلق بايران فان لديها مخزونا مهما من الاسلحة الكيماوية. ولدى الولايات المتحدة الآن 28 ألف جندي في الخليج العربي وهي منطقة كانت فيها القوات الامريكية منذ 25 عاما تعد بالمئات القليلة وكانت واشنطن آنذاك تترك حلفاءها الاقليميين للوقوف ضد اي تهديدات استراتيجية, وهذ العبء الزائد اكتسبته الولايات المتحدة بشكل غير مباشر وليس من خلال استراتيجية واضحة وتدخل من الرأي العام الامريكي, والحاجة الى تحرك مفتوح فيما يتعلق بمكافحة انتشار اسلحة الدمار سيغير ذلك قريبا جدا. بقلم: جيم هوجلاند كبير كتاب الواشطن بوست

Email