الخرائط الإسرائيلية ولغة الهيمنة الاستعمارية: بقلم: هيلينا كوبان

ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد شاهدنا ما يكفي من الخرائط حول الانسحاب الاسرائيلي من الضفة الغربية. أما الآن فقد أصدر مركز بيجن ــ السادات في جامعة بارايلان والمعروف بتعاطفه مع حزب الليكود, مجموعة من الخرائط التي تبين ما يمكن أن يكون عليه الوضع النهائي لاعادة الانتشار بناء على اتفاق اوسلو. كما أن هذه الخرائط تتضمن شروحات يمكن اعتبارها مثالا كلاسيكيا على لغة السيطرة والهيمنة الاستعمارية . في مراحل سابقة كانت الخرائط والتصريحات التي كان المراقبون ينتظرونها بفارغ الصبر تأتي من (مركز جافي) في جامعة تل أبيب والمعروف بتعاطفه مع حزب العمل. كان هذا في فترة سابقة كان ينظر فيها الى الرجال العلمانيين لحزب العمل على أنهم القوة المسيطرة في المجتمع الاسرائيلي, عندما كانت هناك انتفاضة وقبل عملية اوسلو التي أدت الى عودة حزب الليكود ومؤيدون من المتطرفين والمتعصبين الصهاينة الذين يؤمنون فعلا ان لدى اسرائيل صك ملكية من الله لجميع الاراضي الفلسطينية. الخرائط موضوع البحث حاليا جاءت من جامعة يار ايلان ذات الجذور الدينية المتطرفة هي الخرائط نفسها التي كانت موضوع المناقشات الحادة التي سادت اجتماعات مجلس الوزراء الاسرائيلي في الاشهر القليلة الماضية. الأمر الذي يبعث على الدهشة في الخرائط الاخيرة وما رافقها من تعليقات والتي صدرت عن مركز بيجن ــ السادات تحت عنوان (خرائط المصالح الاسرائيلية في الضفة الغربية) هو مالم يرد في النص المرفق: اي أنها لم تأت مطلقا على ذكر الاعتراف بأن الفلسطينيين شعب له الحقوق الانسانية نفسها التي يتمتع بها اليهود وأنهم شعب له مصالح وأهداف مشروعه لابد وأن تؤخذ بعين الاعتبار. كانت منشورات مركز جافي تحاول بطريقة أو باخرى ان تأخذ هذه الامور بعين الاعتبار. كما أن التقرير لم يشر لا من قريب ولا من بعيد الى نصوص القانون الدولي. في نشرة مركز بيجن ــ السادات والتي اشرف على كتابتها الجغرافي حاييم جفيرتزمان تبدو الامور في غاية البساطة والوضوح) . الخريطة المقترحة تهدف اساسا الى تحقيق هدفين: اولا المحافظة على المصالح الاسرائيلية الحيوية, وثانيا فقليل اعداد الفلسطينيين الذين يعيشون تحت السيطرة الاسرائيلية الى اقل عدد ممكن. لم ترد هنا اية اشارة الى (التعاون) بين الشعبين والتي كان من الممكن أن يجدها المراقب في كتابات مركز جافي. وبدلا من ذلك ومنذ البداية فإن التقرير يرى في سكان الضفة الغربية من الفلسطينيين ليس مشكلة وحسب ولكن لابد من تقليل الاحتكاك بهم الى أقل قدر ممكن أيضا. ويمكن للمرء ان يلاحظ أيضا في هذا المقام درجة جديدة من الوضوح حول العلاقة بين المرحلتين الانتقالية والنهائية. فبينما كانت المنشورات المتعاطفة مع حزب الليكود مفعمة بالآمال بأن تستخدم المراحل الانتقالية (لبناء الثقة) التي قد تجعل من المفاوضات النهائية اكثر سهولة فالتقرير الجديد بدلا من ذلك يخبرنا بكل بساطة, وهو ما أصبح معروفا لدى الجميع, (طالما أنه لم يتم التوصل الى اتفاق.. حول اتفاقية الوضع النهائي فإن حق القوات الاسرائيلية بالانتشار حتى بعد تنفيذ الاتفاقية الانتقالية سيبقى قائما وربما لفترة طويلة من الزمن) . أما فيما يتعلق بادعاءات اسرائيل المزمنة حول (مصالحها الدفاعية في الضفة الغربية, يبدو أن أحدا لم يبلغ الجغرافي واضع الخرائط ان هناك معاهدة سلام بين اسرائيل والاردن. فإذا كانت هناك اتفاقية سلام قوية بين الاردن واسرائيل, وإذا كانت هذه الاتفاقية تتضمن قيودا صارمة على انتشار قوات اردنية او قوات متحالفة في المناطق الواقعة على الضفة الشرقية من نهر الاردن (كما هو واقع الحال) وتعطي اسرائيل الحق بالقيام بعمليات مراقبة واستطلاع داخل الاراضي الاردنية, فإنه لم يعد هناك ما يبرر ادعاءات اسرائيل حول قدرتها او عدم قدرتها في المستقبل على مواجهة تهديد عسكري من الشرق ومن داخل الضفة الغربية. وحقيقة الأمر انه اذا كانت اسرائيل فعلا تحترم وتقدر علاقتها مع الاردن, اليس من المفروض ان تظهر ثقتها بهذه العلاقة على وجه الخصوص وذلك بالتقليل الى أبعد حد ممكن من مطالبتها بأراضي الضفة الغربية ومواردها تحت ذريعة (التهديد القادم من الشرق) . ولكن بدلا من ذلك شاهدنا الى أي مدى تقدر حكومة الليكود علاقتها مع الأردن, ولذلك فإن (المناطق الأمنية) المظلله لم تختف عن الخرائط التي يضعها المتعاطفون مع حزب الليكود للوضع النهائي للضفة الغربية. (السؤال الذي يطرح نفسه وبالحاح هو: هل يقوم الامريكيون بمناقشة الاسرائيليين حول الحاجة الى هذه المناطق الأمنية في ظل اتفاقية السلام مع الاردن؟) اما الخريطة الثانية في الكتيب فهي خريطة الموارد المائية. ويكتب جفير تزمان في هذه الخصوص (ان مخازن المياه الجوفية في الضفة الغربية هي اكبر وأهم مخازن المياه في دولة اسرائيل حيث يتم استخراج حوالي 600 مليون متر مكعب من المياه في السنة او ما يعادل ثلث استهلاك اسرائيل من المياه) . ما يريد جفيرتزمان قوله بالتحديد هو أن إعتماد اسرائيل الكبير عن المصادر المائية الجوفية الموجودة في الضفة الغربية يعطي اسرائيل الحق بتملك مصادر هذه الموارد المائية. إن هذا ما يتفق عليه حزبا الليكود والعمل. فإذا طبقنا هذا المنطق فإن مصر قد تدعى حق ملكية جميع الاراضي التي يمر بها نهر النيل, والعراق قد يدعي حق ملكية جميع الاراضي التي يمر فيها نهري دجله والفرات.. ويحق لغزه الادعاء بحث ملكية جميع المصادر المائية الجوفية التي تقع تحت اسرائيل لأنها المصدر الوحيد الذي تمدها بالماء. خريطة جفيرترمان تظهر المستعمرات الاسرائيلية في الضفة الغربية حيث يقول بشكل لا يقبل اللبس (أن الحكومة الاسرائيلية بزعامة حزب العمل أكدت على مبدأ عدم إخلاء المستعمرات الاسرائيلية في المناطق خلال المراحل الانتقالية. وسيبقى مبدأ عدم اخلاء المستعمرات يوجه السياسة الاسرائيلية خلال عمليات الانسحاب الاضافية التي ستنهي المرحلة الانتقالية. (ولابد من التذكير هنا أن هذه الاتفاقية قد تبقى قيد التنفيذ لفترة طويلة من الزمن). ويشير جفيرتزمان الى أن هناك غالبية يهودية في وادي الاردن والمناطق الجبلية في جنوب الضفة. كما يضيف قائلا أن الاستمرار في بناء المستعمرات على نفس المعدل سيفرض غالبية يهودية خلال سنوات قليلة ليس في (القدس الكبرى) وحسب ولكن في غرب الضفة الغربية وشرقي بنجامين ايضا. وأخيرا فإن جمع الخرائط الثلاثة حول المصالح الاسرائيلية الدفاع والمياه والمستوطنات ــ يعطينا المحصلة (النهائية) كما يراها جفيرتزمان لاعادة الانتشار في الضفة الغربية والوضع النهائي لها. فهي عبارة عن توزيع فوضوي وعشوائي للمناطق التي تخضع للسيطرة الفلسطينية التي تضم حوالي 33 منطقة شمالي القدس وحوالي 18 منطقة جنوبها وجميعها محاصر كليا ومخترق في جميع الاتجاهات بالمناطق التي تقع تحت السيطرة الاسرائيلية. والادهى من هذا كله فان خفير تزمان يصر على أن خريطته قد تتضمن (تصحيح بعض الاخطاء التي تم ارتكابها في خريطة اوسلو ــ 2 والتي وافقت اسرائيل بموجبها التخلي عن شبكات طرق ومناطق اخرى ذات اهمية حيوية لحماية مخزون المياه الجوفية الواقع بين ياركون وتنينيم.. بكلمات اخرى فإن الخارطة تحدد المناطق الفلسطينية في منطقة (ب) والتي لابد من استرجاعها من الفلسطينيين وابقائها تحت السيطرة الاسرائيلية) . وبناء على اقتراح جفيرتزمان فإن 000.656 فلسطيني يعيشون الآن تحت سلطة جيش الدفاع الاسرائيلي في المنطقتين (رب وسي) سيعيشون فيما يصفه في حالة من (الاستقلال التام) ذلك وللعجب دون أن يذكر كيفية تطبيق هذا الاقتراح. اذا فإن هدف اسرائيل بالاحتفاظ باكبر مساحة ممكنة من الاراضي الفلسطينية والتخلص من اكبر عدد ممكن من الناس للتخلص من جميع المسؤوليات التي تقع عليها مثل الضمان الاجتماعي والصحي وتأمين التعليم وفرص العمل يكون قد تحقق بناء على هذه الاستراتيجية. ولكن بالاضافة الى عدم الاعتراف بانسانية الشعب الفلسطيني والى عدم الاعتراف بحقوق أربعة ملايين فلسطيني تم طردهم من وطنهم وكذلك عدم الاشارة الى نصوص القانون الدولي, فما الذي ينقص هذا الاقتراح؟ إن ما ينقصه في حقيقة الأمر هو ما نقص المستعمرين السابقين الذين وضعوا الخطط الفاشلة لاقامة الكيانات السياسية في افريقيا الجنوبية ألا وهي القدرة على البقاء والاستمرار. فهو لم يسأل نفسه ولو لمره واحدة كيف يمكن لهذه البقع الخمسين من مناطق السيطرة الفلسطينية ان تؤمن مستقبلا قابل للنمو للشعب الذي يعيش عليها وكيف يمكن أن تلبي طموحات الشعب الفلسطيني لوحدة التراب والحياة الكريمة. إن الوضع على ما هو عليه سيضع الفلسطيني امام خيارين لا ثالث لهما: إما العمل اليومي (إذا ما وجد) في اسرائيل او ان يغادر وطنه الى الأبد. الى متى سيتحمل اصحاب الضمير الحي من الاسرائيليين رؤية ارادتهم الوطنية تحت سيطرة هذه النزعات العنصرية الخطرة. والى متى سيسمح الفلسطينيون والامريكيون والآخرون لحكام اسرائيل بالمضي في هذا الطريق؟ مرة اخرى إنها اسئلة لا تزال تبحث عن إجابات!

Email