الرئيس الإيراني في حوار بثته الـ (سي.ان.ان): لسنا في حاجة إلى أمريكا وسياسة واشنطن تصاغ في تل أبيب

ت + ت - الحجم الطبيعي

وجه الرئيس الإيراني محمد خاتمي رسالة غير مسبوقة إلى (الشعب الأمريكي العظيم) عبر شبكة (سي ان ان) التلفزيونية دعا فيها إلى حوار بين الشعبين لا زعمائها, وإلى إحداث شق في (جدار إنعدام الثقة) بين الشعبين, لكنه لم يطرح اقتراحاً مباشراً للحوار بين حكومتي البلدين . وقال خاتمي في أول محاولة يقوم بها زعيم إيراني لمخاطبة الشعب الأمريكي عبر التلفزيون منذ الثورة الإيرانية عام 1979 (يوجد جدار ضخم من إنعدام الثقة بيننا وبين الإدارة الأمريكية) . وتابع (ينبغي أولاً إحداث شق في جدار إنعدام الثقة هذا استعداداً للتغيير ولاتاحة الفرصة لدراسة أي موقف جديد. وجاءت أقوال خاتمي هذه في رسالة متلفزة وحوار أجرته معه مراسلة شبكة سي ان ان الأمريكية المتجولة كريستيان أمانبور في طهران وبثته الشبكة الأمريكية فجر أمس بتوقيت الامارات. ووصفت تصريحات خاتمي خلال المقابلة بانها جاءت مزيجاً بين اللفتات التصالحية تجاه شعب أمريكا واللطمات لحكومتها. وفي هذا السياق وجه الرئيس الإيراني في رسالته انتقادات شديدة للسياسة الخارجية الأمريكية ووصفها بأنها (غير منسجمة مع الثقافة الأمريكية القائمة على الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية) . وفيما أعرب خاتمي مجدداً عن (الاحترام) للشعب الأمريكي وثقافته, فإنه اتهم واضعي السياسة الخارجية الأمريكية على مدى نصف القرن الماضي بأنهم وضعوا سياسة (اضرت بشعوب الدول المقموعة وأفقدت تلك الدول الثقة في الولايات المتحدة التي كانت تعتقد أنها ستكون مختلفة عن القوى الكولونيالية الأخرى) . وقال خاتمي ان تلك السياسة (متخلفة وما زالت حبيسة قوالب وعقلية الحرب الباردة وتعمل على خلق الأعداء الوهميين, ومنهم الإسلام) . وفي حين اقترب الرئيس الإيراني من الدعوة إلى إجراء حوار سياسي رسمي مع الحكومة الأمريكية, التي وصفها بأنها (حكومة تمثيلية شرعية تمثل الشعب الأمريكي) , فإنه قصر دعوته على فتح حوار (فكري) بين الإيرانيين والأمريكيين يشمل الأساتذة الجامعيين والصحفيين والكتاب والفنانين والسياح. وحين ووجه الرئيس الإيراني بسؤال مباشر حول ما إذا كان يعتزم الدعوة إلى فتح حوار مباشر مع الحكومة الأمريكية, تهرب من الرد مباشرة, ودعا إلى مجرد فتح حوار (فكري) بين الأمريكيين والإيرانيين. وقال ان (الخلافات السياسية بين الحكومات يجب ألا تمنع من قيام حوار بين الأساتذة والكتاب والمفكرين والصحفيين والفنانين والسياح من الطرفين) . وأردف في اشارة إيجابية أخرى إلى الأمريكيين أن هناك عدداً كبيراً من (مواطنينا الإيرانيين المتعلمين النبلاء الذين يعيشون في الولايات المتحدة, وهو ما يظهر أن ليس هناك عداء بين شعبينا) . علاقات سياسية وبعد أن أكد خاتمي أن الحوار بين الثقافات والشعوب هو (مختلف عن العلاقات السياسية) , فإنه شدد على أنه بالنسبة إلى العلاقات السياسية (فينبغي علينا أن ندرس العوامل التي أدت إلى قطع العلاقات بيننا وبين الولايات المتحدة) . وزاد أنه (إذا تغير الموقف, فإن علينا قطعاً أن ندرس هذه العوامل والأسباب الأساسية التي أدت إلى ذلك وأن نحاول استئصالها) . وقال أيضاً ان (هناك جداراً من عدم الثقة بيننا وبين الإدارة الأمريكية) . ولكنه أضاف أن عدم الثقة هذا ناتج عن التصرفات غير الملائمة التي انتهجتها الحكومات الأمريكية المتعاقبة) . وزاد خاتمي أنه (يجب أولاً اختراق جدار عدم الثقة هذا من أجل التمهيد للتغيير في الوضع, وخلق الفرصة لدراسة الوضع الجديد) . غير أنه أعرب عن تشاؤمه إزاء إمكانية حصول ذلك في المستقبل المنظور. وقال انه (لسوء الطالع, فإن تصرف الحكومة الأمريكية في الماضي وحتى الآن لم يعمل سوى على تصعيد الموقف وإلهاب أجواء عدم الثقة, ولا نستشعر أية مؤشرات على إمكانية حدوث تغيير) . وأعلن خاتمي أنه إذا كانت (المفاوضات بيننا وبين واشنطن لن تقام على أساس من الإحترام المتبادل, فإنها لن تنجح أبداً) . وأردف أن على واشنطن أن (تتخلى عن سياسات اعتبار الدول الأخرى وسائل) لخدمة أهدافها. وفي شرحه لهذه السياسات, أشار خاتمي إلى معلومات أمريكية سرية أميط عنها اللثام مؤخراً أفادت بأن الولايات المتحدة ساعدت في اقصاء رئيس الوزراء الإيراني الأسبق مصدق المناهض للشاه في الخمسينات وقدمت مبلغ 45 مليون دولار للحكومة اللاحقة التي ساعدت واشنطن في ايصالها إلى السلطة, وإلى تخصيص الكونجرس الأمريكي في العام الماضي مبلغ 20 مليون دولار لنشاطات تقويض الحكومة الإيرانية, وإلى القانون الذي يعرف باسم قانون داماتو الذي وصفه بأنه (يعبر عن عقلية الحرب الباردة وعدم تفهم للحقائق السياسية الجديدة إلى حد أن أمريكا ما زالت تعتقد أن بوسعها فرض ارادتها السياسية والاقتصادية على دول, بمن فيها دول حليفة مثل الدول الأوروبية واليابان) . وقال خاتمي كذلك أن موقف الولايات المتحدة من الثورة الإيرانية بعد انتصارها (لم يكن موقفاً حضارياً, فقد تبنت واشنطن سياسة معادية لإيران) . وزاد أن (انتصار ثورتنا جاء بعد أن دفع الشعب الإيراني ثمناً باهظاً, وكانت الولايات المتحدة مسؤولة عن تدفيع الشعب الإيراني جزءاً كبيراً من هذا الثمن) . اضرار أمريكا وفي وصفه لما أسماه بالضرر الذي ألحقه السياسيون الأمريكيون بالشعب الأمريكي والشعوب الأخرى نتيجة السياسات الخارجية الأمريكية على مدى نصف القرن الماضي, قال خاتمي ان تلك السياسات تسببت في ثلاث مشكلات: (ألحقت الضرر بالمحرومين والمقموعين في الأرض؛ وقضت على آمال الدول المستعبدة التي كانت تتطلع إلى أمريكا كمنقذ لها من الدول الكولونيالية الأخرى, والأمر الأهم ان هذا السياسات كانت تطبق باسم الشعب الأمريكي العظيم) . وقال ان السياسة الخارجية الأمريكية (لا زالت حبيسة عقلية الحرب الباردة وتعمل على خلق الأعداء الوهميين بعد انتهاء الاتحاد السوفييتي) . وأضاف أنه رغم وجود بعض العقول المتنورة بين صانعي السياسة الأمريكية, فإن (دوائر معينة حاولت بعد انتهاء الشيوعية أن تصور الإسلام على أنه العدو الحقيقي البديل للغرب) . وقال انه في حين أن السياسة الخارجية الأمريكية (ألحقت الأذى بإيران) , فإنه أضاف أن تلك السياسة) كان لها أثر إيجابي علينا من حيث لا يدري الأمريكيون. فقد اضطرنا ذلك إلى الاعتماد على قدراتنا المحلية ومواردنا من أجل تقدمنا والدفع بأهدافنا قدماً) . وأعلن خاتمي: (اننا لسنا في حاجة إلى علاقات مع الولايات المتحدة خصوصاً في هذا العالم المعاصر المتنوع التعددي الذي نستطيع فيه أن نصل إلى أهدافنا بدون دعم الولايات المتحدة. اننا نقوم بنشاطاتنا وصولاً إلى أهدافنا ولسنا في حاجة إلى علاقات سياسية مع الولايات المتحدة) . ولم يفت الرئيس الإيراني في هذه المقابلة التليفزيونية التي يعتقد أنها حظيت بإقبال شديد في الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط توجيه المديح للسياسات الأوروبية الخارجية ومقارنتها مع الأمريكية. وقال ان هناك (العديد من الدول التقدمية, خصوصاً الأوروبية, التي تنتهج سياسات أكثر تقدمية من السياسات الأمريكية) . شبه اعتذار وفي سؤاله عما إذا كان يعتذر عن قيام الحرس الثوري الإيراني باحتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين رهائن في السفارة الأمريكية في طهران عقب انتصار الثورة الإيرانية في عام ,1979 اقترب الرئيس الإيراني أكثر من أي مسؤول إيراني من قبله من الإعتذار عن هذا الحادث. وقال انه (يجب أخذه في سياقه الأصلي, وأشعر بالأسف لما حدث, ولكن ذلك جاء في خضم التهاب المشاعر الذي واكب مرحلة ما بعد الثورة ومشاعر العداء للسياسات الأمريكية) . كذلك أعرب خاتمي عن عدم موافقته على حرق الأعلام الأمريكية أو كتابة الشعارات المعادية لأمريكا في إىران, وقال ان هذه الأفعال تعبر عن (رغبة في انهاء علاقة العداء الحالية بين الشعب الأمريكي والإيراني التي سببها السياسة الأمريكية) . وفي رده على الاتهامات التي توجهها له الحكومة الأمريكية مثل دعم الإرهاب ومعارضة عملية سلام الشرق الأوسط وحيازة الأسلحة النووية, قال الرئيس الإيراني (أن هذا هو نوع المشكلة الذي أواجهه مع الحكومة الأمريكية, فهي تطلق كل هذه الاتهامات التي لا أساس لها ضدنا, ثم تطلب أن نتحاور على أساس هذه التهم, ان هذا هو بمثابة محاولة تقديمنا إلى محاكمة على أساس اتهامات لا أساس لها) . ونفى خاتمي (ان تكون بلاده تسعى لكي تصبح قوة عسكرية نووية كما تتهمها الولايات المتحدة بذلك) . وزاد (نحن لسنا قوة نووية عظمى ولا ننوي أن نصبح ذلك) . وأضاف (ليست لنا مشاريع لبناء أسلحة نووية ونحن نسعى فقط لإمتلاك طاقة نووية سلمية) . وذكر خاتمي بأن بلاده وقعت معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية وهي تتقيد بالقواعد الدولية في مجال تفتيش منشآتها النووية المدنية. وفي إشارة إلى استخدام الولايات المتحدة معايير مزدوجة في تعاملها مع هذه المسألة, قال الرئيس الإيراني ان من المفارقات أن الجهات التي (تشعر بالقلق بشأن إنقاذ الإنسانية من الأسلحة النووية تؤيد إسرائيل بشكل كامل, وهي القوة النووية التي لا تبدي أي استعداد للإنضمام إلى معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية أو قبول قيود الوكالة الدولية للطاقة الذرية, في حين تكيل الاتهامات لإيران التي لم تتمكن من إنهاء أول مفاعل نووي كانت قد بدأته قبل الثورة) . ووصف الرئيس خاتمي هذه المعطيات بأنها (ذرائع لفرض سياسات معينة على إيران والمنطقة وخلق الاضطراب وعدم الثقة. وتحدث خاتمي عن الإرهاب فنفى أن تكون بلاده تدعم الإرهاب وندد بهذه الظاهرة (بكل أشكالها) وقال انه ينفي نفيا قاطعاً الاتهامات التي لا أساس لها) عن دعم إيران للإرهاب وبنوع خاص من قبل الولايات المتحدة. وقال (العنف ليس وسيلة للوصول إلى ما نتمناه) . وأضاف (ليس للإرهاب أي منفعة وأنا أدينه قطعاً) . ومع ذلك فقد ميز الرئيس الإيراني بين الإرهاب وبين (الكفاح من أجل تحرير الأرض) في إشارة واضحة إلى الفلسطينيين. وأكد أن (دعم أولئك الذين يكافحون من أجل تحرير أرضهم ليس دعماً للإرهاب) . وشدد خاتمي على أن الإسلام (براء) من كل تهم الإرهاب الموجهة إلى اتباعه, كما شدد على أنه (يشجب الإرهاب بكل صوره وأشكاله) . وقال ان (الإرهاب عديم الفائدة على أية حال ويجب شجبه بشكل قاطع) . وفي رد على سؤال حول ما إذا كان سيعاقب أي مسؤول في حكومته يستخدم الأموال الإيرانية لدعم أي جماعات ضالعة في نشاطات إرهابية, قال خاتمي انه والقيادات الأخرى والنظام الإيراني بأسره سيتعاملون مع أي حالات من هذا القبيل. غير أن خاتمي شدد في إجابته على أن دعم الجماعات التي تناضل من أجل تحرير أراضيها لا يعتبر دعماً للإرهاب بل هو (دعم لأولئك الذين يحاربون إرهابيي الدولة) . لكنه أضاف أن قتل الأناس الأبرياء الذين لا يشاركون في الأعمال الحربية (إرهاب وينبغي شجبه, ونحن بدورنا نشجب كل صورة) , على حد تعبيره. عملية السلام وفيما يتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط قال الرئيس الإيراني إن بلاده عارضت تلك المسيرة لاعتقادها بأنها لن تنجح) . لكنه أضاف أن إيران لا تسعى إلى فرض وجهة نظرها على الآخرين أو الوقوف في طريقهم. وقال خاتمي إن لجميع الفلسطينيين الحق في التعبير عن وجهة نظرهم فيما يتعلق بأراضيهم, (بمن فيهم ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون في الشتات) , وأن إيران تنشد السلام الذين يتمكن من خلاله (اليهود والمسلمون والمسيحيون, وكل فرد فلسطيني, من تقرير مصيرهم) , مضيفاً أن إيران مستعدة للمساهمة (في تحقيق هذا السلام) . وشدد خاتمي على أن الكثير من دول العالم تتفق مع إيران في وجهة نظرها هذه, وأن هناك دولاً أخرى تختلف معها, (لكننا ببساطة نعرض وجهة نظرنا ونكن أشد الاحترام لجميع الفلسطينيين الذين يشعرون بالقلق على مستقبل فلسطين) . وقال خاتمي إن تصلب إسرائيل وفشلها في الوفاء بالتعهدات التي التزمت بها في عملية السلام (آثار غضب حتى حلفاء الولايات المتحدة الأوثق في المنطقة) . وعرض الرئيس خاتمي ما وصفه بالمخاوف التي تشعر بها شعوب الشرق الأوسط تجاه السياسات الأمريكية المتعلقة بالمنطقة العربية والإسلامية. وقال إن هناك انطباعاً لدى سكان الشرق الأوسط بأن (بعض القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية الأمريكية تصنع في تل أبيب وليس في واشنطن) , مضيفاً أن الدعم الأمريكي المطلق (لنظام عنصري إرهابي لا يخدم مصالح اليهود) , وذلك في إشارة منه إلى الدعم الأمريكي لإسرائيل. ومضى خاتمي قائلاً: (نحن نعتقد بأن الولايات المتحدة الأمريكية ينبغي ألا تجازف بمصداقية وسمعة الشعب الأمريكي في دعمها لنظام عنصري لا يحظى حتى بدعم الشعب اليهودي) . وتحدث الرئيس خاتمي عما يسمى بمعاداة السامية, وهي الظاهرة التي وصفها بأنها ظاهرة غربية (لا سابقة لها في الإسلام أو في الشرق) . ومع أنه ذكر أن المنطقة عرفت الطغاة والمستبدين على مر التاريخ, فإنه شدد في الوقت ذاته على أن المنطقة لم تعرف النازية أو الفاشية كما الغرب. وأعرب خاتمي عن قلقه إزاء استخدام الغرب ظاهرة معاداة السامية (كأداة لفرض نطاق واسع من السياسات والممارسات على شعوب الشرق الأوسط والمسلمين بشكل عام) . الوعود والعثرات وفيما يتعلق بمقدرته على تنفيذ سياساته ووعوده التي التزم بها أمام الشعب الإيراني قال الرئيس خاتمي إن (إيران لها حكومة تتخذ القرارات المتعلقة بالسياسات الداخلية والخارجية ضمن إطار مسؤولياتها) . وفي حين أقر بأن السياسات العامة ينبغي أن تتم الموافقة عليها من قبل المرشد الروحي للجمهورية, إلا أن خاتمي ذكر أن الحكومة هي التي تراقب تنفيذها. أما عن المعارضة التي تواجهها الحكومة مما يسمى بالتيار المتشدد داخل إيران, قال خاتمي إن الحكومات الديمقراطية التي تمثل الشعب تتقبل المعارضة, وأن الاختلافات في الرأي أمر طبيعي وموجود في جميع المجتمعات. وأضاف: (علينا أن نتعلم ألا نسمح لمثل هذه الخلافات بأن تتحول إلى مواجهات, ولكن أن نحولها إلى قنواتها الشرعية) . وأقر خاتمي بوجود عناصر داخل إيران تعارض حكومتها, مشدداً على أنه يحترم هذه الآراء (طالما أنها تعمل ضمن بنود الدستور) . أما عن الوجهة التي تسير فيها إيران في المستقبل المنظور, فقال خاتمي إن الوصول (المجتمع المثالي) أمر يتطلب الوقت, مضيفاً أن الشعب والحكومة في إيران لديهما (الصبر الضروري) وأن الجميع سيسعى إلى المضي قدماً باتجاه مجتمع نظامي يحكمه المنطق والقانون. واشنطن ـ مهند عطالله

Email