تضارب في واشنطن حول الحوار المحتمل مع ايران

ت + ت - الحجم الطبيعي

ازدادت حدة النقاش داخل اوساط الادارة الامريكية حول مسألة فتح حوار مع ايران عدما تأكد ان الرئيس الايراني محمد خاتمي سيوجه رسالته المرتقبة الى الشعب الامريكي يوم السابع من الشهر الجاري عبر حوار تجريه معه شبكة سي.ان.ان الامريكية والذي يتوقع ان يدعو فيه خاتمي ادارة كلينتون الى فتح حوار مع طهران. وتقول تقارير في واشنطن ان نبأين قادمين من ايران مؤخرا احدهما جاء على شكل دعوة علنية لاجراء حوار مع الولايات المتحدة والآخر على شكل تقرير استخباري سري عن جهود ايرانية لحيازة صواريخ باليستية متقدمة, لعبا دورا مباشرا في هذا النقاش. وأشار مسؤولون امريكيون الى أنه ما ان تم الانتهاء من تحليل الاشارات الايجابية التي اطلقها خاتمي سواء خلال القمة الاسلامية من طهران أو حديثه عن الوفاق في الدبلوماسية السياسية الايرانية تجاه الحكومة الامريكية حتى وصلت واشنطن اشارة اقل مدعاة للسرور من ايران على شكل تقرير استخباري تضمن صورا التقطتها الأقمار الأصطناعية الامريكية في المنطقة لمنشأة أبحاث (حماة الصناعية) الى الجنوب من طهران التي أظهرت قيام ايران باختبار جديد على أحدث جيل من الصواريخ الباليستية الايرانية القادرة على حمل رؤوس حربية زنتها 2200 رطل مسافة تزيد عن 1200 كيلو متر. وتعتقد وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ان الاختبار الصاروخي الايراني, وهو السادس او الثامن في العام المنصرم, يمثل تقدما ملحوظا في مسعى ايران الحصول على صواريخ متوسطة المدى تعمل بالوقود المسيل, قادرة على الوصول الى معظم جيران ايران بالاضافة الى اسرائيل وتركيا. وتختلف وكالة الاستخبارات المركزية مع وكالة الاستخبارات العسكرية حول الموعد الذي يتوقع فيه لايران ان تقوم بتجربة عملية للصاروخ الجديد. ففي حين تعتقد السي آي ايه أن يتم ذلك في العام الجديد, تعتقد الوكالة الاستخبارية العسكرية أنه لن يكون بمقدور إيران القيام بذلك قبل عام 1999. إلا أنه بغض النظر عن الموعد الذي ستتمكن فيه طهران من فعل ذلك, فإن ذلك سيكون تطورا يحمل في طياته أخطارا كبيرة للقوات الأمريكية المرابطة في الخليج. ومقارنة بالجيل القديم من الصواريخ الايرانية قصيرة المدى, فان تطوير الصواريخ الجديدة يتطلب تقنيات وخبرات متقدمة. ويقول المسؤولون الامريكيون والاسرائيليون الذين يرقبون هذه المسألة عن كثب, إن مؤسسات روسية وفرت لايران مرافق متطورة لاختبار هذه الصواريخ, بما في ذلك أنفاق الهواء المصنوعة من الحديد عالي الجودة, ومركبات معدنية خاصة لصنع أغلفة الصواريخ وأغطية أنظمة التوجيه. وهذه المؤسسات, كما يقول هؤلاء المسؤولون, تشمل الجامعة التقنية لدول البلطيق, ومعهد بومان في سانت بطرسبرج, ومؤسسة (إن بي او). كما تزعم مصادر اسرائيلية ان وكالة الفضاء الروسية ضالعة بشكل مباشر في بعض جوانب نقل التكنولوجيا الى ايران. وتقول التقارير الامريكية ان هذه الرسائل المتعارضة المقبلة من طهران اضافت نوعا من الحدة الى النقاش الدائر دخل أوساط الادارة حول كيفية احداث تغيير في المسلك الايراني. ومع أن فريق مستشاري الرئيس كلينتون للسياسة الخارجية متفقون عموما على استراتيجية عريضة واحدة تتمثل في الضغط على ايران من أجل حملها على تغيير مسلكها, فإن هناك خلافات حول متى ينبغي على الادارة ان تفرض عقوبات على الشركات الاجنبية التي تتعامل مع ايران, وذلك تنفيذا لقانون جديد أصدره الكونجرس الأمريكي واضطرت الادارة الى الموافقة عليه. ويعتقد المحللون السياسيون هنا أن نتيجة هذا النقاش سيكون لها تأثير على اكثر من مجرد العلاقة الأمريكية مع ايران, او حتى مع الشرق الاوسط. فالإدارة الامريكية تدرك ان خلافاتها مع بقية العالم حول طريقة التعامل مع ايران قد دفعتها الى حافة المواجهة مع روسيا وأقرب حلفائها في القارة الاوروبية. المراقبون في واشنطن يعتقدون ان ما أطلقه الرئيس خاتمي من تصريحات ايجابية تجاه واشنطن كان جزءا من صراع متواصل بين الرئيس الايراني الجدير وملالي طهران الذين يتحكمون في ناصية الحكم في ايران فعليا. وعليه فليس هناك خلاف أساسي داخل اوساط الادارة الامريكية حاليا حول ضرورة وضع نهج جديد تجاه ايران. وعليه بدأ مجلس وزراء الرئيس كلينتون في الأسابيع الثلاثة الماضية سلسلة نقاشات مكثفة تمحورت حول ما اذا كان الوقت قد حان لتجاوز سياسة الاحتواء المزدوج التي وضعتها ادارة كلينتون أساسا في مطلع عهدها عام 1993. غير أن المسؤولين الامريكيين يتعمدون التشديد على أن ليست هناك مراجعة رسمية للسياسة الامريكية من ايران. ونقل عن مسؤول أمريكي قوله ان الادارة لا تريد أبدا أن (تصور على أنها مرنة تجاه ايران) , وذلك في اشارة لما حدث لرئاسة الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر الذي هزم في انتخابات عام 1980 امام الرئيس ريجان بسبب ذلك تحديدا كما يتفق المؤرخون الامريكيون الآن. ونقلت صحيفة الواشنطن بوست عن أحد كبار مسؤولي الرئيس كلينتون للشؤون الخارجية قوله ان (القيادة الايرانية حتى الآن تتعاطى معنا خطابيا, ونحن بدورنا نتعاطى معها بالأسلوب ذاته) . وأضاف المسؤول الامريكي ان واشنطن في هذه الاثناء تعتقد أنه يجب استمرار (ممارسة الضغط السياسي والاقتصادي والمعارضة النشطة لمحاولات ايران حيازة اسلحة الدمار الشامل) . غير ان مسألة فرض العقوبات تحمل في طياتها مجازفات كبيرة ومكلفة. فالعقوبات ضد شركة غازبروم الروسية تتعارض مع الجهود الأمريكية الرامية الى كسب تأييد رئيس الوزراء الروسي فيكتور تشيرنوميردين, وهو مسؤول عن قطاع الطاقة. ويصف أحد مسؤولي الخارجية الامريكية هذه المعضلة بأنها (مشكلة معقدة جدا) وبأنها احدى اكثر المسائل تعقيدا بالنسبة للادارة الأمريكية. ويضيف المسؤول ان هناك (قضايا متضاربة بالنسبة للولايات المتحدة في سياستها الرامية الى ممارسة ضغوط اقتصادية على ايران من جهة, ومحاولة تفادي الصدام في علاقاتنا مع الحلفاء الاوروبيين وروسيا, ومن جهة اخرى) , على حد وصفه. ويشير المراقبون في واشنطن الى ظهور تيارين متناقضين داخل الادارة الأمريكية نفسها, الأول يرغب في ممارسة ضغوط قوية على ايران وعلى الدول التي تتعامل معها عن طريق فرض العقوبات الاقتصادية على الشركات التي تنتمي الى تلك الدول. ويتزعم هذا التيار مارتن انديك الذي كان حتى وقت قريب سفيرا للولايات المتحدة في اسرائيل. والذي يعتبر مهندس سياسة الاحتواء المزدوج ضد ايران والعراق, وبروس رايديل, المدير المسؤول في مجلس الأمن القومي الامريكي. ويرى هؤلاء ان تراخي الادارة الامريكية في تطبيق العقوبات ضد الشركات التي تتعامل مع ايران سيؤدي الى تدفق رؤوس الاموال الى ايران بشكل كبير. أما التيار الثاني في الادارة الامريكية فيمثله ستيورات ايزنستات, مساعد وزير الخارجية الامريكية للشؤون الاقتصادية, وقد شدد أعضاء التيار الثاني في عدد من الجلسات الوزارية في الآونة الأخيرة على أن الولايات المتحدة ستجد نفسها بدون اي حلفاء في حال اتخذت اية اجراءات انتقامية ضد شركة توتال. ويقول أحد المعارضين لنظام العقوبات ان بامكان الادارة الامريكية ان تحصل على تعاون الاوروبيين فيما يتعلق بقضايا اسلحة التدمير الشامل ومكافحة الإرهاب, لكنها لن تلمس اي تعاون من حلفائها في حال أوجدت الانطباع بأنها تمارس نوعا من التهديد ضد تلك الدول. واشنطن ـ مهند عطا الله

Email