«إطفاء الحرائق».. هل ستغير الانتخابات الأمريكية العالم؟

مع ترقب العالم للانتخابات الرئاسية الأمريكية اليوم، تطرح جملة من الأسئلة حول قدرة الرئيس المقبل، سواء كان دونالد ترامب الطامح للعودة إلى البيت الأبيض، أم كامالا هاريس التي تتسابق لنيل لقب أول رئيسة للولايات المتحدة في التاريخ، على وضع حد لعديد من الأزمات الدولية المستعرة وإطفاء الحرائق في عدد من دول العالم وترسيخ السلام.

من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، تتزايد التوترات العالمية، ما يدفع إلى تساؤلات حول رؤى وسياسات كل مرشح، وقدرتهما على «إطفاء الحرائق» في مسرح السياسة العالمية.

في حملته الانتخابية، تعهد ترامب بإنهاء الحرب في أوكرانيا بشكل سريع، معتمداً على خلفية سياسته «أمريكا أولاً» التي كانت دافعاً لتبني سياسة خارجية حذرة خلال فترة ولايته الأولى. ويعتقد ترامب أن علاقته مع بعض القادة العالميين، كالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد تمكنه من تحقيق تفاهمات تنهي الصراع الأوكراني بطريقة تضمن المصالح الأمريكية وتجنبها التورط في مزيد من النزاعات.

ويضاف إلى ذلك موقفه السابق الداعم لإسرائيل، حيث يَعِد حالياً بإيجاد حلول حاسمة للصراع الدائر في الشرق الأوسط، لكنه يواجه تحديات كبيرة في إقناع الأطراف المتنازعة وفرض سياسات تجلب السلام الدائم.

وجدد ترامب في أكثر من مناسبة، من بينها تصريحاته خلال المناظرة التي جمعته وهاريس، الإشارة إلى أن الحرب في أوكرانيا لم تكن لتحدث حال وجوده في البيت الأبيض، وعبر عن الأمر نفسه في تصريحات مماثلة بشأن التوترات في منطقة الشرق الأوسط.

من ناحية أخرى، إذا فازت كامالا هاريس، فمن المتوقع أن تواصل سياسة بايدن الخارجية، التي تركز على الحلفاء التقليديين والعمل عبر الدبلوماسية متعددة الأطراف. ورغم انتقاد البعض لسياسة بايدن فيما يخص أوكرانيا وغزة باعتبارها غير فعالة بالقدر المطلوب، أو أنها قد أفضت لتفاقم المخاطر، إلا أن مراقبين يرون أن هاريس قد تجلب مرونة جديدة تستهدف تحقيق تقدم ملموس في هذين الملفين (أوكرانيا والشرق الأوسط) دون خفض مستوى الالتزامات الأمريكية تجاه حلفائها.

وكانت هاريس قد قالت - مهاجمة ترامب - إنه إن كان موجوداً في البيت الأبيض لوصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كييف.

ملفات الشرق الأوسط

فيما يخص غزة، فإن احتمالات تدخل ترامب قد تكون مباشرة وعبر ضغوط سياسية واقتصادية لحسم الصراع، في حين يتوقع أن تكون إدارة هاريس أكثر ميلاً للتفاوض مع الأطراف المعنية عبر وسائل دبلوماسية هادئة، خصوصاً في ظل تصاعد التوترات الإقليمية.

في حديثه مع «البيان»، يوضح الباحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية، مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث، رئيس منتدى تطوير الفكر العربي للأبحاث، أبو بكر الديب، أن نتائج الانتخابات الأمريكية ستلقي بظلالها على الشرق الأوسط، رغم انشغال الناخب الأمريكي بقضايا محلية، على رأسها القضايا الاقتصادية وملفات الهجرة والرعاية الصحية وغيرها.

ويعتقد الديب أنه فيما يخص التصعيد الإسرائيلي ضد قطاع غزة ولبنان، فإن ترامب قد يدعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، بينما قد تسعى هاريس، على نهج إدارة بايدن، إلى التوصل لوقف إطلاق النار والإفراج عن المحتجزين والأسرى، مع تأكيدها تدهور الوضع الإنساني في غزة وضرورة دعم حقوق الفلسطينيين، لكن الديب يرى أن هذا الدعم سيبقى على المستوى النظري فقط في مواجهة تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.

أما فيما يخص إيران، فيشير إلى أن المرشحين (ترامب وهاريس) يتفقان على عدد من الخطوط العريضة حيال بعض الملفات، مثل منع إيران من امتلاك سلاح نووي، لكن ترامب يسعى إلى تشكيل تحالف قوي ضد إيران لتشديد العقوبات ومحاصرتها اقتصادياً، بينما تحاول هاريس، رغم وصفها إيران بأنها «العدو الأعظم لأمريكا»، ترويضها والحد من توسع نفوذها، ويعتبر الديب تصريحات هاريس في هذا الشأن أقرب إلى الاستهلاك الانتخابي، متوقعاً أن تتبع نهج بايدن وأوباما في التعامل مع طهران.

لكن بموازاة ذلك، لا يستثني مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث احتمالية انسحاب الولايات المتحدة من دورها التقليدي كضامن لأمن الشرق الأوسط للتركيز على منافسيها التقليديين، روسيا والصين، وهو ما قد يترك فراغاً سياسياً وأمنياً يزيد من تعقيد الأوضاع في المنطقة.

رؤى متقاربة

ووفق الكاتب والمحلل ستيفن أ. كوك، في مجلة «فورين بوليسي»، وهو زميل إيني إنريكو ماتي البارز لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية، فإنه فيما يتعلق بملفات الشرق الأوسط، فإن «المرشحين ربما يتداخلان أكثر مما يختلفان»، ذلك أن حل الدولتين على سبيل المثال يؤيده الطرفان، بينما قد تختلف أفكارهما حول شكل الدولتين اللتين تعيشان جنباً إلى جنب في سلام، لكنهما مع ذلك كرسا الطاقة والموارد لتحقيق هذا الهدف.

كذلك فيما يخص التعامل مع إيران، فلا أحد منهما مهتم بشكل خاص بالمواجهة المباشرة بشأن أنشطتها. وربما كان الرئيس السابق دونالد ترامب عدوانياً خطابياً تجاه إيران أثناء فترة وجوده في منصبه، ولكن عندما أتيحت له الفرصة للرد في صيف العام 2019، تراجع الرئيس آنذاك.

وكتب كوك أيضاً أنه من جانب نائبة الرئيس كامالا هاريس، فقد أمضت إدارة بايدن-هاريس الجزء الأكبر من السنوات الثلاث الأولى في السلطة في محاولة إقناع إيران بالعودة إلى الاتفاق النووي، وعلى مدار العام الماضي، سعت إلى خفض التصعيد في المنطقة من أجل تجنب مواجهة إيران.

توازن

أما في أوكرانيا، فستكون الإدارة الأمريكية القادمة أمام تحدي إحداث توازن بين دعم أوكرانيا عسكرياً ودبلوماسياً، والحفاظ على علاقة مستقرة مع روسيا تجنباً لمزيد من التصعيد. وقد يعني فوز ترامب اتخاذ نهج أكثر براغماتية تجاه موسكو، على عكس هاريس التي قد تُبقي على الدعم القوي لكييف، بما يتماشى مع نهج الديمقراطيين الحاليين.

الأستاذ المساعد في معهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي بجامعة لوباتشيفسكي الحكومية الروسية، الدكتور عمرو الديب، يقول في تصريحات لـ«البيان» إنه قد تكون هنالك فرصة أمام الرئيس الأمريكي القادم، وإن كانت فرصة ضئيلة، لمحاولة التواصل أو بدء مفاوضات جادة لإنهاء الأزمة الأوكرانية بشكل أو بآخر. ويشير إلى أن الرئيس الأمريكي السابق ترامب تحدث خلال حملته الانتخابية كثيراً عن هذا الأمر، وذكر أنه سيكون له دور كبير في إنهاء هذه الأزمة عبر التوصل إلى اتفاق مع القيادة الروسية، لكن بشكل عام نشك في قدرته على ذلك؛ لأن الأزمة لا ترتبط فقط بالرئيس الأمريكي أو البيت الأبيض، بل ترتبط بشكل أكبر بما يسمى بالدولة العميقة في الولايات المتحدة.

ومن ثم، فإذا فاز ترامب ودخل البيت الأبيض، فسيكون عليه أولاً التعامل مع الدولة العميقة ومحاولة فهم آليات إنهاء الأزمة الأوكرانية، أما في حال وصول هاريس إلى البيت الأبيض، فستكون فرص التواصل للتوصل إلى أي اتفاق شبه معدومة، فالحزب الديمقراطي يتخذ موقفاً ثابتاً وصارماً تجاه روسيا، ويبدو أن هذا الموقف سيستمر مع احتمال تولي هاريس للرئاسة، خصوصاً أنها أكدت خلال حملتها الانتخابية أنها لا ترى أي فرصة للحل.

وعليه فإنه في حال وصول ترامب إلى البيت الأبيض قد نكون أمام ثلاثة سيناريوهات؛ أولها هو محاولة التوصل إلى اتفاق، أما السيناريو الثاني فهو تجميد الصراع، الذي يمكن أن يحدث سواء في حال فوز ترامب أو هاريس، إذ قد يتخذ أي منهما خيار التجميد بشكل أو بآخر. أما السيناريو الثالث فهو التصعيد نحو الحرب العالمية الثالثة، التي ربما قد بدأت إرهاصاتها بالفعل.

ويضيف: «لذلك، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق أو بدء مفاوضات جدية، فقد نكون أمام سيناريو تصعيدي، خصوصاً أن العالم يواجه العديد من الأزمات الساخنة في الشرق الأوسط، وآسيا، وشبه الجزيرة الكورية، وفي بحر الصين وتايوان. وبالطبع لا ننسى الأزمة الأوكرانية وإمكانية تطور الصراع في بحر البلطيق، مما يزيد من احتمالية التصعيد أكثر فأكثر».

مقارنة

وإلى ذلك، يشدد الأستاذ بكلية موسكو العليا، الدكتور رامي القليوبي، في تصريحات لـ«البيان» على أنه فيما يخص ترامب، فهو يدلي بتصريحات تثير إعجاب موسكو وقد وعد مراراً بإنهاء الحرب في أوكرانيا بسرعة، لكن في الواقع قدرته على ذلك مشكوك فيها، لأنه سيصطدم حتماً بلوبي معادٍ لروسيا داخل المؤسسة الأمريكية؛ وبالتالي قد يتكرر سيناريو 2016 حين صعد ترامب إلى السلطة رافعاً شعارات تحسين العلاقات مع روسيا، لكنه لم يتمكن من فعل شيء على أرض الواقع؛

لذلك نلاحظ أن هذه المرة روسيا ليست متحمسة لفوزه، فقد صرح بوتين ذات مرة بأن ترامب هو أكثر رئيس فرض عقوبات على روسيا. وبالفعل، هناك نوع من الانحياز على مستوى التصريحات لهاريس.

ويستطرد: «أما هاريس، فستواصل مقاربة بايدن المتمثلة في دعم أوكرانيا، ولكن مع الالتزام بالخطوط الحمراء لروسيا في هذا الدعم، مثلما ترفض الولايات المتحدة حتى الآن السماح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الغربية بعيدة المدى لضرب العمق الروسي»، موضحاً أن هناك انطباعاً بأن سياسات العامين ونصف العام من الحرب كانت تهدف إلى دعم أوكرانيا ومنع هزيمتها، ولكن في الوقت نفسه ضمان عدم هزيمة روسيا، خصوصاً إذا لجأت إلى الورقة النووية كورقة أخيرة. وعلى الأرجح، سيستمر هذا النهج في حال فوز هاريس، كونها تنتمي إلى الفريق نفسه، وأمريكا دولة مؤسسات، وليس بالضرورة أن يكون الرئيس قادراً على فرض رؤيته الشخصية.

ملفات مشتعلة

وبخلاف ملفي الحرب في أوكرانيا وتوترات الشرق الأوسط، فإن ثمة حرائق أخرى تدور التساؤلات حول توجهات الرئيس الأمريكي القادم بشأنها، من بينها الأزمة في تايوان، حيث تعد سياسات الرئيس الأمريكي القادم تجاه تايوان مسألة حيوية في تحديد مستقبل الأمن بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ. ويعتقد محللون أنه إذا استلم ترامب الرئاسة، فقد يعتمد على استراتيجية الضغط الاقتصادي والدبلوماسي على الصين لتحقيق نوع من التفاهم الذي يحفظ مصالح الولايات المتحدة وتايوان دون اللجوء إلى دعم عسكري مكثف؛ ذلك أن ترامب قد يفضل المفاوضات غير المباشرة عبر قنوات مغلقة، ساعياً لتحقيق «صفقة» تحد من التصعيد دون إثارة غضب الصين، بهدف إبقاء التوتر تحت السيطرة.

أما إذا تولت كامالا هاريس، فمن المتوقع أن تمضي قدماً على نهج بايدن في تبني سياسة ثابتة ومبنية على تعزيز التحالفات التقليدية مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وتكثيف التعاون الأمني مع تايوان، كما يمكن أن تسعى هاريس لدعم قدرات الدفاع التايوانية بشكل مباشر، ما قد يُنظر إليه من قِبل الصين كتحدٍ، ويزيد من احتمالية التصعيد العسكري.

في هذا السياق، يشير تقرير لـ«ذا كونفرسيشن» إلى أنه من غير المرجح أن يتخلى أي من المرشحين عن المنافسة الاستراتيجية مع الصين، لكن من المرجح أن يصعد ترامب الحرب التجارية بشكل جدي، ووعد بفرض تعريفات جمركية واسعة النطاق ضد بكين، كما أن التزام ترامب بالدفاع عن تايوان أكثر غموضاً مقارنة بتعهدات هاريس.

تقديم حلول

وبينما يبقى السؤال مفتوحاً حول أي منهما - ترامب أو هاريس - يستطيع بالفعل إطفاء حرائق النزاعات الدولية وتقديم حلول تحقق الأمن والاستقرار على الساحة العالمية، ففي الوقت الذي يَعِد فيه ترامب بالسرعة والحزم في التعامل، تقدم هاريس رؤية تتماشى مع التحالفات الدولية واستراتيجية الاستمرارية، حيث سيكون للناخب الأمريكي في نهاية المطاف القول الفصل في اختيار المسار الذي يفضله للمستقبل.