ترامب والعالم.. رسوم تسوم سوء الركود

كساد كبير؟ أم كارثة تحاكي أزمة العام 2008؟.. خرج ترامب من معركة الانتخابات مزهواً باكتساح قلّ نظيره واحتكار للكونغرس بمجلسيه، فما من أحد قادر على الوقوف في وجه قراراته التي تنشد بلوغ مرمى «أمريكا أولاً» والتي يمثل الاقتصاد عصبها ورأس رمحها.. لم ينس الرجل ما أطلق من وعود لناخبيه، شاكياً في الآن ذاته ما يسميه «اختلال توازن» وتعاملاً غير عادل ينتهجه العالم مع بلاده.. فأطلق نار رسومه الجمركية على الكل، لا فرق بين عدو وصديق، غني وفقير، بل أصاب الاقتصاد العالمي في مقتل، على ما يرى مناوئوه.

لقد فرّق فوز ترامب في الاستحقاق الانتخابي الأمريكي دول العالم فِرَقاً في دروب السياسة والاقتصاد معاً، بين من أسعدها وصوله سدة البيت الأبيض على غرار روسيا، ومن رأت فيه أسوأ كوابيسها كما حال الصين وأوكرانيا وربما الأوروبيين.

لم يخيب ترامب ظنون مرتابي نواياه، فقد نزلت قراراته سياطاً تلهب على الجميع.. دولاً وحكومات وكبرى شركات وأسواق مال زلزلتها الرسوم فلم تسلم واحدة منها في مشرق أو مغرب من الارتدادات، فيما نزف أثرياء العالم التريليونات.. حتى أقرب مقربيه وذراعه اليمنى إيلون ماسك لم يستطع كتمان وجعه بعد أن لمست أطراف النار ثوبه وتكبدت شركته تسلا مر الخسائر بما بدا عليها من ندوب ترجمتها نتائج فصلية مخيبة للآمال.

سرعان ما هدأت الفورة قليلاً ولم يجد ترامب بداً من التهدئة مع قائمة مختارة من الدول على الأقل، فلجأ لتجميد مداه 90 يوماً، والإعلان عن الاستعداد للتوصل إلى اتفاقيات مع الكل عدا الصين عدوه اللدود، والتي دخل معها حرباً ضروساً وتكسير عظام بفرض رسوم تدرجت حتى بلغت المدى 145% ولم تسكت الأخيرة التي ردت الصاع بالصاع متمثلة قولاً مأثوراً: «البادئ أظلم»، وشعاراً مشهوراً: «الكفاح حتى النهاية».

تنذر الرسوم بطلاق أمريكي – أوروبي بائن ليس في ميادين الاقتصاد فقط، بل يتعداه إلى ميادين أخرى أكثر استراتيجية، في ظل دعوات الأوروبيين إلى تأسيس جيش موحد وتشكيل قوة دفاع مشتركة مع قناعة تترسخ يوماً بعد آخر: «ترامب لا يؤمَن جانبه».. أمرٌ ينهي 8 عقود من زواج كاثوليكي، ويهدم «تحالف القيم» الذي أرسى دعائمه جو بايدن على رؤوس أطرافه.

تبدو العلاقات الأمريكية – الأوروبية على المحك.. وسط تقارب أوروبي – صيني في الأفق.. في تحول تاريخي لن يصب قطعاً في مصلحة واشنطن التي اعتادت على اصطحاب الأوروبيين في كل خلافاتها مع بكين.. تتودد الصين للأوروبيين للانضمام إليها فيما تسميه معركة الدفاع عن التجارة المتعددة الأطراف، في مواجهة ترامب وزمرته، ما يشي بدخول العالم عصر الانقلابات وإعادة التموضع.

إلى الوراء خطوة عاد ترامب في النيل من اقتصاد طال أذاه الاقتصاد الأمريكي في كثير قطاعات وكاد يدركه.. بدت نبرة سيد البيت الأبيض أكثر هدوءاً وعقلانية وتودداً بعد أن صعّد الصينيون النبرة والموقف ومعهما مؤشر الرسوم إلى الأعلى، ما اضطره إلى الحديث بثقة عن التوصل إلى اتفاق، وتسريبات مصدرها مسؤولون في إدارته بأنه يدرس الخفض إلى النصف.. وما يُظن بكافٍ.

يضع العالم يده على قلبه من ركود هو من نظيره أوان جائحة كورونا أشد.. فيما تعتمل المخاوف دواخل الكثيرين من تأجج التضخم واستعار نيرانه، وخشية من اندلاع حرب تجارية غذت شرايينها حالة عدم اليقين في الكثير من الصناعات. لن تقتصر نيران الرسوم على الخارج قطعاً، حال شقت إلى أرض الواقع طريقاً، بل ستمتد ألسنتها إلى البيت الأمريكي نفسه، فلا ناجياً من الطوفان والحريق سيطال الجميع لا محالة.