"العنكبوت" ورقة زيلنسكي التي صدمت ترامب وبوتين

إعداد: موسى علي

بعد ثلاثة أشهر، من لقائهما الشهير في البيت الأبيض، وبعد أن حذره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أنه "لا يملك أوراقاً" في المواجهة مع روسيا، لعب الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي "ورقة لم يتوقعها أحد"، من خلال العملية الجريئة للطائرات المسيرة الأوكرانية، والتي استهدفت قاذفات روسية قادرة على حمل رؤوس نووية داخل العمق الروسي، واعتبرت صفعة استراتيجية قوية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأربكت الحسابات الدولية.

العملية التي أطلقت عليها أوكرانيا اسم "عملية العنكبوت"، وصفها مدونون موالون للكرملين بأنها "بيرل هاربر روسيا"، فيما صنفها خبراء عسكريون على أنها تمثل كابوسًا جديدًا في مجال الدفاع الوطني. وقد أجمع المحللون على أن الاستخدام المبتكر للطائرات المسيرة منخفضة الكلفة في هذه العملية يمثل تحوّلًا جذريًا في طبيعة الحروب، ليس في أوكرانيا وحدها، بل على مستوى العالم.

أعلن زيلينسكي أن الهجوم استغرق عامًا وستة أشهر وتسعة أيام منذ لحظة التخطيط حتى التنفيذ. وأوضح أن عناصر الاستخبارات الأوكرانية عملوا داخل روسيا لعدة أشهر دون أن يتم اكتشافهم.

العملية استهدفت خمس قواعد جوية روسية تفصل بينها آلاف الكيلومترات، وجميعها بعيدة عن أوكرانيا. ونجحت أوكرانيا في نشر عشرات الطائرات المسيرة بالقرب من هذه القواعد من دون علم القوات الروسية.

ووفقًا لجهاز الأمن الأوكراني (SBU)، فقد تم تهريب الطائرات تحت أسقف كبائن ونقلها بواسطة شاحنات. وعند "اللحظة المناسبة"، تم فتح أسقف الكبائن عن بُعد، لتنطلق الطائرات نحو أهدافها: القاذفات الروسية.

وأعلن الجهاز أن 41 طائرة روسية أُصيبت، مقدّرًا حجم الأضرار بنحو 7 مليارات دولار، باستخدام طائرات مسيّرة قد لا تتجاوز تكلفة الواحدة منها عدة آلاف من الدولارات. وأشار إلى أن بعض الطائرات الروسية المستهدفة كانت قديمة إلى درجة أن استبدالها غير ممكن.

لم يصدر عن ترامب، الذي لم يتم إبلاغه مسبقًا بالعملية، أي تعليق علني حتى الآن. ومع تصاعد خطاب بعض مؤثري حملة "لنجعل أميركا عظيمة مجددًا" حول "حرب عالمية ثالثة" محتملة، يرد أنصار دعم أوكرانيا بأن كييف لم يعد لديها سوى خيارات محدودة.

في المقابل، أبدت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون ترددًا في تزويد أوكرانيا بدفاعات جوية إضافية رغم القصف الروسي الأسبوعي المتواصل، بسبب تراجع مخزونهم.

كما رفضت موسكو عرضًا أوكرانيًا بوقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا. ورغم أن ترامب هاجم بوتين بسبب تعنّته، إلا أنه لم يفرض أي عقوبات جديدة على روسيا حتى الآن.

الرسالة الأوكرانية كانت واضحة: إذا لم يساعدنا العالم في إسقاط القاذفات الروسية في السماء، فسنضربها على الأرض.

إدارة ترامب تسعى حاليًا إلى تحويل تركيزها الاستراتيجي بعيدًا عن أوكرانيا، نحو ملفات أكثر إلحاحًا، خصوصًا في منطقة المحيط الهادئ. وفي نهاية الأسبوع، حذر وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث خلال مؤتمر أمني في سنغافورة من أن غزو الصين لتايوان قد يكون "وشيكًا".

ورغم ذلك، لا تزال الابتكارات الأوكرانية في ساحة المعركة تقدم دروسًا استخباراتية مباشرة حول شكل الحرب الحديثة، وخاصة الحروب غير المتكافئة.

عملية "العنكبوت" أثارت قلقًا جديدًا بين خبراء الأمن القومي بشأن استخدام البنية التحتية المدنية لأغراض عسكرية. فعلى سبيل المثال، يُنظر الآن بجدية إلى احتمال استخدام السفن التجارية الصينية الراسية في الموانئ الأميركية كمنصات لهجمات خفية.

وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد حذرت في تقريرها السنوي حول القوة العسكرية الصينية من أن بكين قد تطور منصات إطلاق صواريخ يمكن إخفاؤها داخل حاويات شحن تجارية.

الرسالة التي وجهتها أوكرانيا للعالم واضحة: القدرة على تنفيذ هجمات منسقة داخل روسيا وعلى مسافات شاسعة تؤكد هشاشة الأمن الداخلي الروسي وتكشف عن ثغرات خطيرة في أنظمة الردع التقليدية.

الأوكرانيون يطبقون، في الزمن الحقيقي، ما كان مخططو الحرب في البنتاغون يرسمونه على الورق فقط.

وكتبت إيرينا فيريشتشوك، مستشارة الرئيس الأوكراني، على "تيليغرام": "هذا بالضبط ما تبدو عليه الحرب غير المتكافئة. وهذا بالضبط ما ستبدو عليه حروب المستقبل.