هل تتجه علاقة ترامب وبوتين إلى «التجميد التكتيكي»؟

بين التهدئة الحذرة والتصعيد المحسوب، تتأرجح العلاقات بين واشنطن وموسكو، في مرحلة جديدة تتسم بالغموض والبرود الدبلوماسي. فبعد أن كان كثيرون يعوّلون على دونالد ترامب لإحداث اختراق في جدار الأزمة الأوكرانية، تبدو مؤشرات الواقع، اليوم، أقرب إلى «تجميد تكتيكي» للعلاقات بين الرئيسين الأمريكي والروسي، بعد فشل مساعي التقارب، وعودة لغة العقوبات والتهديدات المتبادلة إلى الواجهة.

وفي ظل تصلّب المواقف الأوروبية، وغياب أي أرضية مشتركة حول مستقبل أوكرانيا، يتجدد السؤال: هل نحن أمام صدام قادم بين ترامب وبوتين، أم أن الطرفين اختارا إدارة الخلاف لا تفجيره؟.

فبعد محاولات متكرّرة لتقريب المواقف بين واشنطن وموسكو، عادت العلاقات بين الرئيسين إلى أجواء التوتر الحذر، سيما وأن القمة الأخيرة في ألاسكا، التي وُصفت حينها بأنها فرصة لإعادة بناء الثقة، لم تسفر عن نتائج ملموسة، ومن ثم ظلت الخلافات العميقة حول خطوط التماس في أوكرانيا، وتوريد الأسلحة الغربية بعيدة المدى، عقبة أمام أي اختراق حقيقي في مسار السلام.

سياسة أكثر تشدداً

ويبدو أن واشنطن – رغم وعود ترامب السابقة بالانفتاح والحوار – تتجه نحو سياسة أكثر تشدداً تجاه موسكو، خصوصاً مع تصاعد الضغوط الداخلية من المؤسسة العسكرية والكونغرس، لعدم تقديم أي تنازلات «مجانية» لبوتين.
وفي المقابل، تُصر روسيا على ثوابتها الأمنية، بعدم تمدد الناتو شرقاً، أو نشر أنظمة استراتيجية قرب حدودها، معتبرة ذلك خطوطاً حمراء غير قابلة للتفاوض.

ومع إعلان واشنطن نيتها تزويد كييف بصواريخ طويلة المدى من طراز «توماهوك»، بدا أن موسكو ترى في هذه الخطوة تجاوزاً لكل الخطوط، ما ينذر بجولة جديدة من التصعيد الدبلوماسي، وربما العسكري غير المباشر.

التصعيد

يقول خبير العلاقات الدولية، الكاتب المصري أسامة الدليل، لـ «البيان»، إن علاقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، منذ تولي ترامب الإدارة الأمريكية مطلع العام، تتراوح بين الشد والجذب على مستوى التصريحات العلنية، لكن بالعودة إلى اللقاء الشهير الذي جمعهما في ألاسكا، يتضح أن الاتصال المباشر بين القيادتين، عادة ما يسفر عن نتائج إيجابية.

ويرى الدليل أن إنهاء حالة الحرب في أوكرانيا، لا ترتبط فقط بعلاقة ترامب ببوتين، وإنما تحكمه عوامل أخرى، أبرزها الموقف الأوروبي الذي يميل إلى مواصلة الحرب، حتى القضاء على ما يعتبره «الخطر الروسي» على أمن أوروبا، فضلاً عن نزعة الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي إلى التمرد على نصائح ترامب، بضرورة البحث عن صفقة مع موسكو، تتضمن الرضوخ للأمر الواقع بشأن شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس، لتجنيب بلاده «الدمار الكبير»، على حد وصف الرئيس الأمريكي.

ويضيف الدليل إن تحقيق السلام في هذا الملف، كان من أبرز وعود ترامب الانتخابية، إذ قامت خطته على تجفيف منابع التمويل الأمريكي لأوكرانيا، إلا أن المواقف الأوروبية المتشددة، عقدت من جهود الإدارة الأمريكية في إنجاز هذا الملف، الذي كان ترامب يتصوره الأسرع تحقيقاً، ضمن بقية الملفات الدولية.

تجميد تكتيكي

ومع استمرار الخلافات، يرجّح خبراء العلاقات الدولية، أن تدخل العلاقة بين ترامب وبوتين مرحلة «التجميد التكتيكي»، أي تبادل رسائل حادة، وتصعيد محدود بالعقوبات، دون الوصول إلى مواجهة شاملة، إذ يدرك الطرفان أن كلفة الصدام الكامل ستكون باهظة سياسياً واقتصادياً.

في المقابل، لا يُستبعد أن تشهد المرحلة المقبلة «صداماً محدوداً»، إذا ما أقدمت واشنطن على خطوة عسكرية أو استخباراتية تمس المصالح الحيوية لروسيا، مثل استهداف منشآت الطاقة، أو خطوط الإمداد في العمق الروسي.
ويلّخص الخبراء مشهد العلاقات بين ترامب وبوتين، بالمتأرجحة بين الرغبة في الحفاظ على قنوات اتصال لتجنب الانفجار، وضغوط داخلية وخارجية تدفع نحو التشدد والمواجهة. فكل طرف يسعى لتحقيق مكاسب تكتيكية، دون أن يتورط في حرب مباشرة، لكن أي خطأ في الحسابات، أو تصعيد غير محسوب في أوكرانيا، قد يعيد العلاقات إلى مربع الصدام، ويُغلق باب التسوية، التي ما زال العالم يترقبها بلا أفق واضح.

سياق أوسع للحل

ويرى الدكتور عمرو الديب الأستاذ المساعد في جامعة لوباتشيفسكي الروسية الحكومية، أن ترامب، سواء خلال فترة رئاسته الحالية، أو حتى قبل دخوله البيت الأبيض، كان يتمنى التوصل إلى اتفاق لإنهاء الأزمة الأوكرانية بأي ثمن. وفي هذا السياق، حاول ترامب ممارسة ضغوط كبيرة على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لدفعه نحو تقديم تنازلات، تفتح الطريق أمام تسوية سياسية.

ويشير الديب، في تصريحاته لـ «البيان»، إلى أن هذه المحاولات لم تصل إلى حد النجاح، وهو ما أفرز بوادر خلافات بين ترامب وبوتين، لكنها لا ترقى إلى مستوى العداء أو القطيعة بين الجانبين. مؤكداً أن من المهم التفريق بين العلاقة الشخصية، وبين العلاقة الرسمية بين رئيسي أكبر دولتين في العالم، فهذه العلاقة شديدة التعقيد، وتحكمها اعتبارات داخلية في كل دولة، فضلاً عن عوامل جيوسياسية متعددة، تحدد مسارها.

ويختتم الديب بالقول إن حل الأزمة الأوكرانية لا يتوقف على العلاقة الشخصية بين ترامب وبوتين، بل يرتبط بسياق أوسع من العلاقات الدولية المتشابكة، أساسه أمن أوروبا الجماعي، وأمن روسيا وحدودها الغربية، وهي ملفات تتجاوز إرادة الزعيمين وحدهما.