الصين تطلق "سلاح الاختناق" رداً على تعريفة الـ100% الأمريكية!

تصاعد الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين إلى مرحلة حاسمة وخطيرة، محولاً الحرب الاقتصادية التقليدية إلى صراع جيوسياسي على عصب التكنولوجيا العالمية. جاء هذا التصعيد المزدوج بعد أن أدلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتصريحات متناقضة، تبعها إعلان بكين عن قيود تصدير غير مسبوقة على "المعادن النادرة" وتقنيات إنتاجها.

فبعد أيام من تهديده بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 100% على بكين، اتخذ ترامب الأحد لهجة توفيقية مفاجئة. وكتب الرئيس الأمريكي على منصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشال": "الولايات المتحدة تريد مساعدة الصين وليس إلحاق الأذى بها"، مضيفاً: "احترم الرئيس شي (جيبينغ) .. لا أريد أن تعاني بلاده كساداً".

لكن هذا التهديد بالرسوم، الذي أطلقه ترامب الجمعة الماضي رداً على ما أسماه قيوداً صينية جديدة "عدوانية للغاية" على الصادرات المتعلقة بالمعادن النادرة، كان قد وضع بالفعل الأساس للتصعيد المضاد.

وفي ظل تصريحات ترامب المتضاربة، كشفت بكين عن "قنبلتها الاستراتيجية": اعتباراً من 1 ديسمبر، ستشترط وزارة التجارة الصينية الحصول على ترخيص لتصدير أي منتجات تحتوي على أكثر من 0.1% من المعادن النادرة الصينية. هذه الخطوة تعكس تحول الحرب التجارية من مجرد رسوم جمركية تقليدية إلى استخدام أوراق القوة التكنولوجية.

وتحمل هذه القيود، التي يصفها النقاد بأنها "شديدة العدوانية"، أبعاداً تتجاوز الإمدادات المباشرة. فقد حذر دين بول، المستشار الأقدم السابق في مكتب البيت الأبيض لسياسات العلوم والتكنولوجيا، من أن هذه السياسة تمنح الصين القوة الفعلية لـ "منع أي دولة على وجه الأرض من المشاركة في الاقتصاد الحديث".

تكمن خطورة الأمر في أن الصين تسيطر على أكثر من 90% من طاقة المعالجة العالمية للمعادن النادرة والمغناطيسات المصنوعة منها، مما يمنحها نفوذاً هائلاً على قطاعات حيوية تشمل السيارات الكهربائية، وأنظمة الدفاع المتقدمة، وأشباه الموصلات. وتؤكد الإحصائيات أن الولايات المتحدة تعتمد على استيراد ما يقرب من 80% من استهلاكها من المعادن النادرة، معظمها يأتي من الصين.

لقد بنت بكين هذه السيطرة الاستراتيجية على مدى عقود، متسامحة مع التكاليف البيئية والمالية التي لم يكن الغرب مستعداً لتحملها، مما خلق "اختناقاً" عالمياً في سلسلة الإمداد. هذا الوضع أدى بالفعل إلى اضطراب في خطوط إنتاج السيارات الأمريكية بسبب نقص المغناطيسات النادرة، كما أكدته تقارير سابقة. ومن الناحية الجيوسياسية، فإن القيود الصينية تعكس تصعيداً مضاداً لجهود واشنطن، التي سعت لتقييد وصول بكين إلى رقائق أشباه الموصلات المتقدمة في الأشهر الأخيرة، مما يوضح سياسة "العين بالعين" في ساحة التكنولوجيا الحيوية.

يُقر المحللون بأن الصين تستخدم هذه الأوراق الاستراتيجية لأن قطاع التصدير لديها يعاني بشكل كبير من وطأة تعريفات ترامب الجمركية، مما دفعها لرفع سقف التوتر كورقة مساومة أخيرة. لكن مايكل فرومان، الممثل التجاري الأمريكي السابق، حذر من أن قطع أمريكا عن رقائق اليوم سيمكن الصين من جعل بناء التقنيات المتقدمة ورقائق الغد أصعب بكثير. ويُتوقع أن تؤدي القيود الجديدة إلى تقلبات حادة في الأسعار وتأخير في تراخيص التصدير، مما يجبر الدول على الاستثمار بشكل مكثف في مشاريع التعدين والمعالجة خارج آسيا.

وفي خضم هذه المعركة، أكدت وزارة التجارة الصينية أن القيود ليست حظراً، بل هي حق سيادي يهدف إلى "حماية الأمن القومي" ومنع استخدام المعادن النادرة في "الأغراض العسكرية الحساسة" للدول الأجنبية. ومع ذلك، تبقى الرسالة الغربية واضحة؛ حيث يشدد المحللون على أن الاعتماد على الصين في هذه المرحلة الحساسة يتطلب استجابة متعددة الأبعاد تشمل الابتكار والتحالفات الاستراتيجية، وإلا ستستمر بكين في استخدام المعادن النادرة كسلاح جيوسياسي قوي يحدد مسار التنمية التكنولوجية في القرن الحادي والعشرين.