اتهمت تايلاند جارتها كمبوديا، يوم الإثنين، بانتهاك صريح لاتفاق وقف إطلاق النار الذي أُبرم السبت الماضي بعد ثلاثة أسابيع من المواجهات العنيفة، وذلك من خلال إطلاق أكثر من 250 طائرة مسيّرة اخترقت المجال السيادي التايلاندي ليل الأحد-الإثنين؛ الأمر الذي وصفه الجيش التايلاندي في بيان رسمي بأنه استفزاز خطير يهدد التدابير الرامية إلى خفض التوتر، بينما حاول وزير الخارجية الكمبودي براك سوخون تخفيف حدة الأزمة بوصفها "مشكلة صغيرة" ناتجة عن مسيّرات رصدت من الطرفين، مؤكداً وجود مباحثات لحلها فوراً.
ويأتي هذا التصعيد ليلقي بظلال من الشك على ديمومة الاتفاق الذي استهدف وقف المعارك الحدودية التي حصدت أرواح 47 شخصاً على الأقل وتسببت في نزوح ما يقرب من مليون مدني، حيث تعهدت الدولتان بموجبه بتجميد المواقع العسكرية والتعاون في نزع الألغام.
إن جذور هذا النزاع تضرب عميقاً في التاريخ، وتحديداً في حقبة الاستعمار الفرنسي للهند الصينية، حيث يمتد الخلاف على طول حدود تبلغ 800 كيلومتر رُسمت في مطلع القرن العشرين بناءً على خرائط فرنسية احتوت على تضاربات جغرافية حادة، مما جعل كل طرف يتمسك بسيادته على مناطق يراها جزءاً لا يتجزأ من أراضيه التاريخية.
وتعتبر منطقة معبد "برياه فيهير" التاريخي، المدرج ضمن التراث العالمي، بؤرة الصراع الرمزية الأكثر اشتعالاً، فعلى الرغم من قرار محكمة العدل الدولية عام 1962 الذي منح المعبد لكمبوديا، إلا أن النزاع حول المساحات المحيطة به ظل قائماً، وتسبب في اشتباكات دامية متكررة كان أبرزها في عامي 2008 و2011.
إن استخدام الطائرات المسيرة في هذا التوقيت يمثل تحولاً تقنياً في الصراع القديم، حيث تحول "صراع الخرائط الورقية" إلى "حرب مراقبة جوية" تهدد بتفجير الوضع الإنساني الهش، وتضع منطقة جنوب شرق آسيا أمام معضلة أمنية كبرى قد تقوض استقرار منظمة "آسيان" بالكامل إذا لم تنجح القنوات الدبلوماسية في لجم هذا التصعيد الميداني.
