إجماع دولي على التهدئة وإحياء الدبلوماسية

مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في كلمة عبر الفيديو خلال اجتماع لمجلس الأمن في نيويورك
مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في كلمة عبر الفيديو خلال اجتماع لمجلس الأمن في نيويورك

تفاعل الصراع الإسرائيلي الإيراني على نحو واسع في أروقة مجلس الأمن الدولي، وسط إجماع على ضرورة خفض التصعيد والعودة للمسار الدبلوماسي، وتحذيرات من اتساع رقعة النزاع وكارثة نووية، فيما شهدت جنيف اجتماعاً إيرانياً أوروبياً.

وقالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، دوروثي شيا، إن بلادها تأمل في تجنب المزيد من التصعيد في الصراع بين إيران وإسرائيل.

وشددت شيا أمام مجلس الأمن الدولي، على أن الأوان لم يفت بعد أمام الحكومة الإيرانية لتقوم بالخطوة الصحيحة، مضيفة: كان الرئيس دونالد ترامب واضحاً في الأيام الأخيرة بأن على القيادة الإيرانية أن تتخلى تماماً عن برنامج تخصيب اليورانيوم وأي طموحات لامتلاك سلاح نووي.

وأكدت شيا، أن الولايات المتحدة لا تزال تقف إلى جانب إسرائيل، وتدعم إجراءاتها ضد الطموحات النووية الإيرانية.

تحذير أممي

وحذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من أن اتساع رقعة الصراع الإسرائيلي الإيراني ربما يشعل فتيل حرب لا يمكن السيطرة عليها، داعياً طرفي الصراع، والأطراف المحتملة الأخرى، إلى إعطاء السلام فرصة.

وأضاف غوتيريش خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي: هناك أوقات لا تكون فيها الخيارات المطروحة أمامنا مهمة فحسب، بل حاسمة أيضاً.. أوقات يُحدد فيها الاتجاه الذي نتخذه ليس مصير الأمم فحسب، بل ربما مستقبلنا المشترك.. ونحن في لحظة كهذه.

وحض مندوب بريطانيا لدى الأمم المتحدة، طرفي الصراع على حماية المدنيين، مشيراً إلى أن ضبط النفس أمر حيوي. وأضاف: هذه لحظة خطيرة للمنطقة بأكملها.

وأوضح أن العمل العسكري لا يمكن أن يضع حداً للقدرات النووية لإيران. إلى ذلك، شددت روسيا على ضرورة تجنب تدويل الصراع الإسرائيلي الإيراني، داعية إلى خفض التصعيد على الفور.

وقال السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، إن استهداف المنشآت الإيرانية للطاقة النووية المدنية السلمية ربما يقود إلى كارثة نووية.

كما دعت الصين إلى وقف فوري لإطلاق النار وإنهاء الصراع، مشددة على ضرورة أن تعود القضية النووية الإيرانية إلى مسار الحوار والمفاوضات.

وقالت الصين أمام مجلس الأمن الدولي، إنه يجب على إسرائيل وقف إطلاق النار في الصراع مع إيران في أقرب وقت ممكن لمنع تصعيد الوضع.

بدوره، قال سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، داني دانون، إن إسرائيل تسعى لبذل جهود حقيقية بشأن قدرات إيران النووية من خلال اجتماع الجمعة بين وزراء أوروبيين وإيرانيين، وليس مجرد جولة أخرى من المحادثات.

وأضاف لصحفيين في الأمم المتحدة: شهدنا محادثات دبلوماسية على مدى العقود القليلة الماضية، وننظر إلى نتائجها.. إذا بُذلت جهود حقيقية لتفكيك قدرات إيران، فهذا أمر يمكننا النظر فيه، ولكن إذا كان الأمر أشبه بجلسة أخرى ومناقشات، فلن ينجح الأمر.. إذا كانت مجرد جولة أخرى من المحادثات، فهذا أمر لا يمكننا قبوله.

وأضاف: هناك حاجة إلى جهود حقيقية لتفكيك قدرات إيران، مشيراً إلى أن إسرائيل لم تحقق أهدافها بعد، لذلك تواصل عمليتها العسكرية في إيران.

في الأثناء، حذر رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافايل غروسي، من أن ضربة إسرائيلية على محطة بوشهر النووية في جنوب إيران قد تؤدي إلى كارثة إقليمية، مضيفاً أنه لم يتم رصد أي تسرب إشعاعي منذ بدء الحرب.

وقال غروسي أمام مجلس الأمن الدولي: لقد تواصلت معي دول من المنطقة بشكل مباشر خلال الساعات القليلة الماضية للتعبير عن مخاوفها، وأريد أن أوضح بشكل قاطع وكامل أنه في حال وقوع هجوم على محطة بوشهر للطاقة النووية، فإن ضربة مباشرة ستؤدي إلى إطلاق كميات كبيرة للغاية من النشاط الإشعاعي.

وطالب غروسي بالتوصل إلى حل دبلوماسي لإنهاء الضربات الإسرائيلية على إيران، قائلاً إن وكالته قادرة على ضمان مراقبة صارمة بموجب أي اتفاق بشأن وضع التكنولوجيا النووية الإيرانية.

وفي اجتماع أوروبي - إيراني في جنيف، حضت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، طهران على مواصلة المباحثات مع الولايات المتحدة بشأن برنامج طهران النووي، خلال لقاء مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي.

وقال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو: نعتقد أنه لا يوجد حل نهائي بالوسائل العسكرية لقضية النووي الإيراني، مشيراً إلى أن الأوروبيين دعوا إيران إلى التفاوض بدون انتظار وقف الضربات الإسرائيلية.

وكشف بارو عن أن وزير خارجية إيران أبدى استعداده لمناقشة ما هو أبعد من القضية النووية.

ورأى نظيره الألماني يوهان فاديفول، أن طهران تبدو مستعدة من حيث المبدأ لمواصلة المناقشات.

بدوره، قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أمس، إن طهران مستعدة للتفكير في المسار الدبلوماسي مرة أخرى. وأضاف: أجرينا اليوم نقاشاً جاداً وسط جو من الاحترام.. ندعم استمرار المناقشات مع الترويكا الأوروبية والاتحاد الأوروبي ونستعد للقاء مرة أخرى في المستقبل القريب.

وقبيل الاجتماع، ندد عراقجي، بالهجمات الإسرائيلية معتبراً أنها خيانة للجهود الدبلوماسية التي كانت تبذل مع الولايات المتحدة، مؤكداً أن طهران وواشنطن كانتا ستتوصلان إلى اتفاق واعد.

وقال عباس عراقجي، أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، قبل اجتماع بالغ الأهمية مع وزراء خارجية أوروبيين: هوجمنا في وسط عملية دبلوماسية، واصفاً الهجوم الإسرائيلي بأنه عمل عدواني شنيع.

وأضاف: كان من المفترض أن نلتقي الأمريكيين في 15 يونيو لصوغ اتفاق واعد جداً لحل سلمي للقضايا التي تم اختلاقها بشأن برنامجنا النووي السلمي.

وقال دبلوماسيون قبيل اجتماع جنيف، إن وزراء خارجية دول بالاتحاد الأوروبي سيبلغون عراقجي، بأن الولايات المتحدة منفتحة على إجراء محادثات مباشرة. وذكر دبلوماسيان، أنه سيتم إبلاغ عراقجي بأن على إيران إرسال إشارة واضحة، مشيرين إلى أن وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، تحدث إلى عدد من نظرائه في الغرب قبل اجتماع جنيف، وأشار إلى استعداد واشنطن للتواصل المباشر مع طهران.

كما أكد الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، أن السبيل الوحيد لإنهاء الحرب هو الوقف غير المشروط للعدوان الإسرائيلي، وفقاً لوكالة تسنيم الإيرانية.

وقال بزشكيان في تغريدة نشرها على منصة «إكس»: لقد كنا دائماً دعاة سلام وهدوء، ولكن في الوضع الحالي، فإن السبيل الوحيد لإنهاء الحرب المفروضة هو الوقف غير المشروط لعدوان العدو، وتقديم ضمانات قاطعة لإنهاء مغامرات الإسرائليين إلى الأبد.

في السياق، شدد مسؤول إيراني كبير، على أن دور القوى الأوروبية أكثر أهمية الآن، لأن طهران غير راغبة في التواصل مع أمريكا، مضيفاً: نحتاج إلى سماع مبادرة الترويكا الأوروبية بشأن القضية النووية.. طهران مستعدة لمناقشة وضع قيود على تخصيب اليورانيوم.

نقطة اللاعودة

إلى ذلك، اعتبر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن النزاع بين إسرائيل وإيران يقترب بسرعة من نقطة اللاعودة. وقال أردوغان: للأسف، تقترب الإبادة في غزة والنزاع مع إيران بسرعة من نقطة اللاعودة.

ينبغي لهذا الجنون أن ينتهي في أسرع وقت، محذراً من تداعياته على المنطقة وأوروبا وآسيا لأعوام عدة.

وشدد أردوغان، في تصريحات خلال منتدى شباب منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، على ضرورة رفع اليد عن الزناد قبل وقوع المزيد من الدمار وسفك الدماء وسقوط ضحايا مدنيين وكارثة مروعة قد تؤثر على منطقتنا، وكذلك على أوروبا وآسيا لسنوات قادمة.

وحذر أردوغان من أن الضربات الإسرائيلية على إيران قد تؤدي إلى موجة هجرة تؤثر على أوروبا والمنطقة.

على صعيد متصل، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن باريس وبرلين ولندن ستقدم عرضاً تفاوضياً شاملاً للإيرانيين، يشمل القضايا النووية وأنشطة الصواريخ البالستية وتمويل الأذرع المسلحة في المنطقة.

وأكد ماكرون على هامش معرض باريس الجوي، أنه يجب إعطاء الأولوية للعودة إلى المفاوضات الجوهرية.

وقال إن البرنامج النووي الإيراني يمثل خطراً متنامياً، داعياً إلى بذل جهود دبلوماسية فورية لاستعادة السيطرة عليه.

وأضاف: البرنامج النووي الإيراني يمثل تهديداً، ولا يمكن أن يكون هناك تهاون في هذا الأمر.. لا يمكن أن يزعم أحد بجدية أن العمليات العسكرية الجارية رد فعل على هذا التهديد.. يجب السيطرة مجدداً على هذا البرنامج عبر الإشراف التقني والمفاوضات.. ولا بد أن يتم استئناف المحادثات كأولوية مطلقة.

أفكار وساطة

من جهته، أعرب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن اعتقاده أن من الممكن إيجاد حل للصراع بين إيران وإسرائيل، مضيفاً: لا نسعى للوساطة بل نقترح أفكاراً لحل الصراع.

وأشار إلى أن روسيا تطرح أفكاراً على إسرائيل وإيران عن كيفية إنهاء الصراع، وعبر عن اعتقاده بوجود حل دبلوماسي للأزمة.

كما أكد الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أنه يجب على دول المنطقة وضع الخطوط الحمراء في الصراع الإيراني الإسرائيلي.

وقال بيسكوف: في الوقت الحالي، رغبة إسرائيل هي مواصلة العمليات العسكرية، على الأقل هكذا يعلنون رسمياً عن نواياهم، أفضل ما يمكن لإيران وإسرائيل فعله هو التخلي عن العمل العسكري واختيار المسار الدبلوماسي.. لا أحد يفرض أي خدمات وساطة في الشرق الأوسط، لكن إمكانات روسيا لمثل هذه الخدمات معروفة.. لقد قلنا مراراً وتكراراً إن الرئيس بوتين، لديه القدرة على تقديم خدمات الوساطة عند الضرورة، ولا أحد يفرضها.. كل ما في الأمر أن علاقاتنا مع إيران وإسرائيل ودول أخرى في المنطقة تسمح لنا بتقديم هذه الخدمات عند الضرورة.. المنطقة تنزلق إلى هاوية من عدم الاستقرار والحرب.