«كوب 30» يخوض معركة وجودية في مواجهة «شبح ترامب»


تستعد مدينة بيليم الساحلية، بوابة الأمازون البرازيلية، لاستضافة الدورة الثلاثين لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب 30) في الفترة ما بين 10 و21 نوفمبر، وسط تحديات لوجستية وسياسية غير مسبوقة. هذا المؤتمر، الذي يصر الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا على عقده في قلب الغابات المطيرة لإظهار «واقع الأمازون»، يواجه عاصفة من الاضطرابات الجيوسياسية والاقتصادية تهدد جوهر المفاوضات.

التوتر وانعدام الثقة
المشهد العام يغلب عليه التوتر وانعدام الثقة، والتحدي الأضخم يكمن في إبقاء الدول موحدة في وجه أزمة المناخ، بينما يلوح في الأفق شبح انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس مرة أخرى، وتخوفات متصاعدة من الرئيس دونالد ترامب وسياساته العقابية.
اختيار لولا لمدينة بيليم، ذات البنى التحتية المحدودة، لاستضافة تدفق 50 ألف مفاوض وخبير وناشط، كان رسالة واضحة للعالم بأهمية الأمازون. لكن هذا الطموح اصطدم بواقع اقتصادي مرير.

ارتفاع الأسعار يهدد المشاركة
أدى الارتفاع الحاد في أسعار الفنادق والخدمات إلى تقليص حجم الوفود، حيث أشارت دول مثل غامبيا، والرأس الأخضر، وحتى اليابان إلى أنها ستخفض عدد ممثليها. وصل الأمر إلى اعتذار الرئيس النمساوي عن المشاركة بسبب التكاليف، بينما سيمثل الأمير وليام ملك بريطانيا. نتيجة للاضطرابات الجيوسياسية والاقتصادية، تأخر العديد من رؤساء الدول والحكومات في تأكيد حضورهم، باستثناء عدد قليل مثل قادة كولومبيا وجنوب أفريقيا.
يتزامن انعقاد «كوب 30» مع تسجيل العالم للعامين الأكثر حرارة على الإطلاق، وتصاعد موجات الحر والعواصف. ورغم ارتفاع التوقعات، يلاحظ المحللون غياباً للرغبة في تقديم التزامات جديدة طموحة.

أزمة التمويل
تبرز قضية الموارد كأزمة ثقة عميقة. لخص رئيس المؤتمر أندريه كوريا دو لاغو الموقف بقوله: «هناك طلبات كثيرة، وتعهدات أكثر محدودية». ويوضح فيكتور مينوتي من منظمة «ديماند كلايمت جاستيس» أن «هناك انعداماً كبيراً للثقة بين الدول الغنية والفقيرة»، خصوصاً بعد تحديد «كوب 29» هدف مساعدة للدول النامية بقيمة 300 مليار دولار سنوياً بحلول 2035، وهو مبلغ أدنى بكثير من التوقعات.

شبح ترامب يهدد الحاضرين
تخشى العديد من الدول، خاصة تلك التي تعتمد على التجارة مع الولايات المتحدة، من أن مشاركتها بوفود قوية في مؤتمر يهدف لفرض قيود على الانبعاثات، قد يجعلها هدفاً لـ «الحروب الجمركية والتجارية» أو العقوبات من قبل إدارة أمريكية بقيادة ترامب، المعروف بتهديداته بفرض رسوم جمركية واسعة على الشركاء التجاريين الذين لا يتبعون سياسته. هذا الخوف قد يكون سبباً غير معلن لتقليص الوفود وتأخير تأكيد الحضور.

المناورة السياسية
لولا، الذي يسعى لتأكيد «عودة البرازيل» على الساحة الدولية، حاول ممارسة الدبلوماسية مع ترامب نفسه. وكشف لولا أنه دعا ترامب شخصياً عبر اتصال هاتفي، قائلاً بلهجة استفزازية: «من المهم أن تأتي إلى البرازيل لأنك ستكون في قلب الأمازون، لترى كيف تبدو هذه الأمازون التي يعشقها العالم». هذه الدعوة تهدف، في جوهرها، إلى نزع فتيل التهديد الأمريكي المباشر أو على الأقل تحويل الأنظار إلى أهمية القضية.
يزيد من تعقيد الموقف أن الاتحاد الأوروبي المنقسم لم يتمكن من التوصل إلى اتفاق واضح بشأن التزاماته المناخية الجديدة لعام 2035، واكتفت الصين بـ «أهداف الحد الأدنى».
مؤتمر «كوب 30» في بيليم ليس مجرد اجتماع تقني، بل هو اختبار لإرادة المجتمع الدولي في الالتزام بالعمل متعدد الأطراف في ظل صعود الأحزاب المشككة في تغير المناخ والاضطرابات الجيوسياسية. وفي انتظار ما ستسفر عنه المناقشات، تبقى بيليم عنواناً لمرحلة جديدة قد لا تشهد «عناوين كبرى»، بل مجرد محاولة يائسة لمنع الانهيار الكامل لجهود المناخ العالمية.