«علمتني الحياة».. رؤية متفردة في إسعاد الناس

«الحكومة البسيطة أقرب للناس ولجوهر الحياة.. أقرب للشرعية السياسية، لأن رضا الناس هو الأساس في شرعية الحكومات، وأقرب للعدالة الاجتماعية».. نهج متفرد لمدرسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في الحكم والإدارة، يحقق جودة الحياة، وإسعاد الناس، وصولاً إلى الريادة في المؤشرات التنافسية العالمية.

وفي الجزء الأول من كتابه الجديد «علمتني الحياة»، يقول سموه: «تبسيط الحكومة، هو تبسيط للحياة، وإطلاق لإمكانات الإنسان العظيمة، وقوة دافعة لصناعة الحضارة البشرية».

ويحذر سموه الشباب من خطر الكسل على الإنسان، فهو يبدد الطاقات والقدرات، ويقتل الروح، ويثبط العزيمة، ويفتح أبواب الحاجة.. يقول سموه: «العمل الجاد هو الذي تُبنى به الأمم والحضارات.. العمل والتفاني والكد والتعب، هو الذي صنع نماذج تنموية عظيمة، كاليابان والصين وتايوان وسنغافورة».

تبسـيط الحـكومة

علّمتني الحياة أنه كلما ارتقى الإنسان أصبح أبعد عن التعقيد وأقرب إلى البساطة وإلى جوهر الأشياء.

وعبر ستة عقود من العمل العام، أدرك كل يوم أن تبسيط الحكومة ليس عملاً سهلاً لكنه أساسي في تحريك دورة الحياة.

دور الحكومة الأساسي تنظيم حركة الحياة وتمكينها، لكن أغلب الحكومات تركز على التنظيم وتبالغ فيه، وتنسى الجزء الثاني وهو تمكين حركة الحياة ودفعها، لتكون الحياة نابضة بالإبداع، متدفقة بالإنجاز والإنتاج.

ولو رجعنا لأصل الأشياء فإن الأساس الأخلاقي للحكومة هو الخدمة العامة وتسهيل مصالح الناس، وإذا زادت التعقيدات الحكومية خُنقت حركة الحياة، وتباطأت إنتاجية الناس، وتحوّل دور الحكومة من الخدمة للسيطرة ومن التسهيل للهيمنة.

في العمل الحكومي من السهل أن تضيف كل يوم شيئاً جديداً.. ومن الصعب أن تتراجع عنه لاحقاً.

من السهل أن تخلق إجراءات وسياسات، والأصعب التخفيف منها واختصارها بعد أن تتراكم عبر السنين.

ثم تصل الحكومة بعد سنوات لمرحلة تكون فيها الإجراءات أهم من النتائج، والأوراق والوثائق أهم من الخدمة ذاتها، والأنظمة مقدسة أكثر من مصلحة البشر.

علمتني رحلتي الحكومية الطويلة أنك يمكن أن تقلل الكثير من الإجراءات والتعقيدات عبر استخدام التقنيات، وتكامل أنظمة الجهات، ومراجعة الهياكل والأنظمة والسياسات، وتعزيز المساءلة، والشفافية، وغيرها. ولكن يظل الأساس الأخلاقي هو الأهم، وتبقى القناعات الفكرية هي الأقوى، والثقافة الحكومية المسيطرة هي العامل الأكبر.

هناك مثل أجنبي شهير يقول «Culture eats strategy for breakfast».

عندما تتغير القناعات يتغير كل شيء.

لا بد أن يؤمن القائمون على الحكومات بأن البيروقراطية الزائدة والتعقيدات الكثيرة هي جريمة بحق أوطانهم.

عندما يحتاج صاحب الفكرة العظيمة عشرات التواقيع البيروقراطية حتى يطلق فكرته، فهناك جريمة ترتكب، وتحبيط لعزيمته وحرمان للمجتمع من فكرته.

عندما تُفرض مئات الإجراءات على أصحاب الاستثمارات أو الصناعات التي تشغل آلاف البشر فيتباطأ العمل ويقل الإنتاج، هناك جريمة ترتكب، وحرمان لآلاف الشباب من الفرص المعيشية.

تشير دراسة لإحدى المؤسسات الدولية المرموقة إلى أن تكلفة تأسيس الأعمال في الدول الأقل نمواً تصل إلى 50 % من نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي، وفي الدول المتقدمة تبلغ 4 % فقط. وهنا يتضح حجم الجريمة التي ترتكب في حق الأوطان وآثارها على تقدم الدول نتيجة التعقيدات الإدارية والحكومية.

يخسر العالم تريليونات الدولارات سنوياً بسبب البيروقراطية الحكومية، أليس ذلك جريمة في حق الشعوب؟

كلما تفكرت بعمق في سبب كثرة هذه التعقيدات الإدارية، أجد على رأسها «الثقة». عندما لا تثق الحكومات في شعوبها، تفرض عليهم إجراءات كثيرة وإثباتات متعددة لا معنى لها.

الثقة هي الأساس بين الحكومات والناس.

عندما تتغير قناعات الحكومات وتثق بشعوبها يمكن إزالة أغلب هذه الإجراءات.

رغم تقدّمنا في دولة الإمارات، بحمدالله، في موضوع تبسيط الحكومة، إلا أننا كلما حققنا هدفاً نكتشف أن بإمكاننا اختصار المزيد من الإجراءات.

ولذلك أؤمن بأنها رحلة مستمرة، وليست هدفاً نصل إليه، وسأستمر في ذلك.

سأستمر لأن الحكومة البسيطة حكومة أقرب للناس ولجوهر الحياة. الحكومة البسيطة أقرب حتى للشرعية السياسية لأن رضا الناس هو الأساس في شرعية الحكومات.

والحكومة البسيطة أقرب للعدالة الاجتماعية، لأنه لا يوجد تمييز خفي بين الذين يعرفون النظام بتعقيداته وبين الذين لا يعرفون.

تبسيط الحكومة هو تبسيط للحياة، وإطلاق لإمكانات الإنسان العظيمة، وقوة دافعة لصناعة الحضارة البشرية.

الكسل

علّمتني الحياة أنه لا يوجد طريق مختصر للنجاح إلا في أذهان الكسالى.. ولا شيء أقوى في تحطيم أحلام الشباب وتضييع الفرص من الكسل.

الكسل عدو للإنسان، وحتى في ديننا نستعيذ منه كل يوم، لماذا؟

لأن الكسل تضييع للإمكانات التي وضعها الله فينا.. وتبديد للطاقات والقدرات المزروعة في كل واحد منا.

الكسل سمّ بطيء يقتل الروح، ويثبط العزيمة، ويفتح أبواب الحاجة، ويغرس الذل في النفوس.

البعض يخاف من مشقّة العمل ويهرب منه.. وأقول له: لا تخف من المشقة، بل خف من حياة بغير حلم تطارده، أو هدف تحققه، أو أسرة تسعى عليها، أو نفس تعزها عن مسألة الناس.

تزعجني مناظر الشباب في بعض الدول، وقد اختاروا الجلوس على هامش الحياة، وفضّلوا حياة الراحة والكسل على المشقة والعمل، وحياة الأمنيات على حياة الإنجازات.

العمل الجاد هو الذي يفرّق بين الحياة الفارغة والحياة الغنية.. وبين العيش على الهامش أو العيش وأنت تشق طرقاً جديدة في الحياة.

علّمتني الحياة أن العمل الجاد طريق للعظمة والعزة والكرامة.

العمل الجاد هو الذي تُبنى به الأمم والحضارات.

العمل الجاد هو الذي نبني به العز والمجد.

العمل والتفاني والكد والتعب هو الذي صنع نماذج تنموية عظيمة كاليابان والصين وتايوان وسنغافورة وغيرها خلال عقود سريعة، لأنهم غرسوا في أطفالهم منذ نعومة أظفارهم أن العمل الجاد يعطي للإنسان قيمة ومعنى، ومن دونه لا قيمة له، ولا معنى لحياته.

رأيت دولاً عريقة انتشرت فيها البطالة المقنعة، والجلوس على المقاهي وقتل الأوقات، وما علموا أنهم إنما يقتلون أنفسهم، ويقتلون فرصهم في التطور واللحاق بركب الأمم في سباق الحضارة.

نعم الكسل أبو الرذائل.. قاتل الوقت..

وإذا قتلت الوقت قتلت كل شيء.