«على قدر اتساع عقلك يتسع قلبك للبشر.. وعلى قدر تسامحك، تزدهر بلدك.. ويكثر خيرك».. يضع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، ركائز أساسية في منهج الحكم والقيادة الرشيدة التي تعزز الترحيب بالغريب والآخر وفتح الأبواب له للمشاركة في البناء والاستثمار، واستناداً إلى التاريخ، يؤكد سموه: «ازدهرت بغداد عندما كانت حاضرة العالم.. فيها المسلم، والمسيحي، واليهودي وفيها العربي والفارسي والروماني وبقية الإثنيات والأعراق وازدهرت بعدها الأندلس عندما كانت تحتضن بكل محبة المسلمين والمسيحيين واليهود».
وفي الجزء الأول من كتابه الجديد «علمتني الحياة» يكشف سموه عن وصفة النجاح والتميز والريادة، مشدداً على أن القوي هو الذي يُلزم نفسه بعادات إيجابية مستمرة.. يقول سموه: «من أكثر عاداتي التي ساهمت في بناء الكثير من نجاحاتي هي الاستيقاظ قبل الناس أخذت هذه العادة من أبي رحمه الله وأحرص أن يستمر عليها من بعدي أبنائي وأحفادي»، مشيراً سموه إلى أن لحظات الصباح الأولى هي الأنقى والأصفى للعقل أن يفكر وللخيال أن يبدع وللأحلام أن ترسم.
الخلق خلق الله
في مقطع متداول للشيخ زايد رحمه الله، سأله أحد الصحفيين عن كثرة الأجانب في بلده فأجاب:
«الخلق خلق الله.. والأرض أرض الله.. والرزق رزق الله.. واللي يجينا حياه الله».
تأملت في هذا المقطع وفي عمق الحكمة وأنا أتأمل الواقع السياسي في العالم.
حكومات في دول عظمى وصلت للحكم عن طريق شيطنة الآخر، وتجييش الإعلام، وتخويف شعوبهم من الغريب.
مذابح في دول أخرى وتطهير طائفي بسبب الصراعات مع المختلف فكرياً أو دينياً.
قوانين جديدة في الكثير من الدول المتقدمة للحدّ من هجرة «الآخر» المختلف عرقياً أو دينياً أو ثقافياً.
ما أعظم وأعمق حكمة الشيخ زايد رحمه الله!
في قصة أخرى للشيخ راشد رحمه الله، زاره مجموعة من التجار يحتجون على منحه قطعة أرض مميزة لأحد المستثمرين غير المواطنين لبناء فندق، وكيف يعطي المستثمر الأجنبي أرضاً هي فقط من حق المواطنين في نظرهم، وهذا المستثمر مؤقت وهم دائمون لأنهم أهل البلد.
سألهم الشيخ راشد: إذا غادر المستثمر دبي.. هل سيأخذ المباني معه لبلده؟ أم ستبقى في دبي.. نستفيد منها.. ويستفيد منها الاقتصاد!
مبدأ عظيم جداً في ازدهار الدول..
الترحيب بالغريب والآخر.. وفتح الأبواب له للمشاركة في البناء والاستثمار.. والتاريخ يعلمنا..
ازدهرت بغداد عندما كانت حاضرة العالم..
فيها المسلم، والمسيحي، واليهودي وغيرهم..
وفيها العربي والفارسي والروماني وبقية الإثنيات والأعراق.
وازدهرت بعدها الأندلس عندما كانت تحتضن بكل محبة المسلمين والمسيحيين واليهود، وتأثرت أوروبا بهذا الازدهار.
ماذا حدث بعد شيطنة المسلمين وطردهم منها؟ محاكم تفتيش وتراجع وانهيار وعصور ظلام.
ورأينا بعدها حروباً صليبية نحو الشرق تقودها الكراهية، كان ضحاياها بالملايين.
الخوف من الآخر هو خوف من المجهول، وخوف من المختلف عنك دينياً أو ثقافياً. وبذرته موجودة في أغلب البشر.
والحاكم يمكن أن ينمي هذا الخوف ويزيده، ويمكن أن يوجهه بطريقة مختلفة تضمن تعايشاً وتسامحاً وازدهاراً.
علّمتني الحياة أن الأصل في الناس – جميع الناس – البراءة والخير، لن نكون متشابهين، لكننا نستطيع إدارة اختلافاتنا برحمة وحكمة وسلام.
وعلّمتني أيضاً أنه على قدر اتساع عقلك يتسع قلبك للبشر..
وعلى قدر تسامحك، تزدهر بلدك.. ويكثر خيرك.
والأرض أرض الله.. والرزق رزق الله..
رحم الله زايد وراشد.. وأسكنهما فسيح جناته.
استيقظ قبل البشر
علّمتني الحياة أن عاداتي اليومية الصغيرة هي سر نجاحاتي الكبرى في الحياة..
وأن الناس قد يتشابهون في القدرات، لكن ما يحدد تفوّقهم هو العادات.
علّمتني الحياة أن القوي هو الذي يُلزم نفسه بعادات إيجابية مستمرة، والضعيف هو ضعيف الإرادة الذي لا يستطيع حفر عادة إيجابية ثابتة في حياته.
من أكثر عاداتي التي ساهمت في بناء الكثير من نجاحاتي هي الاستيقاظ قبل الناس.
بعد الفجر وقبل الشروق، تتنفس الأشجار.. وتنطلق المخلوقات.. وتوزّع الأرزاق.
في أول الصباحات.. يمكن اتخاذ أكبر القرارات.
في أول الصباحات.. تستطيع التأمل والتفكر، وممارسة الرياضة، والتفكير العميق في أعظم قراراتك.. وأهم أحلامك وطموحاتك.
أخذت هذه العادة من أبي رحمه الله.. وأحرص أن يستمر عليها من بعدي أبنائي وأحفادي.
علّمتني الحياة أنك إذا كنت تبحث عن الصورة الحقيقية لمشاريعك ومؤسساتك ورجالاتك.. فعليك بجولات الصباح.
وإذا كنت تبحث عن ساعة صفاء لكتابة قصيدة، أو إبداع فكرة، أو قراءة مهمة.. فعليك بساعة الصباح الأولى.
وإذا كنت تريد ممارسة رياضة أو هواية محببة إلى قلبك.. فعليك بساعات الصباح الأولى.
وإذا كنت تريد تحقيق إنجاز قبل أن يشغلك الناس.. فعليك بساعات الصباح الأولى.
علّمتني الحياة..
أنه مع شروق كل يوم تشرق آلاف الفرص الجديدة.. وأولئك الجاهزون لها مع أول الصباح هم من يقتنصون أفضلها.
علّمتني الحياة أن لحظات الصباح الأولى هي اللحظات الأنقى والأصفى للعقل أن يفكر.. وللخيال أن يبدع.. وللأحلام أن ترسم.. وأن أغلب القادة عبر الأزمنة يشتركون في شيء واحد.. هو احترامهم لساعات الصباح الأولى.
علّمتني الحياة أنّ من يملك صباحه يملك يومه.. ومن يملك يومه يملك حياته ومصيره.
