رحم الله أبي

كلما تفكرت في حنكة أبي وحكمته، وحياته، وسيرته، أدركت كم تعلمت منه وكيف تأثرت بشخصيته.

تعلمت من أبي بساطة العيش وضبط النفس.. وأن لا أنشغل بالتفاهات، ولا أصدق ضعاف العقول والتافهين.

تعلمت منه الإصغاء. ومتى أشتد ومتى ألين.

تعلمت منه الوقار من غير تكلف، والتسامح تجاه الجهال من الناس، والتلطف مع الجميع.

كان مجرد حضوره يفرض الإجلال على الجميع.

كان أبي قليل الغضب والانفعال، كان حسن النية ولا يحب الخداع، ولا يجزع أو يهلع من أي أمر بل هو ثابت واثق رصين.

وإذا عبر عن استحسانه عبر بقدر.. وبدون محاباة.

تعلمت من أبي أن أحب أهلي وأقربائي وإخواني وأن أكون قريباً من أخواتي.

وتعلمت منه أن أحب الصدق وأحب العدل.

وتعلمت منه تقبّل النقد والثقة بالنفس.. والتوازن بين اللطف مع الناس والوقار والحزم الذي يتطلبه موقعي.

تعلمت من أبي أن لا أتصيد الأخطاء.. وأن لا أبحث عن زلات الناس، وأن أتغافل أحياناً.. وألفت النظر بلطف أحياناً أخرى، وخاصة مع من تأكدت من إخلاصهم وحبهم وتفانيهم في أعمالهم.

كان أبي رصيناً حازماً لا تستهويه المدائح ولا التهليل.. ولا ينطلي عليه التملق..

ولا ينخدع بالمسميات الإعلامية أو التضخيمات غير المنطقية.

كان لا يأخذ بالانطباع الأول حول أي موضوع، بل يتدبر فيه ويتفكر ويستشير ويسأل.. وتعلمت منه الإصغاء لكل من لديه رأي سديد أو عقل رشيد.

كان أبي يحب العلماء لكنه يستطيع بسهولة كشف مدعي العلم.

كان يحب مجالسة التجار وأهل السوق، وكان يوقر أصحاب الدين ويحب عمل الخير. وكان سمحاً صادقاً مستقيماً في حياته.. لم يزدر إنساناً أو يستعلِ على أحد.

كان يتفرس في الناس والشباب.. ويدعم أصحاب المواهب التجارية ويستعين بمن يرى عنده قدرات إدارية.

كان بعيد النظر، دقيق البحث في كل الأمور، لا يحب العجلة.. ولكنه إذا عزم على أمر لم يتردد ولم يشك ولم يرتبك عند اتخاذ القرار.

كان حريصاً على أصدقائه.. مرحاً معهم، منبسطاً في محادثتهم، إلا أنه لا يخلط الخاص بالعام.. لا يحابي أصدقاءه بتكليفهم المسؤوليات الحكومية، ولا يصادق من يعملون معه من المسؤولين بل يجعل بينهم وبينه مساحة.. تسودها الثقة والاحترام والمحاسبة.

لم يكن أبي غليظاً أو عنيفاً.. بل ودوداً متسامحاً كريماً.. يعطي كل شخص حقه.. ويخصص لكل أحد حوله جزءاً من وقته..

لم يكن يهوى كثرة الطعام.. أو كثرة الكلام.. أو كثرة المباني والقصور.. بل يميل للبساطة.. والتخفف والتحكم في نفسه.

رحم الله أبي.. رحم الله أبي.