غزة بين الأمل والألم

في غزة، لم تعد الحياة مجرد تفاصيل يومية تمضي بين بيتٍ وعملٍ وأحلامٍ بسيطة، بل تحولت إلى امتحان قاسٍ للإنسانية وقدرة البشر على الاحتمال، هناك، يصبح الصباح بداية حكاية جديدة مع المجهول، ويغدو الليل مساحة مثقلة بالخوف والذكريات، ليست القضية أرقاماً تُسجَّل،

ولا صوراً عابرة تمر عبر الشاشات، بل حياة كاملة تتشكل من معاناة حقيقية وقلوب تحاول أن تبقى نابضة رغم الألم.الغزيون يعيشون بين خيارين لا ثالث لهما، إما التكيف مع واقع استثنائي قاسٍ، وإما الاستسلام لثقل المأساة، لذلك تراهم يتمسكون بأمل صغير كحياة كاملة، نافذة ما زالت قائمة، مدرسة عادت لاستقبال الأطفال ولو لساعات، أو شارع نجح في استعادة جزء من ملامحه،

هذا الأمل البسيط يشكّل طوق النجاة الوحيد أمام إنسان يرفض أن يفقد إنسانيته مهما اشتدت الظروف.

الأطفال في غزة يكبرون أسرع مما يجب، يتعلمون معنى الفقد، ومعنى أن يكون البيت ذكرى، وأن تتحول الألعاب إلى ترف بعيد المنال، ومع ذلك، يصرون على الضحك حين تسنح لهم الفرصة، كأنهم يرفضون الاعتراف بأن طفولتهم تعرضت للنهب.أما الأمهات، فهن عماد الصمود، يحملن خوف العائلة كله ويغلفنه بعبارات طمأنينة، ويمضين في ترتيب تفاصيل يوم جديد، حتى وإن كان المستقبل غامضاً.

أما كبار السن، الذين شهدوا حياة مختلفة وأكثر استقراراً، فيرون فيما يحدث امتحاناً لأشد قيم الإنسان نبلاً، الصبر، التضامن، والإيمان بأن للإنسان الحق في حياة كريمة، وبين هذه الفئات جميعاً، تبقى غزة شاهداً على تناقضٍ مؤلم، واقع مأساوي يفرض نفسه، وإرادة بشرية لا تنكسر.

أماني الناعوق، المتحدثة الإعلامية باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في قطاع غزة، وإحدى أبرز الأصوات الإنسانية التي تعايش تفاصيل الواقع هناك، تؤكد لـ«البيان» أن ما يجري في غزة لا يمكن اختزاله في أرقام أو تقارير موجزة، بل هو مأساة إنسان يعيش كل يوم على حافة القلق والخوف ومع ذلك يتمسك بالحياة.

وتتابع، المدنيون في غزة يستيقظون يومياً ليخوضوا معركة البقاء، الاحتياجات الأساسية كالدواء والغذاء والمأوى أصبحت تحدياً يومياً، ومع ذلك ترى الناس يحافظون على كرامتهم، يتشاركون ما لديهم، ويخلقون من الألم طاقة للحياة، ما يميز غزة ليس حجم الألم فقط، بل قوة الإنسان وقدرته على التشبث بالأمل رغم كل شيء.

وتضيف الناعوق، أن الأطفال هم الفئة الأكثر هشاشة، لكنهم أيضاً الأكثر قدرة على بث الأمل، حين ترى طفلاً يبحث عن كتابه بين الركام، أو يبتسم رغم فقدان منزله، تدرك أن غزة لا تعيش فقط تحت ضغط المعاناة، بل أيضاً تحت قوة إرادة لا تنكسر.