بدا ظاهرياً أن شيئاً لم يتغير في الضفة الغربية، حتى بعد أن عادت السيوف إلى أغمادها في قطاع غزة، إذ لا تزال الاعتداءات الإسرائيلية تتسيد المشهد، خصوصاً مع حلول موسم الزيتون، الذي عادة ما تتصاعد فيه اعتداءات المستوطنين، كأن هذه الحالة أصبحت مزمنة. الأوضاع في الضفة الغربية بلغت مرحلة هي الأسوأ في خضم الحرب الدامية على قطاع غزة، وثمة مراقبون توقعوا أن تتأثر بباروميتر الحرب والسلام، لكن ما جرى أن الضفة الغربية انجرفت نحو الحرب، ولم تهدأ مع السلام.
لوهلة، قد يبدو الرابط شبه معدوم، إذ الأحداث الساخنة نشبت في الضفة الغربية قبل 7 أكتوبر، بين الاعتقالات والاغتيالات التي جرت في جنين ونابلس وطولكرم وأريحا، وهنا قد تقفز أسئلة على نحو: ما الصلة بين حرب طاحنة شنتها إسرائيل رداً على هجوم حماس على مستوطنات غلاف غزة، واقتحامات تبدو روتينية منذ الاجتياح الإسرائيلي الشهير للضفة الغربية عام 2002؟ لكن أي مواكبة عن كثب لموجات الحروب والتصعيد بين الفلسطينيين وإسرائيل تكشف سريعاً ليس فقط عن وجود ترابط، بل أيضاً عن التحام وثيق وتشابك مكين بين غزة والضفة الغربية، وهي حصيلة تبرز بسرعة مع كل مواجهة تنشب.
وحتى في المنظور الإسرائيلي، فطالما ردد قادة إسرائيل عبارة (فتحستان) و(حماستان) في إشارة إلى من يسيطر من الفلسطينيين على غزة والضفة الغربية، ومن هنا فالتطورات المروعة التي شهدها قطاع غزة انعكست بشكل جلي على واقع الضفة الغربية، سواء أكان على مستوى المواجهة مع الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، أم التدهور الاقتصادي، وغيرها من التداعيات، لكن ماذا عن البركان السياسي؟
الأحداث تبدو مرتبطة بالفعل، وعلى نحو وثيق بين شطري الأراضي الفلسطينية، ولا انفصالات بينهما، وبينما هدأت الحرب في قطاع غزة، فمصير الضفة الغربية بات مرتبطاً أشد الارتباط، لكن كلا المصيرين موثوق بأصفاد إسرائيلية، ويمكن للعين المجردة مشاهدة الأحداث في الضفة الغربية التي ظلت على حالها حتى بعد الهدوء في غزة، فإلى أين؟
تمادٍ
يجيب الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري، قائلاً: إن الضفة الغربية تتعرض لهجوم متعدد الأوجه، سواء من خلال مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات أو توسيعها، أو عبر الحواجز العسكرية والبوابات الحديدية التي تقطع الأوصال، أو القرصنة المالية، ومنع العمل داخل إسرائيل، وكل هذا أدى إلى واقع سياسي واقتصادي في منتهى الخطورة، وفق تعبيره.
وحول القادم بالنسبة للضفة الغربية، أمام إصرار إسرائيل على ضمها، والضغوط الدولية لثنيها عن ذلك، نبّه المصري إلى أن إسرائيل يمكن أن تتمادى إلى ما هو أبعد من الضم، ويكمن هذا المجهول الكبير في كون الخطة الأمريكية لوقف الحرب على غزة لم تتطرق إلى الضفة الغربية، ما قد يعني وجود ضوء أخضر أمريكي لسيناريو الضم.
لا مؤشر
ويزيد الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، لن يقدم على أي خطوة تتعلق بالضفة الغربية دون ضوء أخضر أمريكي، موضحاً: نقرأ هذا من رحم الخطاب الأخير للرئيس الأمريكي الذي لم يأتِ على ذكر الضفة الغربية.
ورغم ارتفاع مؤشر الأحداث في الضفة الغربية، إلا أنه لا يوجد ما يؤشر على حرب جديدة فيها بموازاة تلك التي جرت في قطاع غزة، إذ هناك في غزة فصائل مسلحة، في حين شقيقتها الضفة الغربية وإن بدت في محيط المواجهة، إلا أنها لا تملك أكثر من التظاهرات السلمية، ما يبقيها في ممر ضيق، لا يسمح لها حتى بالمناورة.
