الذخائر غير المنفجرة موت صامت يلاحق أطفال غزة

رغم توقف دوي الانفجارات وهدير الطائرات، إلا أن الخطر في غزة لم يتراجع، بل اتخذ شكلاً صامتاً أكثر دهاءً، بين أنقاض البيوت المهدمة والحقول المجرفة تختبئ آلاف القنابل والقذائف غير المنفجرة، تشكل تهديداً يومياً لحياة المدنيين، وعلى رأسهم الأطفال، الذين يجدون أنفسهم في مواجهة موت غير مرئي. في أحد أحياء شمالي غزة المدمرة، وبينما كانت العائلات النازحة تعود تدريجياً إلى مناطقها تزامناً مع قرار وقف الحرب، كان الطفل محمود الفرا يلهو مع أصدقائه قرب منزل عائلته المهدم، لم يدرك محمود أن الجسم المعدني الذي التقطه من بين الأنقاض لم يكن سوى قنبلة عنقودية غير منفجرة، لتتحول لحظات اللعب إلى مأساة خلال ثوانٍ معدودة، بعدما أصيب بجروح بالغة أدت إلى بتر أصابعه.

قصة محمود تعكس واقعاً متكرراً في مناطق عدة من القطاع، حيث يشكل فضول الأطفال وغياب المساحات الآمنة مزيجاً خطيراً يجعلهم الأكثر عرضة للإصابة أو الموت بسبب الذخائر غير المنفجرة المنتشرة بكثافة بين الركام.
على مدار عامين تعرضت غزة لقصف عنيف خلّف إرثاً ثقيلاً من الذخائر غير المنفجرة، من قنابل جوية ومدفعية وصواريخ أرضية وقذائف عنقودية. وبحسب تقديرات فرق هندسية محلية، قد تكون هناك آلاف القنابل غير المنفجرة موزعة في المناطق السكنية والزراعية والبنى التحتية، بعضها مدفون تحت الركام أو في باطن الأرض، ما يجعل اكتشافها عملية شديدة الخطورة والتعقيد. المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة، محمود بصل، كشف عن رصد عبوات متفجرة زرعت داخل علب مشروبات غازية، تركتها القوات الإسرائيلية لتنفجر عند ملامستها، ويضيف إن طواقم الدفاع المدني عثرت أيضاً على مواد متفجرة تشبه الأجبان، قد يظن السكان أنها بقايا طعام.

نقص معدات

ويؤكد بصل في تصريحات لـ«البيان»، أن المناطق الشمالية، مثل جباليا وبيت لاهيا، الأكثر تضرراً بفعل الحزام الناري الكثيف، في حين شهدت خان يونس وبيت حانون دماراً واسعاً، ما يزيد من احتمالية انتشار الذخائر غير المنفجرة فيها، ويتابع، فرق الهندسة والمتفجرات المحلية تعمل بإمكانات محدودة جداً، فعدد المختصين لا يتناسب مع حجم الدمار الواسع، كما أن نقص المعدات المتطورة وأجهزة الكشف الحديثة يعرقل عمليات المسح والتطهير، فالعديد من المناطق لا يمكن إعلانها آمنة قبل مسحها بشكل شامل، وهو ما قد يستغرق شهوراً وربما سنوات، الأمر الذي يستدعي دعماً دولياً طارئاً وتقنيات متقدمة.

خطر

الذخائر غير المنفجرة لا تشكل خطراً مباشراً على الأرواح فحسب، بل تترك أثراً بيئياً واجتماعياً طويل الأمد، فالمناطق الزراعية الملوثة تتحول إلى مناطق محظورة يصعب استصلاحها أو زراعتها، ما يهدد الأمن الغذائي لآلاف العائلات التي تعتمد على الزراعة كمصدر رزق. وفي ظل بطء عمليات إزالة الذخائر، تبرز حملات التوعية المجتمعية كخط دفاع أول للحد من الخسائر البشرية، وخاصة في صفوف الأطفال، ومنظمات محلية ودولية بدأت بتنفيذ برامج توعية ميدانية لتعريف الأطفال والأهالي بأشكال الأجسام المشبوهة، وضرورة عدم لمسها أو الاقتراب منها، والإبلاغ عنها فوراً.