وضعت حرب غزة أوزارها أو تكاد.. مع خروقات إسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار، فيما يلملم القطاع أطرافه ويلعق جراحاً دامية خلفتها حرب الإبادة الضروس، بينما أجمع العالم على ضرورة تطبيع الحياة وبدء إعادة الإعمار، تتعالى أصوات دول وكبرى منظمات من أجل إعادة إعمار تُدرَك صعوبته وباهظ تكالفيه، بل وما يستغرق من وقت، أما أولى الأولويات، بإجماع الكل، فتظل فتح المعابر جلها لتوفير احتياجات سكان حرموا طوال عامين من كل شيء.
وخرقت إسرائيل وقف إطلاق النار بقتل 6 فلسطينيين في 3 مواقع مختلفة بقطاع غزة، بينما أعلنت أنها لن تعيد فتح معبر رفح، اليوم الأربعاء، كما ينص عليه الاتفاق، وأنها ستقلص دخول المساعدات الإنسانية لغزة إلى النصف، تحت ذريعة عدم تسلم جثث 24 محتجزاً في القطاع، رغم أن الاتفاق ينص صراحة على عدم سهولة الوصول إليهم، وأن البحث عنهم يتطلب وقتاً، وشكلت لجنة مختصة من دول بينها الولايات المتحدة وتركيا ومصر وقطر للبحث عنهم.
وقال مسؤول في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إن دولاً من بينها الولايات المتحدة وكندا ودول عربية وأوروبية، أعطت مؤشرات واعدة على استعدادها للمساهمة في تكلفة إعادة إعمار غزة المقدرة بنحو 70 مليار دولار، وأضاف أن الحرب خلفت أنقاضاً تعادل 13 مثلاً لأهرامات الجيزة. وذكر جاكو سيليرز من البرنامج لصحفيين خلال مؤتمر صحفي في جنيف، أن حرب إسرائيل على غزة خلفت ما لا يقل عن 55 مليون طن من الأنقاض، وأن تعافي غزة بالكامل قد يستغرق عقوداً، مضيفاً: لقد سمعنا أخباراً إيجابية للغاية من عدد من شركائنا، بمن فيهم الشركاء الأوروبيون وكندا بشأن الاستعداد للمساعدة، وأشار إلى أن هناك نقاشات أيضاً مع الولايات المتحدة. وذكر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أنه أزال بالفعل نحو 81 ألف طن من الأنقاض من قطاع غزة وأنه يواصل العمل على ذلك.
بدورها، طالبت الأمم المتحدة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، بفتح جميع المعابر إلى غزة للسماح بإدخال المساعدات. وأكدت الهيئتان الدوليتان، أن الهدنة التي تم التوصل إليها في غزة، تتطلب فتح المعابر للسماح بتدفق المساعدات إلى القطاع. وقال الناطق باسم الصليب الأحمر، كريستيان كاردون، للصحافيين في جنيف: هذا ما يدعو إليه العاملون في المجال الإنساني، بما في ذلك اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في الساعات الأخيرة، وهو ضمان إمكان فتح جميع نقاط الدخول نظراً إلى الاحتياجات الهائلة.
فتح معابر
من جهته، أكد الناطق باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ينس ليركه، الحاجة إلى فتح المعابر كلها، وأقر بأن بعض المعابر حالياً مدمرة جزئياً بينما توجد حاجة لإزالة الأنقاض من شوارع في غزة لإفساح المجال لدخول الشاحنات، قائلاً: ندعو إلى إصلاحها ليكون بالإمكان تشغيلها. وأكد ليركه أن الأمم المتحدة لديها 190 ألف طن من المساعدات المعدّة بانتظار إدخالها إلى غزة.
إلى ذلك، قالت منظمة الصحة العالمية، إن أكثر من 15 ألفاً و600 مريض في قطاع غزة بحاجة إلى إجلاء طبي عاجل لتلقي العلاج خارج القطاع. وذكرت المنظمة، في بيان، أن المستشفيات العاملة داخل القطاع تواجه انهياراً جراء النقص الكبير في الأدوية والمستلزمات الطبية والوقود، مؤكدة أن إعادة فتح الممرات الطبية باتت ضرورة ملحة لإنقاذ الأرواح، وتمكين المرضى من الحصول على العلاج المناسب في الخارج. وأشارت المنظمة إلى أن أكثر من 15 ألف شخص فقدوا أطرافهم نتيجة إصابات بالغة خلال الحرب، ما يمثل تحدياً غير مسبوق أمام النظام الصحي والخدمات التأهيلية في غزة. كما حذرت المنظمة، من تفاقم المخاطر الصحية بسبب تلوث المياه وتكدس النفايات وانهيار البنية التحتية للصرف الصحي، داعية إلى تعزيز مراقبة تفشي الأمراض المعدية. وطالبت منظمة الصحة العالمية، المجتمع الدولي بالتحرك العاجل لتوفير الإمدادات الطبية والوقود والدعم اللوجستي اللازم لاستمرار عمل المرافق الصحية، مشيرة إلى أن الوضع الإنساني يبقى بالغ الخطورة رغم الهدنة المعلنة.
وقالت بيتيا كويفا-بروكس نائبة كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، إن اتفاق وقف النار يتيح فرصة لانتعاش اقتصادي دائم في المنطقة. وأضافت كويفا-بروكس، أن الصندوق على استعداد للتعاون مع المجتمع الدولي من أجل إنعاش غزة والاقتصادات الإقليمية التي تأثرت بشدة بالصراع، بما في ذلك مصر والأردن.
وأعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على منصة تروث سوشيال، بدء المرحلة الثانية من اتفاق غزة. بدوره، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إنه سيسعى لحشد الدعم لإعادة إعمار قطاع غزة، معرباً عن اعتقاده بأن تمويل المشاريع سيتوفر بسرعة.
وأضاف أردوغان: سجل إسرائيل في الالتزام بوقف إطلاق النار يقتضي رقابة صارمة من الولايات المتحدة ودول أخرى لضمان تنفيذه. وتابع: أعتقد أنه سيتم تقديم دعمٍ مالي كبيرٍ على وجه السرعة لمشاريع إعادة الإعمار التي وضعتها منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية.. نسعى للحصول على دعم من دول الخليج والولايات المتحدة والدول الأوروبية.. الانطباعات الأولية مبشرة.
كما أعرب الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير، عن اعتقاده بأن على الدول الأوروبية أن تسهم سريعاً في تحسين الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، قائلاً: علينا - نحن الأوروبيين - أن ندرك أنه يتوجب علينا القيام بدورنا في تثبيت الأوضاع وتهدئة الموقف العام.. هذه العملية التي تنتظرنا جميعاً، وليس فقط الرئيس الأمريكي، ستكون صعبة بما فيه الكفاية، من المهم في هذه المرحلة الحالية أن نسهم بسرعة في تحسين الوضع الإنساني، مشيراً إلى أن ألمانيا أبدت استعدادها لذلك. وأعرب الرئيس الألماني عن أمله أيضاً في أن يكون من الممكن تطوير رؤية سياسية شاملة لمنطقة الشرق الأوسط، ووضع تصورات حول كيفية تمكن الإسرائيليين والفلسطينيين من العيش جنباً إلى جنب في سلام. وأشار شتاينماير إلى أن الطريق إلى ذلك لا يزال طويلاً، مضيفاً: لكن المهم ألا نفقد الزخم الآن وأن نواصل العمل.
وأعرب المستشار الألماني، فريدريش ميرتس، عن اعتقاده بأن فرص تحقيق نظام سلام دائم في الشرق الأوسط تفوق المخاطر المحتملة، لكنه في الوقت نفسه شدّد على أن العمل الجاد يبدأ الآن فقط. وأضاف: لقد كان يوم 13 أكتوبر يوماً تاريخياً، لكن العمل الحقيقي لما يجب أن ينتج عنه، يبدأ اليوم.. يجب على المجتمع الدولي أن يُنشئ هياكل، وعلينا الآن أيضاً أن نفتح آفاقاً دائمة لسلام دائم بين حماس والفلسطينيين من جهة، والإسرائيليين وحكومتهم من جهة أخرى.
تعزيز نفوذ
وقالت دائرة العمل الخارجي، الذراع الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي، في وثيقة، إنه ينبغي على الاتحاد تعزيز نفوذه في عملية إعادة إعمار غزة والانضمام إلى مجلس السلام الذي اقترحته الولايات المتحدة بهدف الإشراف المؤقت على إدارة القطاع. وجاء في الوثيقة الصادرة عن دائرة العمل الخارجي والتي تُقيّم الخطة وجرى توزيعها على الدبلوماسيين: من المهم الحصول على مزيد من الوضوح بشأن العناصر الأساسية التي لم تُفصّل بالكامل بعد، لاسيما الدور الذي سيلعبه الفلسطينيون في غزة بعد الحرب.. يجب أن يكون الاتحاد الأوروبي عضواً في هيئة الإشراف على مجلس السلام المستقبلية للتأثير على الخيارات الاستراتيجية.. ينبغي للاتحاد الأوروبي استغلال نفوذه إلى أقصى حد من أجل زيادة تأثيره على العملية من خلال مجموعة متنوعة من الأدوات المتاحة له.
استعادة حياة
في السياق، أكد رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد مصطفى، أن وقف الحرب يشكل خطوة أساسية نحو استعادة الحياة الطبيعية لأهالي غزة، مشيراً إلى أن هذه الخطوة ليست نهاية الطريق، بل هي بداية مرحلة جديدة، ويجب أن تقود إلى استعادة الأمن، وتوحيد المؤسسات الوطنية في الضفة وغزة، وبث الأمل بالاستقرار. ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية عن مصطفى قوله: وقف الحرب وحده لا يكفي لإنهاء المأساة، والضمان الحقيقي للأمن والسلام ولمنع تكرار ما حدث هو تمكين الحكومة الفلسطينية من القيام بدورها الكامل في قطاع غزة، ضمن مسؤوليتها الوطنية تجاه شعبنا في كل أماكن وجوده.
تسليم رفات
كما قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إن تسليم رفات الرهائن والمعتقلين الذين قتلوا في حرب غزة سيستغرق وقتاً، واصفة الأمر بأنه تحد هائل بالنظر إلى صعوبة العثور على الرفات وسط الأنقاض. وذكر كريستيان كاردون، الناطق باسم اللجنة: هذا تحد أكبر من حتى إطلاق سراح الأحياء.. إنه تحد جسيم، مشيراً إلى أن الأمر ربما يستغرق أياماً أو أسابيع، وأن هناك احتمالاً ألا يتم العثور عليهم أبداً. وأضاف: أعتقد أن هناك خطراً واضحاً يتمثل في أن يستغرق ذلك وقتاً أطول بكثير.. نطالب الأطراف بأن يكون هذا الأمر على رأس أولوياتهم. وصرحت اللجنة بأنها ستوفر 23 موظفاً إضافياً وأكياساً لحمل الجثث ومركبات تبريد لضمان التعامل مع جثث الموتى باحترام وإجلال في غزة، مشددة على ضرورة ضمان جميع الأطراف إعادة الرفات البشرية في ظروف كريمة تحافظ على الكرامة والإنسانية.
هوية رهائن
كما أكد الجيش الإسرائيلي هوية الرهائن الـ 4 القتلى الذين أعادتهم حركة حماس. وأبلغ المعهد الوطني للطب الشرعي، بالتعاون مع الشرطة الإسرائيلية، أقارب جاي إيلوز وبيبين جوشي بتأكيد الهويات، حسبما قال الجيش في بيان تم نشره على موقع تلغرام. وجاء في البيان أنه تم التوصل أيضاً إلى هوية الرهينتين الأخريين، ولكن لم يتم الإعلان عن اسميهما، وطالب الجيش حركة حماس بتسليم جثث الرهائن الـ24 الآخرين.
وقال 3 مسؤولين إسرائيليين، أمس، إن معبر رفح الحدودي بين مصر وغزة لن يفتح (اليوم) الأربعاء، بحسب الاتفاق، وسيتقلص تدفق المساعدات إلى القطاع.
وقالت إسرائيل إنها سترد على التأخر في إعادة جثث الرهائن المتوفين بتخفيض عدد الشاحنات المسموح لها بإدخال المساعدات الإنسانية للقطاع إلى النصف.
وأوضح المسؤولون أن هذه الإجراءات اتخذت ضد حماس لعدم تسليمها رفات رهائن. وقالت السلطات الصحية المحلية في غزة، أمس، إن الدفعة الأولى من جثامين الفلسطينيين الذين قتلوا أثناء الحرب وصلت إلى القطاع بعد تسليم إسرائيل لها.
نيران وقتلى
ميدانياً، قتل 4 فلسطينيين بنيران إسرائيلية في قطاع غزة، ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية، عن مصدر طبي قوله، إن 3 مواطنين قتلوا جراء إطلاق طائرات مسيرة النار على فلسطينيين يتفقدون منازلهم في حي الشجاعية شرق مدينة غزة. ووفق الوكالة، قتل فلسطيني وأصيب آخر بعد قصف مسيرة بلدة الفخاري شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، مشيرة إلى إصابة عدد من الفلسطينيين بجروح جراء استهداف مخيم حلاوة للنازحين في جباليا البلد شمال غزة.