غزة وإسرائيل بين استنزاف الاقتصاد وانكسار السياسة

على امتداد عامين من الحرب في غزة، لم تبقِ المعارك على الجانب العسكري وحده، بل انسحبت ارتداداتها العميقة إلى المجالين الاقتصادي والسياسي، حيث وجد كل طرف نفسه أمام خسائر تفوق قدرته على الاحتمال.

فقد تكبّد الفلسطينيون أزمات معيشية خانقة نتيجة الحصار والتدمير الممنهج للبنية التحتية، كما خسرت حماس الدعم السياسي من كثير من الدول، فيما واجهت إسرائيل أزمة داخلية غير مسبوقة، أثارت جدلاً سياسياً حاداً، وأثقلت كاهل اقتصادها بتكاليف عسكرية وأمنية هائلة.

قطاع غزة كان الساحة الأكثر تضرراً، فبحسب تقارير البنك الدولي والأمم المتحدة، فقد اقتصاد القطاع أكثر من 80% من قيمته، وتراجعت أنشطة الزراعة والصناعة إلى حدود دنيا.

ويصف أستاذ العلوم المالية في الجامعة العربية الأمريكية برام الله، الدكتور نصر عبدالكريم، ما يجري في غزة بأنه إبادة اقتصادية، مشيراً إلى أن كل القطاعات الاقتصادية تعطلت بنسبة تتراوح بين 90 و95%.

وتطرق عبدالكريم في تصريحات لـ«البيان» إلى الوضع في الضفة الغربية، مؤكداً أنها لم تكن بمنأى عن التداعيات. فقد تراجع الناتج المحلي هناك بأكثر من الثلث، وقفزت معدلات البطالة من 13% قبل الحرب إلى نحو 30% حالياً، فيما تضاعفت نسب الفقر لتتراوح بين 40 و65%.

كما زادت الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية حدةً بعد حجز إسرائيل أكثر من 3 مليارات دولار من أموال المقاصة، ما شل قدرتها على دفع الرواتب كاملة. وبالنسبة لخسائر إسرائيل..

أوضح د. نصر أن الكلفة المباشرة وغير المباشرة لحرب إسرائيل على غزة، إلى جانب المواجهات مع «حزب الله» وإيران، بلغت ما بين 70 و80 مليار دولار خلال العامين الماضيين، وفق تقديرات مؤسسات مالية دولية، مضيفاً إن العجز في الموازنة ارتفع إلى 5% من الناتج المحلي، فيما قفز الدين العام من 59% إلى 70%.

وأشار إلى أن وكالات التصنيف الائتماني الدولية خفّضت مرتين متتاليتين تصنيف إسرائيل الائتماني، وسط مؤشرات إلى تباطؤ النمو الاقتصادي. سياسياً، يرى المحلل المصري أسامة الدليل في تصريحات لـ«البيان» أن الحديث عن «حصر الخسائر» سابق لأوانه، مؤكداً أن «الكارثة لم تنتهِ بعد، بل بدأت للتو».

ويشير إلى أن قبول حماس بخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد يعني نهاية دورها وأدوار داعميها، أما في حال رفض الخطة، فإن فصلاً جديداً من الصراع الدموي سيبدأ. في المقابل، تواجه إسرائيل ضغوطاً دبلوماسية غير مسبوقة ورفضاً شعبياً عالمياً، بسبب حجم الكارثة الإنسانية في غزة، ما انعكس في تآكل صورتها في المحافل الدولية، إلى جانب تصاعد الاحتجاجات الداخلية على كلفة الحرب البشرية والاقتصادية.