قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على قطاع غزة المدمر بسبب الحرب بعد إعادة توطين الفلسطينيين في أماكن أخرى وتطويره اقتصادياً.
ومن شأن هذه الخطوة أن تضرب عرض الحائط بالسياسة الأمريكية المستمرة منذ عقود تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وكشف ترامب عن خطته المفاجئة دون تقديم تفاصيل في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الزائر بنيامين نتانياهو.
وجاء الإعلان في أعقاب اقتراح ترامب الصادم أمس الثلاثاء بإعادة توطين الفلسطينيين بشكل دائم من قطاع غزة في دول مجاورة، ووصف القطاع بأنه "موقع هدم". ويشهد القطاع المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة "حماس" والتي تستمر ستة أسابيع.
ومن المتوقع أن يعارض حلفاء ترامب وخصومه على حد سواء بشدة أي استيلاء أمريكي على غزة، فتدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر هناك من شأنه أن يتعارض مع السياسة القديمة في واشنطن ومعظم المجتمع الدولي، والتي تعتبر أن غزة ستكون جزءا من الدولة الفلسطينية المستقبلية التي تشمل الضفة الغربية المحتلة.
وقال ترامب للصحفيين "الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على قطاع غزة وسنقوم بعملنا معه أيضا. سنكون مسؤولين عن تفكيك جميع القنابل غير المنفجرة الخطيرة والأسلحة الأخرى في الموقع".
وأضاف ترامب "إذا لزم الأمر، فسنفعل ذلك، وسنستولي على تلك القطعة، وسنطورها، وسنوجد الآلاف والآلاف من الوظائف، وستكون شيئا يمكن للشرق الأوسط بأكمله أن يفخر به".
وأردف "أتوقع ملكية طويلة الأمد وأرى أن ذلك سيجلب استقرارا كبيرا لهذا الجزء من الشرق الأوسط"، مضيفا أنه تحدث إلى زعماء المنطقة وأيدوا الفكرة.
وأضاف ترامب "لقد درست هذا الأمر عن كثب على مدى أشهر عديدة"، قائلا إنه سيزور غزة ولكن دون أن يحدد الموعد.
وعندما سُئل عمن سيعيش هناك، قال ترامب إنها قد تصبح موطنا "لشعوب العالم" وتوقع أن تصبح "ريفييرا الشرق الأوسط"، بعد أن سوى الهجوم العسكري الإسرائيلي مساحات شاسعة منها بالأرض. وجاءت العملية الإسرائيلية بعد هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023.
ولم يرد ترامب بشكل مباشر على سؤال عن كيف ستستطيع الولايات المتحدة الاستيلاء على أرض غزة واحتلالها على المدى الطويل وتحت أي سلطة يمكنها فعل ذلك في القطاع، وهو موطن لنحو مليوني شخص. وكانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بما في ذلك ترامب في ولايته الأولى، قد تجنبت نشر قوات أمريكية هناك.
ولم يناقش نتانياهو، الذي أشار إليه ترامب عدة مرات بلقبه "بيبي"، الاقتراح بعمق بخلاف الثناء على الرئيس الأمريكي لاتباعه نهجا جديدا.
وقال نتانياهو إن ترامب "يفكر خارج الصندوق بطرح أفكار جديدة.. يظهر استعدادا لنسف التفكير التقليدي".
وخاض الجيش الإسرائيلي حربا مع حركة "حماس" في غزة لأكثر من عام.
وأشار خبراء إلى أن ترامب يتخذ في بعض الأحيان موقفاً متطرفاً على المستوى الدولي لتحديد المعايير للمفاوضات المستقبلية. ففي ولايته الأولى، أصدر ترامب في بعض الأحيان ما اعتبرت تصريحات مبالغ فيها في مجال السياسة الخارجية، ولم ينفذ الكثير منها قط.
* ترامب يقترح "إعادة التوطين" الدائم
قال جوناثان بانيكوف، النائب السابق لمسؤول المخابرات الوطنية الأمريكية للشرق الأدنى، إن خطة ترامب تعني التزاما عسكريا أمريكيا طويل الأمد، وإذا وجدت طريقها إلى التنفيذ فسوف ينظر إليها العالم العربي على أن واشنطن "لم تتعلم الدروس من بناء الأمة في العراق وأفغانستان".
ودعا ترامب في وقت سابق من أمس الثلاثاء الأردن ومصر مرة أخرى إلى استقبال سكان غزة، قائلا إن الفلسطينيين هناك ليس لديهم بديل سوى مغادرة القطاع الساحلي في أثناء إعادة بنائه بعد حرب طاحنة بين إسرائيل ومسلحي حماس استمرت نحو 16 شهرا.
لكن هذه المرة قال ترامب إنه سيدعم إعادة توطين الفلسطينيين "بشكل دائم"، متجاوزا اقتراحاته السابقة التي رفضها الزعماء العرب بشدة بالفعل.
ومن المرجح أن يشكل التهجير القسري لسكان غزة انتهاكا للقانون الدولي، وسوف يلقى معارضة شديدة ليس فقط في المنطقة وإنما من جانب حلفاء واشنطن الغربيين أيضا.
واستنكر القيادي في حماس سامي أبو زهري دعوة ترامب سكان قطاع غزة إلى مغادرته وقال إنها "طرد من أرضهم".
وأضاف "نعتبرها وصفة لإنتاج الفوضى والتوتر في المنطقة، لأن أهل غزة لن يسمحوا بتمرير هذه المخططات، والمطلوب هو إنهاء الاحتلال والعدوان على شعبنا".
ولم يقدم الجمهوري ترامب أي تفاصيل عن كيفية تنفيذ عملية إعادة التوطين، لكن مقترحه يوافق رغبات اليمين المتطرف في إسرائيل ويتناقض مع التزام سلفه جو بايدن بعدم النزوح الجماعي للفلسطينيين.
وأكدت السعودية رفضها أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وقالت إنها لن تقيم علاقات مع إسرائيل دون إقامة الدولة الفلسطينية.
وقالت وزارة خارجيتها في بيان "تؤكد وزارة الخارجية أن موقف المملكة العربية السعودية من قيام الدولة الفلسطينية هو موقف راسخ وثابت لا يتزعزع، وقد أكد الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، هذا الموقف بشكل واضح وصريح لا يحتمل التأويل بأي حال من الأحوال"
* انتقادات لخطاب ترامب التوسعي
وبعد مضي أسبوعين فقط على بداية فترته الثانية، استضاف ترامب نتانياهو في البيت الأبيض لمناقشة مستقبل وقف إطلاق النار في غزة واستراتيجيات مواجهة إيران والآمال في تجديد الدفع نحو اتفاق تطبيع للعلاقات الإسرائيلية السعودية.
وجاء اقتراحه بشأن غزة بعد أسبوعين محمومين في منصبه تحدث خلالهما ترامب عن استيلاء الولايات المتحدة على جرينلاند، وحذر بنما بشأن طريقة تعاملها مع قناة بنما، وأعلن أن كندا يجب أن تكون الولاية الأمريكية الحادية والخمسين.
وقال ترامب للصحفيين قبل قليل من وصول نتانياهو "إنها منطقة هدم خالصة. إذا تمكنا من العثور على قطعة الأرض المناسبة، أو قطع كثيرة من الأرض، وبناء أماكن جميلة عليها مع وجود الكثير من المال في المنطقة، فهذا أمر مؤكد. أعتقد أن هذا سيكون أفضل بكثير من العودة إلى غزة".
وحين سئل عن رد فعل الزعماء الفلسطينيين والعرب على اقتراحه، قال ترامب "لا أعرف كيف يمكن لهم (الفلسطينيون) أن يرغبوا في البقاء".
وفي وقت لاحق، أدلى ترامب بتصريحات مماثلة ونتانياهو إلى جواره في المكتب البيضاوي، لكنه اقترح أن يغادر الفلسطينيون غزة إلى الأبد "في منازل جميلة حيث يمكنهم أن يكونوا سعداء ولا يتعرضون لإطلاق النار والقتل".
وقال "إنهم لن يرغبوا في العودة إلى غزة".
وفي مؤتمر صحفي مشترك بعد محادثاتهما، أكد ترامب على اقتراحه، ووصف قطاع غزة بأنه "رمز للموت والدمار" منذ فترة طويلة، وقال إن الفلسطينيين هناك يجب إيواؤهم في "مناطق مختلفة" في بلدان أخرى. وقال إن الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على قطاع غزة، و"تهدمه" وتوجد تنمية اقتصادية، لكنه لم يذكر كيف.
وطرح ترامب، الذي عمل في تطوير العقارات قبل دخوله عالم السياسة، رؤية متفائلة لاستيلاء الولايات المتحدة على غزة بينما تجنب الخوض في تفاصيل عن كيفية تعامل الولايات المتحدة مع الجيب وتأمينه.
وكان غامضا أيضا بشأن المكان الذي سيذهب إليه السكان الفلسطينيون في غزة، قائلا إنه واثق من أن مصر والأردن ستستقبلان الكثير منهم، على الرغم من رفض البلدين بالفعل للفكرة.
ولم يتضح بعد تأثير مقترحات ترامب على المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، حيث أصرت حماس بشدة على أنها تريد البقاء في غزة بينما تعهد نتانياهو بتدمير الحركة وعدم السماح لها أبدا بحكم القطاع مرة أخرى.
ولعب مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف دورا رئيسيا في مساعدة إدارة بايدن في التوصل إلى اتفاق غزة قبل انتقال السلطة في الولايات المتحدة في 20 يناير. وأدت المرحلة الأولى إلى إطلاق حماس سراح 18 رهينة وإفراج إسرائيل عن مئات السجناء الفلسطينيين.
وقال ويتكوف للصحفيين في وقت سابق "نحن في المرحلة الثانية الآن". وأضاف أنه التقى بنتانياهو يوم الاثنين لمناقشة معايير المفاوضات السياسية وسيلتقي برئيس وزراء قطر، الوسيط في المفاوضات، في الولايات المتحدة غدا الخميس.