يجد أهل غزة أنفسهم في مهب رياح جبهات ضبابية، ليس أولها استمرار حرب دامية حرقت الأخضر واليابس، ولا آخرها ماراثون تفاوضي يبدو بلا أفق، وحتى الإدارة الأمريكية، التي أعلنت مراراً أن نهاية الحرب باتت وشيكة، وأنها لن تمنح إسرائيل شيكاً مفتوحاً، لمواصلة قتل المدنيين وتجويعهم في قطاع غزة، بدت وكأن مهمتها أن تشتري لإسرائيل الوقت.
وفيما تحصد المقاتلات الحربية الإسرائيلية أرواح النازحين اللائذين بخيام بدائية، وتواصل مدافعها الثقيلة دك ما تبقى من مبان ومراكز إيواء في غزة، بات الموت والحياة صنوان في قطاع غزة، ففي حين نهضت آمال كبيرة بوقف الإبادة، ثمة توتر وتعثر ظهرا على المسار التفاوضي بشأن اتفاق ينهي الحرب في الدوحة، لتعود التساؤلات، التي بمقدور الغزيين طرحها، حول حقيقة وعد ترامب بإنهاء الحرب.
وتتلاطم أمواج حرب كاسرة في قطاع غزة، من المؤكد أن عواقبها لن تصب في مصلحة الغزيين، إذ بلغ مؤشر عداد الضحايا مداه وأكثر، بينما تنشغل تل أبيب وواشنطن في إعادة تدوير الحلول والمبادرات والمقترحات، التي سبق لهما التلويح بها، حتى استحالت زبداً.
وما إن يفرغ الوسطاء في الدوحة من وضع المسودات لاتفاق وشيك، حتى تكون غزة قد احترقت في جحيم الحرب، واكتوت بنار الغارات اللاهبة، ويأتي الصوت من غزة بأن الآتي أسوأ، وأن المساعي السياسية ليست أفضل حالاً، ولكن تعثر المفاوضات لا يعني استحالة التوصل إلى اتفاق، كما يقول مراقبون، إذ هناك ثمة مؤشرات على تباري الوسطاء في تأويل الحلول الممكنة، وعدم إغلاق الأبواب أمام البحث عن مخارج لوقف الإبادة.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي، هاني المصري، أن الاتفاق على الأرجح سيتم، وإن بصورة مرحلية، إذ تشير معطيات عدة إلى ذلك، لكن ربما يحتاج الأمر إلى أواخر يوليو الجاري، أي مع بدء العطلة الصيفية للكنيست الإسرائيلي، التي يصعب خلالها إسقاط الحكومة.
ووفق المصري فمؤشرات إتمام الصفقة تتجلى في إبلاغ نتانياهو الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بموافقته على الصفقة، مع الحاجة لأواخر الشهر الجاري كي لا تسقط الحكومة، ولأن ترامب يدفع باتجاه الاتفاق كي يتفرغ لأولوياته الإقليمية والدولية، كما أن نتانياهو نفسه بحاجة إلى إنجاز سياسي، يعزز شعبيته قبيل الانتخابات المتوقعة نهاية العام، وتفادي إقرار موازنة الحكومة في ظل عام انتخابي، تزداد فيها المزايدات والمطالب الشعبوية.
ولفت المصري إلى أن الجيش الإسرائيلي يدفع بقوة نحو إبرام الاتفاق، لشعوره بالإرهاق، واعتقاده بأن الحرب وصلت إلى طريق مسدود، بعد أن استنفدت غاياتها، بينما أظهرت حركة حماس مرونة ملحوظة مقارنة مع مواقفها السابقة، دون إغفال الحوافز المتوقعة لنتانياهو من وراء الصفقة، وأهمها وقف محاكمته، وربما موافقة أمريكية على ضم أجزاء من الضفة، وكل هذه العوامل تدفع نحو الاتفاق، على حد تعبيره.
عوامل ضغط
ويرى الباحث المختص في الشؤون الإسرائيلية، سليمان بشارات، أن الضغط المتصاعد في الشارع الإسرائيلي، وتوالي الخسائر البشرية في صفوف الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، شكلت عوامل ضاغطة على إسرائيل للذهاب نحو الاتفاق.
ومن شأن استمرار الحرب أن يترك آثاراً سلبية على الجهود الدبلوماسية، بيد أن مواصلة الضغط العسكري على المدنيين العزل، ربما ينتزع تنازلات إضافية من قبل حركة حماس كما يراهن قادة إسرائيليون، لكن ثمة حقيقة مرة تبقى قائمة، ومفادها إزهاق مزيد من الأرواح، وتعاظم الخراب والدمار بقطاع غزة.