في ظل تعثر مفاوضات الهدنة وتزايد الضغوط الدولية، تبقى غزة بين سندان الحصار ومطرقة التصعيد، بينما تتعالى الأصوات المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار وفتح تحقيق دولي عاجل في الانتهاكات المرتكبة.
وقُتل 17 فلسطينياً وأُصيب العشرات أمس، إثر إطلاق الجيش الإسرائيلي النار على حشود من المدنيين الفلسطينيين قرب مركز لتوزيع المساعدات في شارع الجلاء شمال مدينة غزة.
ووقعت المقتلة الجديدة بينما كان الجياع ينتظرون تسلُّم مساعدات غذائية وسط تفاقم المجاعة، وخصوصاً في مناطق الشمال المحاصرة. وأكد شهود عيان أن إطلاق النار حصل من دون أي سابق إنذار، ما أدى إلى سقوط الضحايا في موقع مزدحم بالنساء وكبار السن. وتحدثت مصادر طبية عن صعوبة إجلاء الجرحى بسبب تواصل القصف في المحيط.
وفي تطور متزامن، أصدر الجيش الإسرائيلي إنذارات بإخلاء مناطق واسعة في شمال غزة، ولا سيما في مخيم جباليا وبلدتي بيت لاهيا وبيت حانون، وسط تحذيرات أممية من أن الأوامر لا تترافق مع ممرات آمنة أو خطة إنسانية واضحة.
من جهة أخرى، قالت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة في تقرير جديد، إن إسرائيل ترتكب «أفعالاً ترقى إلى الإبادة الجماعية» ضد الفلسطينيين في غزة، وأكدت أن سلوك قوات الاحتلال يدل على «نية متعمدة لإهلاك جماعة وطنية على أساس العرق والانتماء القومي». وأضاف التقرير إن استهداف المنشآت المدنية، والتجويع المتعمد، والتدمير المنهجي للبنية التحتية، يمثل خرقاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني، وجريمة قد تقع ضمن اختصاص محكمة العدل الدولية.
في الأثناء، شن الجيش الإسرائيلي، فجر أمس، عملية اجتياح واسعة في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية.
وأفادت مصادر ميدانية أن عشرات الآليات العسكرية اقتحمت البلدة القديمة من نابلس من محاور عدة، ترافقها وحدات خاصة إسرائيلية، وسط تحليق مكثف للطائرات المُسيّرة. وقتلت القوات المقتحمة شقيقين، وأصابت آخرين بالرصاص خلال مواجهات مستمرة في البلدة القديمة بنابلس.
ووفق وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، «أصيب شابان بالرصاص الحي، ووصفت حالتهما بالخطيرة، فيما أصيب ثلاثة آخرون، بينهم مسعف بشظايا الرصاص الحي»، في حين «منعت طواقم الإسعاف من التوجه إلى المصابين»، وفق الوكالة. وأفادت بأن «تلك القوات تمنع الطواقم الصحافية من تغطية الأحداث في المنطقة، وتتعمد استهدافهم».
وفي وقت لاحق، أعلنت وزارة الصحة، ارتقاء الشقيقين نضال وخالد مهدي أحمد عميرة (40 و35 عاماً) برصاص القوات الإسرائيلية في نابلس.
وتواجه إسرائيل تداعيات دولية متزايدة جراء حربها على غزة والضفة، حيث فرضت بريطانيا وأربع دول أخرى أمس، عقوبات على الوزيرين الإسرائيليين من التيار الأشد تطرفاً، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بسبب «تحريضهما المتكرر على العنف ضد الفلسطينيين» في الضفة.
وانضمت كندا وأستراليا ونيوزيلندا والنرويج إلى بريطانيا في فرض عقوبات تشمل تجميد الأصول وحظر السفر على الوزيرين.
وذكر وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي في بيان مشترك مع نظرائه في البلدان الأربعة «حرض إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش على عنف المتطرفين والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان بحق الفلسطينيين. هذه الأعمال غير مقبولة. ولهذا السبب اتخذنا إجراء الآن، وهو محاسبة المسؤولين عن ذلك».
وذكر مصدران مطلعان أن العقوبات تشمل قيوداً مالية محددة وحظراً للسفر.
ووفق مصادر أوروبية، تُدرس إجراءات مماثلة في فرنسا والاتحاد الأوروبي، في سابقة قد تؤدي إلى توتر دبلوماسي واسع النطاق بين تل أبيب وعواصم أوروبية كبرى.