السودان حــرب بلا نهايةوتحشيد ضــد السلام

لم يكن عام 2025 بأفضل من سابقه في السودان، إذ تفاقمت الأزمة الإنسانية بشكل أكثر سوءاً مع استمرار الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع وتوسع رقعتها.

فيما وقف تعنت طرفي الحرب عائقاً أمام جهود الوساطة الإقليمية والدولية الرامية لتحقيق السلام وتخفيف وطأة الكارثة الإنسانية التي وصفتها الأمم المتحدة بالأسوأ، إذ فتكت الحرب بالملايين من المدنيين وتركت السودانيين يواجهون مصيراً يتقاذفه الجوع والمرض، وقبل ذلك الموت تحت نيران المتقاتلين. فمن يدفع ثمن هذه الاشتباكات الدامية هو المواطن السوداني، الذي يعيش مروعاً في بلده وخائفاً مما يحمله المستقبل.

تباعدت مسافات التفاوض بين طرفي الصراع افتقدوا القدرة على تقدير الموقف السياسي والعسكري والإنساني لما يجري في السودان منذ عام ونصف العام.

حيث إنهم بدلاً من التوجه للسلام والقبول بالمبادرات قاموا بالتحشيد للحرب، فضلاً عن الانتهاكات الوحشية التي طاولت آلاف المدنيين في مناطق الصراع، وسط تزايد أعداد النزوح والمعاناة.

وتجاوزت تداعيات الحرب الأبعاد العسكرية المباشرة، لتشمل مستويات واسعة من النزوح والجوع، وانهيار البنى الصحية والإدارية، ما جعل السودان من أكثر بؤر الأزمات الإنسانية حدة في العالم.

ففيما تتحرك «الرباعية الدولية» التي تضم الإمارات والسعودية والولايات المتحدة ومصر، من أجل هدنة إنسانية عاجلة في السودان، تمهيداً لوقف الحرب، وبدء عملية سياسية جديدة، لا يزال الجيش يرفض إيقاف الحرب، ودعوات حكومة مدنية، ولم تفلح المساعي الدولية في الضغط على الطرفين لتوقيع هدنة إنسانية، تنتشل الملايين ممن فتكت بهم الحرب وتداعياتها، إذ أعاق التصعيد العسكري، لا سيما في ولايات دارفور وكردفان، إيصال المساعدات الإنسانية للمحاصرين تحت نيران القتال.

وتسببت الحرب التي اندلعت شرارتها الأولى في صبيحة الخامس عشر من أبريل في عام 2023، في سقوط عشرات الآلاف من الضحايا، مدنيين وعسكريين، وتشريد حوالي 13 مليون سوداني من العاصمة، وعدد من مناطق البلاد التي تمددت إليها المعارك.

كما أدى استمرار المعارك طوال العامين الماضيين إلى دخول البلاد في كارثة إنسانية، هي الأسوأ على مستوى العالم، بحسب تقارير وكالات الأمم المتحدة، إذ يحتاج ما يقارب الثلاثين مليون سوداني للمساعدات الإنسانية، وتهدد المجاعة الملايين، في ظل صعوبة إيصال المعونات الإغاثية للمتأثرين في المناطق التي تحاصرها الاشتباكات العنيفة.

تدمير البنى التحتية

وعملت آلة الحرب الفتاكة بجانب المآسي الإنسانية على تدمير البنى التحتية في العاصمة الخرطوم ومدن ولاية الجزيرة المختلفة وإقليمي دارفور وكردفان، فلم تسلم محطات المياه والكهرباء، ولا حقول ومستودعات النفط.

كما دمر مصفاة الخرطوم لتكرير النفط، بعد أن أصبح ساحة للمعارك لشهور، تعطلت جميع مرافق الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها، كما أحدث تطاول الحرب انهياراً في قطاعات الإنتاج الصناعي والزراعي، الأمر الذي فاقم من معاناة السودانيين، ليس في مناطق الصراع فحسب، بل حتى في الولايات التي لم تصل إليها المعارك.

ويلات الحرب

مع ضعف التمويل تواجه وكالات الأمم المتحدة العاملة في المجال الإنساني تحديات كبيرة في سبيل الاستجابة للاحتياجات الملحة لملايين السودانيين.

حيث أعلنت المنسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، كليمنتين نكويتا سلامي، في يناير من 2025، أن الأمم المتحدة تسعى لجمع 4.2 مليارات دولار لمعالجة الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحاً لنحو 21 مليون شخص من الأشخاص الأكثر ضعفاً في السودان، وذلك في إطار خطة الاستجابة الإنسانية التي أطلقتها لعام 2025.

ترك استمرار الصراع المسلح الهجمات ضد المدنيين والنزوح والجوع وسوء التغذية وتفشي الأمراض والصدمات المناخية، ما يقرب من ثلثي السكان في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية وخدمات الحماية.

بينما يحتاج أكثر من نصف السكان إلى مساعدات إنسانية عاجلة وخدمات الحماية، بما في ذلك 16 مليون طفل، ووصل انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى مستويات تاريخية، وخاصة في المناطق المتضررة من الصراع في دارفور وكردفان.

وقالت الأمم المتحدة إن أكثر من 30 مليون سوداني بحاجة للمساعدات في عام 2025، وأكدت أن السودان يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، بسبب حجم الاحتياجات المتصاعدة، وعدد النازحين، وارتفاع معدلات سوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي.

وأكدت أن ما يقدر بنحو 30.4 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة في عام 2025، بزيادة قدرها 5.6 ملايين شخص عن عام 2024، مدفوعاً بالصراع المدمر والنزوح الذي أعقبه وتفشي الأمراض والكوارث الطبيعية وتدمير سبل العيش.

وتسعى خطة الاستجابة والاحتياجات الإنسانية للسودان 2025، إلى الحصول على 4.2 مليارات دولار لمساعدة 20.9 مليون من الأشخاص الأكثر ضعفاً، إذ يعاني السودان من أزمة إنسانية حادة بعد ما يقارب الثلاثة أعوام من الصراع.

وصنفت الأمم المتحدة السودان من بين الدول الأربع الأولى في العالم التي تعاني من أعلى معدل انتشار لسوء التغذية الحاد العالمي، بنحو 13.6 في المئة.

وفي أغسطس الماضي، أعلنت اليونيسيف أن أكثر من 640 ألف طفل دون سن الخامسة، معرضون للخطر بشمالي دارفور وحدها، نتيجة للعنف والمرض والجوع.

وأصبحت السودان من أخطر الحروب على عمال الإغاثة في العالم، حيث إنه، ومنذ بدء الصراع الحالي في أبريل 2023، قُتل أكثر من 120 عاملاً في المجال الإنساني - معظمهم سودانيون، وبحسب مكتب المنسق المقيم للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، أن ذلك ليس مجرد إحصاءات، بل كانوا مسعفين وسائقين ومتطوعين وغيرهم من الموظفين.

تفشي الأوبئة

كان عام 2025 عام الأوبئة والأمراض، حيث تفشى وباء الكوليرا في 152 محلية بجميع الولايات، مسجلاً أكثر من 123,000 حالة إصابة، وحوالي 3,500 حالة وفاة بحلول ديسمبر 2025.

كما تفشى وباء حمى الضنك في معظم ولايات السودان، خاصة ولاية الخرطوم وولاية الجزيرة، وأدى لوفاة المئات.

سلطتان وبلد يتمزق

خلقت التفاعلات العسكرية كتلتين في شرقي البلاد وغربيها، حيث بات الجيش السوداني مسيطراً على ولايات الشمال والوسط والشرق والعاصمة، بينما تنتشر قوات الدعم السريع في إقليم دارفور، وأجزاء من ولايات كردفان الثلاث. مع استيلاء قوات الدعم السريع على الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، في 26 أكتوبر الماضي.

وفي مايو من عام 2025 أعلن تحالف تأسيسي، الذي يضم بجانب قوات الدعم السريع مجموعات سياسية وحركات مسلحة، عن سلطة موازية لسطة بورتسودان التي يقودها الجيش.

واتخذ من نيالا بجنوب دارفور عاصمة إدارية لها، ما مثل نقطة فارقة في الصراع المسلح، وبات في حكم الواقع وجود حكومتين في السودان، تتنازعان الشرعية في بلد مزقته الحروب والصراعات.

حيث تستمد كلا السلطتين شرعيتهما من واقع الحرب ما يعمق حالة الانقسام الحاد التي تهدد، بحسب المراقبين، مستقبل السودان، لا سيما أن الحرب ألقت بظلالها السالبة على النسيج الاجتماعي، وأفرزت حالة من الاستقطاب الحاد.

على المستوى الدولي، طرحت الولايات المتحدة الأمريكية في نوفمبر مبادرة سياسية لحل الصراع السوداني، في إطار الجهود الدولية المتجددة لإنهاء حرب استمرت لأكثر من عامين ونصف العام وخلفت عشرات الآلاف من الضحايا وملايين النازحين.

60 %

من المنظمات الدولية المتخصصة انسحبت من السودان

70 %

من المرافق الصحية توقفت

11

مليار دولار خسائر القطاع الصحي

47 %

معدلات البطالة

30

مليون شخص بحاجة لمساعدات

16

مليون طفل بحاجة للحماية

13

مليون شخص ما بين نازح ولاجئ