انتخابات مقديشو التاريخية.. اختبار للديمقراطية وسط تحديات أمنية ومعارضة سياسية

يتوجّه الصوماليون في "مقديشو الكبرى"، اليوم الخميس، إلى صناديق الاقتراع لإجراء انتخابات محلية، وهي أول انتخابات مباشرة تُنظم منذ نحو 60 عاماً في عاصمة هذا البلد المضطرب، الذي أعلنت سلطاته تدابير أمنية مشددة تحسباً لأي هجمات محتملة.

وأعلنت الحكومة نشر أكثر من عشرة آلاف عنصر أمن في العاصمة، التي تخوض منذ عام 2006 حرباً ضد "حركة الشباب" المرتبطة بتنظيم القاعدة. ولا تزال المواجهات مستعرة على بُعد ستين كيلومتراً فقط من مقديشو؛ حيث استعاد المسلحون أكثر من مئتي قرية هذا العام، مما أدى إلى تبديد معظم المكاسب التي تحققت خلال الحملة العسكرية في عامي 2022 و2023.

وتؤكد السلطات أنّ الهجمات انخفضت بنسبة 86% في العاصمة، بفضل تكثيف كاميرات المراقبة، وتعزيز نقاط التفتيش، ونشر عناصر شرطة بملابس مدنية لمراقبة الحشود. ورغم ذلك، شهدت مقديشو خلال الأشهر الستة الماضية محاولة اغتيال فاشلة استهدفت موكب الرئيس، وقصفاً قرب المطار، وهجوماً على مركز احتجاز.

من جانبها، أعلنت هيئة الطيران المدني إغلاق المطار الرئيسي في البلاد يوم الخميس، بالتزامن مع إجراء الانتخابات في منطقة "بنادر" التي تضم العاصمة. وتُعتبر هذه الانتخابات بمثابة اختبار حقيقي قبل الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2026، في نهاية ولاية الرئيس حسن شيخ محمود.

في المقابل، تقاطع أحزاب المعارضة الرئيسية الانتخابات، متهمة الحكومة باتخاذ "إجراءات انتخابية أحادية". ومن المتوقع أن يتوجه نحو 400 ألف ناخب مسجّل، من أصل أكثر من مليوني نسمة في المنطقة، إلى صناديق الاقتراع بحسب لجنة الانتخابات، ليختاروا من بين 1600 مرشح يتنافسون على 390 مقعداً محلياً.

- انتخابات "مرتّبة" وتحديات سياسية -

يُذكر أن نظام التصويت المباشر في الصومال قد أُلغي بعد تولي الرئيس محمد سياد بري السلطة عام 1969. ومنذ سقوط نظامه عام 1991، اعتمد النظام السياسي في البلاد على هيكل محاصصة قبلية.

ومع ذلك، يُطبق حق الاقتراع العام في منطقة "أرض الصومال" الانفصالية التي أعلنت استقلالها عام 1991 (دون اعتراف دولي). كما أجرت ولاية "بونتلاند" الشمالية انتخابات محلية بالاقتراع العام في مايو 2023، لكنها تخلت عن النظام لاحقاً.

وكانت الحكومة الفيدرالية قد وافقت في أغسطس 2024 على العودة إلى الاقتراع المباشر، وهي خطوة تراها المعارضة استراتيجية من الرئيس حسن شيخ محمود لإطالة أمد ولايته. وقد أُرجئت انتخابات البلديات الحالية، التي تُجرى بنظام "شخص واحد، صوت واحد"، ثلاث مرات خلال هذا العام.

وفي سياق الإجراءات التنظيمية، أشاد رئيس المفوضية الانتخابية الصومالية، عبد الكريم أحمد حسن، بما وصفه بـ "اللحظة العظيمة للشعب الصومالي"، موضحاً أن القيود المرورية تهدف لتأمين نقل الناخبين بالحافلات إلى المراكز.

من جهة أخرى، أبدت المحللة الأمنية سميرة غايد شكوكها، واصفة الانتخابات بأنها "مرتّبة" لإعطاء انطباع زائف بسيادة الديمقراطية، وقالت لوكالة فرانس برس: "إن المشاركة المدنية شبه معدومة".

وبحسب تقرير لمنظمة "إنترناشونال كرايسيس غروب" صادر في سبتمبر، فإن الوضع الراهن يعيد للأذهان الأزمة السياسية في عهد الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو؛ حيث اندلعت اشتباكات بين فصائل قبلية عام 2021 إثر فشله في تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية قبل انتهاء ولايته. ومع اقتراب الموعد الجديد، لا يزال التوافق غائباً بشأن آلية انتخابات 2026، وسط تهديدات من المعارضة بتنظيم عملية موازية إذا أصرت الحكومة على المضي قدماً في إجراءاتها الحالية.