بعد انتهاء المواجهة العسكرية مع إسرائيل في نوفمبر الماضي، التي افضت إلى اتفاق وقف إطلاق النار، يواجه لبنان تحدياً معقداً يتمثل في نزع سلاح "حزب الله"، الملف الذي بات يُنظر إليه داخليًا وخارجيًا عقبة أمام استقرار الدولة اللبنانية واستعادة سيادتها الكاملة.
ويمثل موقف الرئيس جوزاف عون نموذجاً للتوازن السياسي الحذر، حيث لا يزال يراهن على سحب أسلحة الحزب وأن تقتصر حيازتها على الدولة في عام 2025، انما عبر ربطه بحوار وخطة تدريجية.
هذا الموقف يعكس الواقع السياسي المعقد، حيث لا يمكن للدولة اللبنانية فرض قرار أحادي على حزب الله من دون توقع مواجهة مخاطر أمنية وسياسية كبيرة.
زيارة المبعوث الأمريكي توماس باراك إلى بيروت، وتسليم ورقة خريطة طريق واضحة لنزع سلاح الحزب، وضعت الجميع أمام لحظة حسم غير قابلة للتأجيل أو التسويف.
لكن في المقابل، لا تزال المعادلة الداخلية مرتبكة، والدولة اللبنانية عاجزة حتى اللحظة عن اتخاذ قرار جامع، بينما الحزب يلوح بخيارات بديلة لبقاء سلاحه، من بينها التحول نحو الحدود الشرقية مع سوريا بدلا من الجنوب، في خطوة تقرأها واشنطن وبعض الأطراف بأنها محاولة لتثبيت موقعه في المشهد اللبناني بالقوة، وفقاً لسكاي نيوز عربية.
الورقة الأمر كية التي حملها توماس باراك إلى بيروت، لا تترك مجالا للغموض، فهي تتضمن خطة من مراحل زمنية متدرجة لتسليم حزب الله سلاحه بالكامل، على أن يُستكمل ذلك في نوفمبر المقبل.
مقابل ذلك، تتوقف إسرائيل عن استهداف عناصر الحزب عسكرياً، وتُفرج واشنطن عن أموال إعادة إعمار المناطق المدمّرة، وتُشرف على إطلاق الأسرى المرتبطين بالحزب.
كما تدعو الخريطة إلى تحسين العلاقات مع سوريا، وإجراء إصلاحات مالية لبنانية جذرية، الأمر الذي يشير إلى ربط المسار العسكري السياسي في الداخل اللبناني بمصير شبكة علاقاته الإقليمية.
التحدي الاستراتيجي يتمثل في أن هذا السلاح ليس مجرد أداة عسكرية، بل رمز لمشروع المقاومة الإقليمي، ومن الطبيعي أن يتطلب التخلي عنه، إيجاد بدائل استراتيجية مقنعة للحزب وقاعدته الشعبية، وهو ما لا يمكن تحقيقه عبر الضغط أو التهديد فحسب، بل حتى لو تم التوصل إلى اتفاق سياسي حول مسألة السلاح، تبقى التحديات العملية ضخمة على الأرض كبيرة، كجمع السلاح والتعامل معها ، فالجيش اللبناني، بحكم إمكاناته المتواضعة جداً، لا يملك القدرة على فرض سيطرته على مناطق نفوذ حزب الله من دون اتفاق، وليس في وارد الدخول في مواجهة عسكريّة معه، وهذا الامر يزيد من حدة التحديات.
لا شك ان غياب سلاح الحزب يشكل تحولاً جذرياً في الاعمدة الاساسية للسياسة اللبنانية والمعادلات الإقليمية، وليس مجرد قرار إداري أو ضغط خارجي.
النجاح في هذا الملف يستلزم رؤية استراتيجية شاملة تأخذ بالاعتبار المخاوف الأمنية للحزب، وتوفر بدائل مقنعة لدوره العسكري، وتحقق توازناً دقيقاً بين الضغوط الخارجية والاستقرار الداخلي.
لبنان أمام مفترق طرق.. إما أن يتخذ القرار الشجاع في نزع سلاح "حزب الله" تحت مظلة الشرعية الدولية والدستور، أو يستمر في دوامة الانقسام والتسويف التي قد تنهي ما تبقى من الدولة.
