بعد انتخاب البرلمان العراقي الجديد، تنطلق مرحلة اختيار رئيس للوزراء يشكّل الحكومة المقبلة، في بلد يشهد عادة تشرذماً سياسياً وتعقيدات تطيل التوافق على مرشّح. وتصدّر الائتلاف الذي يقوده رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني نتائج الانتخابات التشريعية، وفق ما أظهرت نتائج أولية أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الأربعاء.
غير أن ذلك لا يكفيه لتشكيل حكومة، فهو يواجه حالياً مهمّة صعبة تتمثل في تأمين الدعم من الأطراف المُنافسة له، في مسعاه للحصول على ولاية حكومية ثانية.
وفي ظلّ عدم وجود غالبية مطلقة في البرلمان المؤلف من 329 مقعداً، قد تقضي الأطراف الرئيسية أسابيع أو أشهراً، في التفاوض على تحالفات لبناء كتلة كبرى تتمكّن من فرض رئيس الوزراء المقبل.
وفي حين نُشرت نتائج فرز الأصوات لكل محافظة على حدة، يُفترض أن يُعلن لاحقاً توزيع المقاعد في البرلمان.
وشهدت تسمية رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة عقب الانتخابات في السنوات الماضية الكثير من التعقيدات، واستغرق التوافق أشهراً عدّة. ففي البرلمانات السابقة، كانت الأحزاب التي تحصل على العدد الأكبر من المقاعد تتوصل إلى تسويات لتشكيل حكومة، وكان يؤدي ذلك غالباً إلى استبعاد مرشحين أقوياء قبل التوافق على اسم.
وبعد جمود استمرّ أكثر من عام نتيجة خلافات سياسية بين التيار الصدري و«الإطار التنسيقي» المؤلف من أحزاب شيعية، جاء الإطار الذي كان يحظى بأكبر كتلة في البرلمان المنتهية ولايته، بالسوداني رئيساً للحكومة في 2022. ولم يكن السوداني في حينه معروفاً على نطاق واسع أو يتمتع بقاعدة شعبية تذكر.
إطار منقسم
وصرّح سياسي بارز، الشهر الماضي، بأن «الإطار التنسيقي» منقسم بشأن دعم السوداني لتولّي ولاية ثانية.
ويُقلق تنامي سلطة السوداني الذي اعتمد سياسة تحافظ على توازن دقيق بين حليفي العراق العدوين، واشنطن وطهران، القوى السياسية الكبرى في العراق. ولا شيء مستبعد في العراق حيث المصالح السياسية والانقسامات الطائفية تسير في خطين متوازيين. فمثلما قد يتمكّن السوداني من حشد الدعم من منافسيه لتشكيل حكومة جديدة، قد تتحد تلك الأحزاب ضده.
وقال مصدر في أحد الأحزاب الرئيسية في «الإطار التنسيقي» إن الإطار اتفق في وقت سابق على إعادة توحيد صفوفه وتشكيل الكتلة الكبرى «لاختيار رئيس للحكومة (...) ورئيس مجلس النواب ونائبيه ورئيس الجمهورية».
في انتخابات عام 2010 فاز ائتلاف رئيس الوزراء السابق إياد علاوي بأكبر عدد من المقاعد (91) تلاه بفارق ضئيل ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي الذي فاز بـ89 مقعداً. ولم يحصل أي من الطرفين على ما يكفي من المقاعد لتشكيل حكومة وحده.
وبعد أشهر من المناوشات، أعلن الزعماء السياسيون التوصل إلى اتفاق بإعادة تعيين المالكي لولاية ثانية رغم حلوله ثانياً في الانتخابات. في الانتخابات الأخيرة 2021، انعقد البرلمان للمرّة الأولى بعد نحو ثلاثة أشهر من انتخابه، وذلك بسبب توترات سياسية جرّاء فوز مقتدى الصدر بأكبر عدد من المقاعد (73 مقعداً) وتنديد الأحزاب والمجموعات المدعومة من إيران بالنتائج.
وانسحب الصدر من البرلمان بعد أزمة حادة مع هذه الأحزاب تجلّت عنفاً دامياً في الشارع. وكان مُصرّاً على تشكيل حكومة أكثرية، في حين اجتمع آخرون تحت مظلة «الإطار التنسيقي».
