الإمارات وأزمة السودان.. جهود أممية وإقليمية تفضح الأكاذيب

قرقاش مع وفد الرباعية في اجتماعات الأمم المتحدة
قرقاش مع وفد الرباعية في اجتماعات الأمم المتحدة

الدولة تنتهج مقاربة دبلوماسية تعتمد على أدوات الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني

خبراء: الإمارات لا تتعامل مع الملف السوداني كحالة منفصلة بل كجزء من رؤية شاملة للأمن الإقليمي في البحر الأحمر والقرن الأفريقي

الإمارات، التي رسخت نهجاً ثابتاً يقوم على دعم الاستقرار والتنمية في المنطقة، تواصل اليوم أداء دور فاعل ومتوازن في مساعي إنهاء النزاع في السودان عبر منظومة الأمم المتحدة والمنصات الدولية، متجاهلةً الأصوات النشاز المضللة والأكاذيب التي تحاول النيل من موقفها.

بوصلة السياسة الإماراتية ظلت دوماً تشير إلى الحوار والسلام، انطلاقاً من قناعة راسخة بأن الحلول السياسية هي السبيل الوحيد لإنهاء النزاعات، وأن المساعدات الإنسانية يجب أن تبقى بمنأى عن الاستقطاب.

وفي الملف السوداني تحديداً، تركز الإمارات تحركاتها على حماية المدنيين وتعزيز فرص الحوار السوداني – السوداني، بما يعكس التزامها الثابت بمبدأ احترام سيادة السودان ووحدته، وترسيخ السلام المستدام فيه.

وتُمثل هذه الجهود رداً عملياً على محاولات مشبوهة تريد عبثاً التشكيك في نوايا الدولة، حيث تؤكد هذه الجهود أن دور الإمارات الإقليمي تحكمه قيم المسؤولية والشراكة والسلام.

نشاط أممي

في أروقة الأمم المتحدة، واصلت دولة الإمارات أداء دور فاعل في دعم جهود وقف إطلاق النار في السودان، مستندة إلى دبلوماسية متوازنة تراهن على الحلول السياسية واحترام السيادة الوطنية.

فمنذ اندلاع النزاع في أبريل 2023، تبنت الإمارات مواقف متسقة دعت من خلالها إلى هدنة إنسانية عاجلة، وطالبت بوقف فوري ودائم للقتال، مؤكدةً على ضرورة حماية المدنيين ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات، في التزامٍ واضح بالقانون الدولي الإنساني وبمبادئ العمل الأممي المشترك.

إطار أممي وإقليمي

وبحسب خبراء العلاقات الدولية، تتحرك الإمارات ضمن إطار أممي وإقليمي متكامل يشمل مصر والسعودية والولايات المتحدة، وهو ما يعرف بـ«الرباعية» المعنية بالأزمة السودانية.

وقد عملت من خلال هذا التنسيق على تعزيز فرص التهدئة السياسية، وإنشاء ممرات إنسانية آمنة، مع دعم المساعي الأفريقية والأممية لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة.

ولا تتعامل الإمارات مع الملف السوداني كحالة منفصلة، بل كجزء من رؤية شاملة للأمن الإقليمي في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، حيث يشكل استقرار السودان ركيزة من ركائز التوازن الإقليمي الذي تسعى الدولة إلى ترسيخه عبر التعاون والدبلوماسية لا عبر المواجهة أو الاصطفاف.

إلى جانب التحرك السياسي، كثّفت الإمارات من دعمها الإنساني للسودان عبر برامج الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، وأعلنت عن حزم تمويلية متعددة للأعوام 2023 ـ 2025 لدعم الغذاء والصحة ومشروعات النازحين، وأرسلت عشرات الطائرات الإغاثية إلى بورتسودان وتشاد وجنوب السودان.

وبحسب الخبراء، فإن هذا النهج يعكس التزاماً إنسانياً أصيلاً يجعل من الإمارات أحد أبرز المساهمين العرب في الجهد الدولي الإغاثي، وفق بيانات الأمم المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي، الذي أكد أهمية التمويل الإماراتي في مواجهة الأزمة المتفاقمة.

تقارير أممية تفنّد الادعاءات

ويشير الخبراء إلى أنه ورغم هذه الجهود، إلا أن الإمارات واجهت ادعاءات مغرضة حول دعمٍ مزعومٍ لأطرافٍ مسلحة داخل السودان.

ويؤكد الخبراء أن الإمارات تعاملت مع هذه التقارير بشفافية، إذ نفت رسمياً أي تورط في تزويد أي طرف بالسلاح، وأبدت استعدادها الكامل للتعاون مع الآليات الدولية للتحقق من المزاعم.

وأكدت بعثتها في الأمم المتحدة أن العمل الإنساني الإماراتي لا يرتبط بأي غرض سياسي أو عسكري، وأن سياستها الخارجية قائمة على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها.

في المقابل، شدّدت جهات أممية على أن أي استنتاج نهائي يجب أن يستند إلى أدلة موثقة وتحقيق مستقل، ما يعزز دعوة الإمارات إلى الوضوح والشفافية في مثل هذه القضايا الحساسة.

رامي زهدي: التحرك الإماراتي يتناغم مع الرؤية الأممية التي تعتبر أن الأزمة السودانية تمثل تهديداً مباشراً للسلم والأمن الدوليين
رامي زهدي: التحرك الإماراتي يتناغم مع الرؤية الأممية التي تعتبر أن الأزمة السودانية تمثل تهديداً مباشراً للسلم والأمن الدوليين

مسار السلام

ويؤكد الخبير في الشؤون الأفريقية والعلاقات الدولية د. رامي زهدي، أن الدور الإماراتي في الأمم المتحدة حيال السودان يُعد نموذجاً لدبلوماسية التوازن والمسؤولية، فهو لا يقوم على فرض الإرادة، بل على إعلاء مبدأ السيادة الوطنية ووحدة التراب السوداني، واعتبار أن السلام المستدام لا يُبنى إلا عبر حلول سودانية خالصة، بدعم أممي وإقليمي منسّق.

ويرى أن هذا الموقف أسهم في تعزيز دور الإمارات كشريك دولي موثوق يسعى إلى تحقيق الاستقرار في أفريقيا، لا إلى استثمار أزماتها. كما قدّم نموذجاً عملياً لدور الدول العربية في الأمم المتحدة عندما تتبنى مقاربة استراتيجية ناضجة لا ترتكز على الانحياز، بل على مبدأ المسؤولية المشتركة تجاه الأمن الإقليمي والدولي.

ويضيف زهدي أن تحرك دولة الإمارات في الملف السوداني ينبع من موقع متوازن ومدروس بعناية، ويعكس إدراكها العميق لتداعيات الأزمة على الأمن الإقليمي في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وهي منطقة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأمن الإمارات وتجارتها واقتصادها، حتى وإن ابتعدت جغرافياً، وكذلك على منظومة الأمن العربي والأفريقي على السواء.

الرؤية الإماراتية للأزمة

ويتابع د. رامي زهدي أنه منذ اندلاع النزاع في السودان بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023، تبنّت الإمارات مقاربة دبلوماسية تعتمد على أدوات الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني كإطار ناظم للتحرك نحو وقف إطلاق النار وإطلاق عملية سياسية شاملة لا تنحاز لطرف على حساب آخر.

ويُبرز الخبير أن الإمارات، خلال عضويتها في مجلس الأمن الدولي (2022 ـ 2023) وبعدها، عملت من خلال بعثتها الدائمة لدى الأمم المتحدة على الدفع باتجاه معالجة الأزمة السودانية عبر القنوات الشرعية الدولية، مركّزةً على ضرورة وقف إطلاق النار الفوري، وحماية المدنيين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.

كما دعمت الإمارات قرارات مجلس الأمن المتعلقة بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية في السودان (UNITAMS)، وأكدت أهمية التنسيق بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والإيقاد لتوحيد الجهود الدبلوماسية.

ويتابع زهدي قائلاً إن الإمارات تبنّت نهج «الحياد البنّاء»، من خلال تركيزها على دعم المبادرات الإنسانية والتنموية.

فقد أرسلت عشرات الطائرات الإغاثية إلى بورتسودان وتشاد وجنوب السودان، واستضافت مؤتمرات إنسانية بالتعاون مع الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات، كما موّلت جهود الإغاثة الدولية بالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي ومنظمات الأمم المتحدة المعنية باللاجئين والصحة العامة.

ويضيف أن هذه المقاربة تعكس رؤية إماراتية تعتبر أن تحقيق السلام في السودان لا يمر عبر موازين القوة، بل عبر إعادة بناء الثقة بين مكونات الدولة السودانية، وهو ما يتطلب بيئة إنسانية مستقرة ووقفاً دائماً للقتال.

التحرك الإماراتي والرؤية الأممية

ويشير زهدي إلى أن التحرك الإماراتي يتناغم مع الرؤية الأممية التي تعتبر أن الأزمة السودانية تمثل تهديداً مباشراً للسلم والأمن الدوليين، وأن انهيار السودان قد يمتد أثره إلى دول الجوار الأفريقي والعربي، في ظل هشاشة الحدود وتدفق اللاجئين وتنامي نفوذ الجماعات المسلحة.

ومن هذا المنطلق، دفعت الإمارات داخل أروقة الأمم المتحدة نحو صياغة مقاربة دولية متوازنة تجمع بين المسارين الإنساني والسياسي، بحيث لا تُستغل المساعدات كأداة ضغط، ولا يُترك المجال لفراغ سياسي تستفيد منه قوى التطرف أو تجار السلاح.

ويؤكد زهدي أن الإمارات اعتمدت أسلوب الدبلوماسية الهادئة بعيداً عن الاستعراض الإعلامي أو التصعيد الخطابي، فتواصلت مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا، ومع الأطراف الإقليمية الفاعلة كمصر والسعودية والاتحاد الأفريقي والإيقاد، لبناء أرضية مشتركة تفضي إلى وقف النار.

كما دعمت الإمارات الجهود السعودية ـ الأمريكية في محادثات جدة، وأعلنت في أكثر من مناسبة استعدادها لاستضافة أو دعم أي جولة حوار تجمع الفرقاء السودانيين تحت مظلة الأمم المتحدة، شريطة أن تؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار وإطلاق عملية سياسية وطنية شاملة.

ويختم زهدي بالتأكيد على أن الدور الإماراتي في الملف السوداني يستند إلى محددات استراتيجية واضحة، من أبرزها حماية الأمن في البحر الأحمر باعتباره شرياناً حيوياً للتجارة العالمية ولدول الخليج ومصر والسودان، ومنع تمدد الفوضى والإرهاب من السودان إلى دول القرن الأفريقي والساحل، والحفاظ على التوازنات حتى لا تتحول الساحة السودانية إلى ميدان صراع بين قوى متنافسة، إلى جانب تثبيت دور الإمارات كفاعل مسؤول في المنظومة الدولية يدفع نحو الاستقرار ويستخدم أدوات الدبلوماسية والتنمية بدلاً من التدخل العسكري.

طارق البرديسي: الإمارات تسعى لأن تكون جسراً للحل لا طرفاً في الصراع
طارق البرديسي: الإمارات تسعى لأن تكون جسراً للحل لا طرفاً في الصراع

دور فاعل ومتوازن

في السياق ذاته، يؤكد خبير العلاقات الدولية والمحلل السياسي د. طارق البرديسي، أن الإمارات العربية المتحدة تلعب دوراً فاعلاً ومتوازناً في ملف السودان داخل أروقة الأمم المتحدة، حيث تتركّز تحركاتها على دعم جهود وقف إطلاق النار والدفع نحو تسوية سلمية شاملة.

ويرى البرديسي أن الإمارات تؤدي دوراً بارزاً في الساحة الإقليمية والدولية يتميز بالحكمة والاتزان، ويقوم على المبادئ الدولية والإنسانية، بعيداً عن التورط في النزاعات أو تغذية التوترات.

ويضيف أن تحركات الإمارات في الملف السوداني تنبع من دوافع إنسانية وأخلاقية، إذ تركز على دعم الجهود الرامية إلى وقف إطلاق النار، وتقديم المساعدات الإنسانية، والمساهمة في جهود التعافي المبكر وإعادة الإعمار لاحقاً.

فالإمارات ـ كما يوضح البرديسي ـ تسعى لأن تكون جسراً للحل لا طرفاً في الصراع، وتحافظ على اتصالاتها المتوازنة مع جميع الأطراف دون انحياز، ما يعزز فرص نجاحها كوسيط فاعل يحظى بالثقة والاحترام الإقليمي والدولي.

كما يشير إلى أن الدولة تضخ مساعدات إنسانية وإغاثية عاجلة للسودانيين دون شروط أو اعتبارات سياسية، انطلاقاً من قناعتها الراسخة بأن استقرار السودان ينعكس بشكل مباشر على أمن المنطقة بأسرها، وأن دعم الشعب السوداني في محنته واجب إنساني وأخلاقي قبل أن يكون التزاماً سياسياً.

رؤية شاملة للسلام والتنمية

ويؤكد البرديسي أن هذا الدور يأتي في إطار رؤية شاملة للسلام والتنمية، تجعل من الإمارات نموذجاً للدولة التي توظف قوتها ونفوذها لصالح الشعوب لا على حسابها، مشيراً إلى أن الإمارات تعمل من خلال مجلس الأمن والمنظمات الدولية على تعزيز الحلول السياسية والدفع نحو مسار حوار وطني سوداني شامل يقود إلى الاستقرار الدائم.

ويشدد على أن جهود الإمارات تتركز على دعم العمل الإنساني والتنمية المستدامة كجزء من مقاربة شاملة تحترم سيادة السودان ووحدته، وتؤكد في كل مداخلاتها الدولية على أهمية وقف العنف فوراً، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وإنهاء معاناة المدنيين.

كما تعمل الإمارات، بحسب البرديسي، على التنسيق مع الدول المؤثرة والمبعوثين الدوليين لضمان بقاء السودان ضمن دائرة الاهتمام الدولي وعدم تركه وحيداً أمام أزماته.

ويختتم خبير العلاقات الدولية بالتأكيد على أن هذا الدور يعكس سياسة إماراتية ثابتة تجاه الأزمات في المنطقة، تقوم على الحلول السياسية واحترام إرادة الشعوب وتغليب الاستقرار والسلام على المصالح الضيقة أو التدخلات السلبية.